جدد الطيران الروسي انتهاك الأجواء التركية يوم الجمعة 29/1/2016، بحسب بيان أصدرته وزارة الخارجية التركية أعلنت فيه: إن مقاتلة روسية من طراز "سو 34 " انتهكت المجال الجوي التركي أمس الجمعة، مشيرةً إلى أنه تم توجيه تحذير لها عدة مرات من قبل عناصر أنظمة الرادارات التركية"، ولفت بيان الخارجية التركية إلى :" أن الانتهاك يعد مؤشراً واضحاً وجديداً للتصرفات الروسية لزيادة المشاكل، رغم تحذيرات تركيا وحلف شمال الأطلسي (ناتو) لموسكو بهذا الصدد"، وفي هذا السياق أكد البيان:" أن الخارجية استدعت مساء أمس السفير الروسي إلى مقر الوزارة، معربة عن احتجاجها واستنكارها الشديدين إزاء انتهاك المقاتلة الروسية للأجواء التركية".
وبالنظر إلى ردود الأفعال الروسية على إسقاط طائرة السوخوي24 بتاريخ 24/11/2015، واضطراب الرئيس بوتين النفسي وردود افعاله العاطفية، فإن الموقف التركي ينبغي أن يأخذ ذلك الدرس بعين الاعتبار ، لا خوفاً من ردود الأفعال الروسية، ولا تنازلاً عن حماية الأجواء التركية، فذلك من مسؤولية الجيش التركي، ومن مسؤولية الحكومة التركية، ومن مسؤولية رئيس الجمهورية التركي، بحكم سعيه الدؤوب للنظام الرئاسي، وانه الأقدر على مواجهة التحديات التركية المعاصرة، وفي مقدمتها التحديات الأمنية في بحر من الحروب والاشتباكات في المنطقة والإقليم، ومع ذلك وبالنظر إلى ردود الأفعال الروسية غير العقلانية، فإن التحدي الأكبر في مواجهة الاعتداء على الأجواء التركية ينبغي ان يتولاه حلف الناتو بنفسه، فالانتهاك للأجواء التركية هو انتهاك مباشر للأجواء التي يتحمل مسؤوليتها حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وليس مسؤولية تركية فقط، فإذا كانت الخطط الروسية إعادة توريط تركيا في عمل عسكري ضد الطائرات الروسية فإن على الحكومة التركية وحلف الناتو معاً أن يفشلا هذا المخطط الروسي، الذي يسعى بوتين من خلاله الى حرف بوصلة الصراع الروسي في المنطقة إلى الصراع مع تركيا، بعد التأكد من فشل الخطة العسكرية الروسية في سوريا بعد أربعة أشهر كاملة من الحرب والعدوان والقتل، خسرت روسيا فيها أكثر من مائة جندي روسي، وقتلها لأكثر من أربعة آلاف مواطن سوري، دون تحقيق تغيير في المعادلات العسكرية لبشار الأسد ولا لحلفه الطائفي.
والخطة الثانية المحتملة من وراء العدوان الروسي الجديد على الأجواء التركية هو الضغط على حكومة العدالة والتنمية التي اعلنت رفضها لذهاب المعارضة إلى مؤتمر جنيف3 ما لم يتم الالتزام بوقف إطلاق النار في سوريا أولاً، وتقديم مساعدات إنسانية ورفع الحصار عن المدنيين ثانياً، وفق قرارات مجلس الأمن الأخيرة ومنها قرار 2254، التي وضعت شرط وقف إطلاق النار على جميع الأطراف من الخطوات والمبادىء الاولى لإجراء مفاوضات سلام في سوريا، وحيث ان المؤتمر الذي كان مقررا يوم 25/1/2016 قد تأخر إلى يوم الجمعة 29/1/2016 بسبب موقف المعارضة الأصلية أيضاً، وقال إنها لن تذهب إلى جنيف إلا بعد تلبية مطالبها، فظن بوتين ان موقف المعارضة السورية الأصلية خاضع لضغوط تركية ومن أردوغان تحديدا، فأراد بوتين ان يهدد أردوغان بهذا الإنتهاك بتصرف عدواني مافيوي، فالانتهاك الروسي الجديد جاء يوم الجمعة 29/1/2016، وهو اليوم الذي امتنعت فيه المعارضة السورية الأصلية الذهاب إلى مؤتمر جنيف، فروسيا تخشى أن تخسر مشروعها السياسي في سوريا أيضاً، بعد ان خسرت مشروعها العسكري، وخسارتها لمشروعها السياسي هو الذي سيفضح خسارتها العسكرية وهزيمة بوتين في سوريا وفي الشرق الأوسط.
