العبقرية و السذاجة

العبقرية و السذاجة
سُئِلَ أحد الفلاسفةِ عن الفرق بين العبقرية و السذاجة؟، فأجاب أنَّ الأولى لها حدود، هذه القاعدة الذهبية يمكن أن يتمَّ سحبُها على كل المناحي التي نراها أمامنا محلياً و إقليمياً و دولياً، فبينما الأنظار مشدودة نحو جنيف و جولات المباحثات أو المفاوضات أو المشاورات التي اختلفت الأطراف الدولية على تسميَتِها رغم وضوح قرار مجلس الأمن الذي ينص على إيقاف قصف المدنيين و إطلاق سراح المعتقلين و كسر الجوع الذي يحاصر غالبية المدن السورية، بدأت طهران قطف ثمار تقاربها الأمريكي و الأوربي المُربِك لمنطلقاتِها التي قام عليها النظام السياسي الحاكم هناك!.

شرُفات الفنادق في جنيف التي اختزنَت ضحكات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال مفاوضات الإتفاق النووي الشهيرة منذ أشهر قليلة، عادت لتستقبل من جديد  تلك الشرفات و الشوارع الخطوات المرتبِكةُ أصلاً لكل الاطراف التي اتجهت للمدينة السويسرية، على الضفة الأخرى كان الرئيس الإيراني حسن روحاني يسير على السجادة الحمراء في إيطاليا و فرنسا على حدٍّ سواء، وحده روحاني ووفده كانوا غائبين عن جنيف بوجود الحليف الروسي الذي يقول و يقضي.

اتفاقاتٌ بالجملة وقَّعتها القيادة الإيرانية مؤخراً شملت عشرات المليارات التي توزّعت بين استيراد الطائرات و صناعة السيارات و الصناعات النفطية فضلاً عن التنسيق الثقافي الذي دخل عملياً حيِّزَ التنفيذ بين متحف اللوفر ووزارة الثقافة الإسلامية في طهران حيث يقضي الإتفاق الأخير على حفظ بعض المقتنيات التاريخية العراقية و السورية، وعلى شاكلة الاتفاق الروسي السوري الذي بموجِبِه بدأت موسكو عملياتها العسكرية في سوريا و الذي سرّبت وسائل اعلامُ روسية بعض البنود غير المعلنة منهُ مؤخّراً لا بدَّ أن نكتشِفَ – من خلال معرفتنا بإيران- بعضَ البنودِ غير المعلنة التي تقومُ على إعادة تأهيل النظام السوري و بصورة أدق المساهمة بإعادة إنتاجِه.

السياسةُ الناعمةُ أو القوة الناعمة التي تحاولُ طهران من خلالِها الولوج نحو العالم الأوربي و ترويضِ أخلاقياتِه التي قامَت في أصلها على حقوق الإنسان و مبادِئِها العامة، تلك المبادئ التي بدأ الساسةُ تحت ضغوط صناديق الإقتراع و الأزمات المالية إلى التفريط بها حتى وصلَ بهم الحال إلى تغطية وجوه وأجساد التماثيل التاريخية القديمة في إيطاليا تحت الطلب الإيراني!، لا بد من الإعتراف الآن أنَّ العجز ليس فقط سوري " ثوري"  لتعرية إيران أمام العالم بل هناك عجزٌ عربي شامل أمام التحركات الإيرانية سواء إقليمياً أم عالمياً، هذا العجزُ غير المبرر بالمطلق فما يمتلكهُ العرب من أدوات يجعلهُم قادرين على فرض إرادَتِهِم مهما كانت الخفايا التي تفرضُها دهاليز الحُكم حتى في ظلِّ الأنباء المتواترة عن الركود المالي التي تعاني منه الدول النفطية نتيجة هبوط الذهب الأسود إلى أدنى مستوياتِهِ منذ عقود.

الساسةُ الأوربيون الذين هروَلوا بإتجاه طهران عقِبَ رفع العقوبات الإقتصادية عنها، لم يفعلوا ذلكَ إيماناً منهم بضرورة تعزيز نظام الحكم في إيران بقدر ما شكَّل الإقتصاد المفتاحَ الرئيس في هذه المعادلة، فالمصالح السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية و القارة الأوربية تسير جنباً إلى جنب مع المصالح الإقتصادية وربما تتقدم الأخيرة على الأولى بمسافات بعيدة نظراً لتعلُّقِها بالشأن الداخلي ومعادلات الوصول إلى الحُكم بالنسبة للأحزاب المتنافسة في أي انتخابات قادمة بينما لا يهم الناخب الأوربي أو الأمريكي موقف بلاده من القضية السورية مثلاً.