إن الرئيس الروسي بوتين يحاول ان يلفت الأنظار إلى معارك جانبية تخدع الشعب الروسي، بان تركيا هي من تساعد الإرهاب والإرهابيين، وانها هي من تقف ضد المشروع الروسي في سوريا والمنطقة، وبالتالي فإن معركته ستطول بسبب دعم تركيا للمعارضة السورية الأصلية التي يصفها بوتين ووزير خارجيته لابروف بالإرهاب، فالسياسة الروسية في ورطة تدخلها وعدوانها على سوريا، ولا بد ان تتحمل مسؤولية أخطائها، فهي تعلم أن من دعاها للتدخل في سوريا وهو الجنرال الإيراني قاسم سليماني في شهر تموز 2015، لم يدعها إلى سوريا إلا بعد فشله الذريع هناك، وكان خامنئي قد عزله من منصبه بعد فشله في اليمن وتكريت أيضاً، فكيف قبل بوتين دعوة جنرال فشل في مهماته العدوانية في سوريا بالرغم من ارتكابه لكل المجازر وحروب الإبادة البشرية في سوريا والعراق.
إن محاولة بوتين حرف بوصلة الأنظار من فشله في سوريا لا ينبغي أن تنجح، وعلى الناتو أن يتولى بنفسه مواجهة أي انتهاك للأجواء التركية، لأنه انتهاك لأجواء حلف دول شمال الأطلسي الأوروبية والأمريكية، فالهدف ليس العدوان على تركيا فقط، وإنما فرض الحل السياسي الروسي الباطل على الشعب السوري بالقوة العسكرية، وتركيا ليست وحدها من يفشل المشروع الروسي في سوريا، وإنما الشعب السوري أولاً واخيراً، فلو ذهب الشعب السوري في التآمر على نفسه وتسليم سوريا للنفوذ الروسي والإيراني فلن تستطيع الحكومة التركية منعه من ذلك، فالقرار السوري هو قرار الشعب السوري فقط، ودور الدول الأخرى بما فيها تركيا هو مساعدة الشعب السوري وليس إلزامه بحل سياسي معين، ودور حلف الناتو ومن يمثله من الدور الغربية أن لا تسمح لبوتين أن يحرف الأنظار عن المعركة الحقيقية، سواء كان خداعه للشعب الروسي قبل غيره، أم كان خداعه للشعوب الأوروبية، فأكاذيبه على تركيا تولى كشفها حلف الناتو، عندما أكد بان الطائرات الروسية قد انتهكت الأجواء التركية بتاريخ 29/1/2016، واكدت صحة البيان التركي، وكذلك توجيهه انذارات لروسيا بعد انتهاك أجواء الناتو ، فقال بيان صادر عن ستولتنبرغ يوم السبت 30/1/2016، " إن الأمين العام لحلف الشمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ، أوضح أن مقاتلة روسية انتهكت المجال الجوي التركي رغم التحذيرات المستمرة للمسؤولين الأتراك، داعياً روسيا إلى التحرك بمسؤولية، واحترام المجال الجوي للحلف"، وقال بيان الناتو: " أظهرت الحوادث السابقة مدى خطورة هكذا تصرفات"، مؤكداً ضرورة أن تتخذ روسيا كافة التدابير من أجل عدم تكرار حدوث انتهاكات مماثلة، وأضاف ستولتنبرغ، "نرحب بالتواصل المباشر بين أنقرة وموسكو، وأدعو إلى التأني وخفض التوتر، كما إن تركيا والناتو متضامنان، وندعم وحدة أراضي حليفتنا تركيا".
وقد أكد ذلك الانتهاك الروسي الجديد الذي نفته موسكو المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، مارك رايت، فأكد صحة قيام طائرة روسية باختراق المجال الجوي التركي، قائلاً:" إن على روسيا التوقف عن الأعمال التي تزيد من عدم الاستقرار في المنطقة".
هذه البيانات الغربية على اهميتها ولكنها لا تكفي، لأن المطلوب إفشال الخطة الروسية من وراء ذلك الانتهاك، وذلك بأن يتولى حلف الناتو نفسه إسقاط الطائرات الروسية المنتهكة لأجواء الناتو ولو كانت فوق الأراضي التركية، لأن تولي الناتو لذلك لن يتيح الفرصة لبوتين أن يستغل العاطفة الأرذودكسية الروسية في معاداة الناتو، بينما استطاع أن يستغلها في معاداة تركيا وشعبها وطلابها في روسيا، لأن الناتو إذا أسقط الطائرة الروسية المعتدية، فإن الشعب الروسي لن يقبل صراعاً مع اوروبا الغربية المسيحية، فضلا عن خوف بوتين ان يدخل في صراع عسكري مع الناتو لا تقوى عليه الترسانة العسكرية المتهالكة.
فإذا كان حلف الناتو صادقاً في تأييد وحماية أجواء أراضيه من العدوان الروسي، وكانت امريكا أيضاً صادقة في مواجهة الانتهاك الروسي لاستقرار المنطقة، فإن عليها أن تتولى بنفسها حماية الأجواء الجوية لتركيا، وإسقاط اي طائرة روسية تعتدي بعد اليوم على الأجواء التركية، وإلا فإنها سوف تتهم بأنها شريكا لروسيا في إدخال تركيا في صراع مع روسيا لا تقوى عليه وحدها اولاً، وان دول حلف الناتو شريكة في الخداع الروسي لتركيا لتوسيع رقعة الصراع في المنطقة ثانياً.
إن هذه القراءة تعني الحكومة التركية وتعني قيادة الأركان العسكرية التركية أيضاً بأن تدرك بأن تكرار العدوان الروسي على تركيا له اهدافه عند الرئيس الروسي بوتين، فقد يكون الرئيس الروسي بوتين يريد توريط الجيش الروسي في حرب محدودة مع تركيا لا يرغبها الجيش الروسي نفسه، ولذا فإن على الحكومة التركية الحذر من الخطط الروسية القادمة التي سوف تدافع عن فشلها في سوريا بأعمال عدوانية كبيرة وكثيرة ومتنوعة، قد يكون احدها العدوان الروسي المحدود على الأراضي التركية، فالرئيس الروسي لن يقر بخسارته في سوريا بسهولة، وعقليته الانتقامية ونفسيته المريضة قد تدفعه إلى اعمال انتقامية غير محسوبة، ومطالبة تركيا لحلف الناتو أن يقوم بمسؤولياته في حماية أراضي دوله بما فيها الأراضي والأجواء التركية لا يقلل من هيبة تركيا، بل يجعلها اكثر حكمة امام شعبها أولاً، واما الشعب الروسي ثانياً، بان الدولة التركية لا تسعى للدخول في حرب مع روسيا، وكذلك يجعل الحكومة التركية أكثر حكمة في نظر شعوب العالم اجمع، فوجود عقلية متهورية في روسيا، اخطات في تدخلها في سوريا، لا ينبغي أن يقابله عقلية متهورة في تركيا، ولا ينبغي ان يتمادى إلى حروب دولية، بل إن على عقلاء السياسة الروسية أن يدركوا ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أخطأ في حربه في سوريا، وأنه يتحمل مسؤوليتها زحده، وعليه التراجع عن خطئه في التدخل في الشأن السوري، فالشعب السوري لم يقبل بالاحتلال الفرنسي قديما، ولم يقبل الاحتلال الإيراني حديثاً، ولن يقبل الاحتلال الروسي في المستقبل، والاشتباك الروسي القادم لن يكون مع تركيا وإنما مع حلف الناتو، سواء كان فوق الأراضي التركية أو غيرها، ولا مصلحة للشعب الروسي الموت في سوريا ولا هدر طاقته الاقتصادية في حرب عقيمة، بل مصلحته في التصالح مع الشعب التركي وبناء اقتصاد متعاون وسياحة منفتحة ورائجة وسعيدة.
التعليقات (15)