هنا يكمن المفصل الذي يجب أن تُمسِك به الدول العربية التي تملك الكمية الأكبر من الإنتاج النفطي على مستوى العالم، ذلك المفصل الذي يمثِّل نقطة التوازن الأساسية في الواقع المهزوز أصلاً، فالزمنُ لم يتجاوز العربَ بعد لإستخدام النفط كسلاح حقيقي يخدم القضايا التي تتقاذفها الدول الكبرى لتحقيق المكاسب السياسية عربياً بالدرجة الأولى و هنا ليس بعيداً عن الأذهان و الذاكرة ما حدث في سبعينات القرن الماضي.

طبعاً لا أطرحُ إيقاف التدفق النفطي بالمطلق من قبل الدول العربية،  لأنّ السوق العربية مرتبطة بالدرجة الأولى بإنتاجات الغرب والولايات المتحدة و

الصين و هذه حلقةٌ مفقودةٌ في التنمية لم يتنبّه لها القائمون على خطط التنمية في وقت سابق، لكن ماذا يمكن فعله في ظل الإنفتاح الأوربي الأمريكي على طهران؟.

ماذا لو خفّضت الدول العربية من حصَّتها الإنتاجية النفطية على المدى الطويل، هل ستستطيع طهران تغطية العجز العالمي الذي سيتحقق بالإنسحاب العربي ككل؟، الجواب قطعاً و ذلك بالإستناد إلى أرقام الإنتاج و قدراته عبر السنوات الأخيرة، الأمر الثاني، ماذا لو أعلنت الدول النفطية العربية ربط مبيع النفط بسلّة عملات عربية مثلاً و فك ارتباطه بالدولار الأمريكي الذي يتحكّم بالكميات المالية المتدفقة جرّاء مبيع النفط؟.

هذه الخطوات – إن تمَّ التلويح بإمكانية القيام بها- ستُلقي بظلالها حُكماً على إجتماعات جنيف وأروقة المفاوضات التي لن تنتِجَ حتى الآن دخاناً أبيضاً يُبشِّرُ بحلٍّ إنساني قبل السياسي على الأرض السورية وستفرِضُ إرادةَ التحالف العربي سياسياً دولياً في اليمن و مدنه التي تخوضُ حرب شوارع منذ شهور.

المعركةُ التي يجب أن يخوضها العرب اليوم لا تقتصر على السياسة و الجغرافية فقط و إنما تمتد أذرعها إلى ميادين أكثر حيوية تتمثل في عمقها الأول بالإقتصاد، ذلك العمق الذي يجب أن يتعامل معه الداعمون العرب للثورة السورية كسلاحٍ حقيقي يستطيع تسديد الضربات الإستباقية، في ظل السياسات المضادة التي تنتهجها أطرافٌ أخرى ليست خفيّة على أحد.

التعليقات (3)

    ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب kk

    ·منذ 8 سنوات 3 أشهر
    لا يسعني الا الرثاء فانت تحلم أيها الكاتب الانيق ,لو تعي دول الخليج بسياساتهم البطيئة والموالاة التي لم تعد في مكانها بانهم مقضي عليهم لا محالة وبانهم مؤجلون فقط وان هناك مكر عظيم ينتظرهم لدافعوا عن السوريين وكل المقهورين لآخر قطرة نفط ودم في كل محافل الأرض فالخطة البديلة تمشي بأحسن مما توقعه الغرب بإفقار شعوب الأرض وفرض ما يريد ان يكون وهذا فقط لتحدي إرادة ومشيئة العزيز القدير والدليل سوريا فهل يا ترى سيصحى هؤلاء الحكام ويوالون ويتقون الله عز وجل فينا وهل الاخرون قادرين على هذا النوع من التحدي

    لا تفكير بمشاكل المستقبل عيشني لبكرة اساسا kk

    ·منذ 8 سنوات 3 أشهر
    الصلاة على الحاضر .. أتمنى على دول الخليج ان تفكر اسرع واعمق قبل فوات الأوان عليهم لا قدر الله عز وجل ولكنهم ما يزالون ينتظرون الغرب و يستشيرونه .. المؤمن القوي خير وأبقى عند الله من المؤمن الضعيف. انتم تشاهدون ما يحدث الان بأم اعينكم وكيف يطبقون عليكم كما يطبقون علينا .. فماذا تنتظرون .. سيرضخ الغرب لإرادتكم حتما .. وبعدها خليهون يفكرولي بخوذاء تاني المهم ماينجح خوذاء هلئ وعيشني لوئتا بكون عم افهم الاعيبون ومناوراتون هالنور اللي ما يستحوا من أي شيء واعني ما أقول لا يستحون من أي شيء.

    علاء

    ·منذ 8 سنوات 3 أشهر
    يازلمي يعني الحكام العرب مابيعرفو هل الشئ...بس مايطلع بايدن. ..موظفين ورواتبن من جيبنا كمان
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات