فقد أوضح الروس و الإيرانيّون أنّهم يسعون للحسم العسكري و القضاء على الثورة و خصوصا التشكيلات المعتدلة . قضينا الأعوام الخمسة الماضية و نحن نستمع لتصريحات المسؤولين الأمميين الّذين عيّنتهم الأمم المتّحدة للمساهمة بإيجاد حل للموضوع السوري، و كلامهم العام عن تفهّمهم لمعاناة الشعب السوري و مطالبه المشروعة، بينما نلمس في نفس الوقت سلوكهم المتواطئ مع نظام الأسد, من الدابي إلى كوفي عنان للإبراهيمي، إلى آخرهم وأسوأهم، ديميستورا, يقابلون ممثّلي الثورة السوريّة بكل عنجهيّة و صلافة و يتودّدون بكل ذل لممثّلي عصابة الأسد و حلفائها الروس و الإيرانيّين،
يرى جمهور الثورة صورهم و هم ينحنون أمام المجرمين , و يتمسّحون بالمراقد الشيعيّة و إتّهاماتهم بالتطرف جاهزة في المقابل لأي مظهر يوحي بإنطباع ديني عند الثورة. آخر تجليّات المبعوث الدولي كانت تهديده للشعب السوري بأنّ البديل عن الحل - على الطريقة الأسديّة الإيرانيّة الروسيّة - هو إطلاق يد الميليشيات الشيعيّة الإيرانية و الجيش الروسي لإستكمال تدمير سوريا و قتل من تبقّى من شعبها . و هذا مماثل تماما لموقف ممثّلي الإدارة الأمريكيّة الّّذين يريدون بطريقة ديبلوماسية إيصال رسالة إلى ممثّلي المعارضة بأنّه عليكم القبول بما يعرض عليكم مهما كان مجحفا فلن تنالوا أكثر منه .
التناقض بين ما يقوله المبعوثون الدوليّون و بين مواقفهم و أفعالهم , أقل من أقرانهم مسؤولي الإدارة الأمريكيّة . فمع حديثهم حول عدم وجود مستقبل للأسد في سوريا الغد , تظهر الحميميّة و الحرارة الّتي تجمع الوزير كيري مع المجرمين بحقّ الشعب السوري سيرغي لافروف و جواد ظريف، و الّتي لا تخطئها العين كما لو أنّهم أعز الأصدقاء، و لا يُظهر الوزير كيري نفس الدرجة من اللباقة لدى مقابلته وزير الخارجية السعودي أو القطري بينما لا يستطيع إخفاء عدم توافقه مع أي مسؤول تركي , أمّا لقاؤه مع المعارضة السوريّة فهو لإعطاء التوجيهات .
ليس هو فحسب بل حتّى الموظّفين الّذين تم تعيينهم كمسؤولين عن الملف السوري، و أكثرهم تميّزا بغطرسته لدى حديثه مع ممثّلي الثورة هو السفير الأميركي السابق لسوريا روبيرت فورد، الّذي كان شاهد عيان على تظاهر مئات الآلاف من السوريّين العزّل في حماه و طبيعة المظاهرات السلمية، كما و ذهب لعزاء الناشط السلمي غياث مطر في داريّا، و الّذي قتلته المخابرات الجويّة تحت التعذيب , هذا السفير نفسه صرّح في آخر مقالة كتبها "أنّ المعارضة السوريّة مازالت تريد أن تأتي القوّات الأمريكيّة لتزيح لها الأسد و هذا ما لن يحدث !!".
متى طلبت المعارضة ذلك يا سيد فورد ؟ كل ما طلبته المعارضة هو أن لا تمنع الولايات المتّحدة أصدقاء الشعب السوري من تقديم أقلّ ما يمكن للدفاع عن نفسه! في الوقت الّذي تغمض عينيها عن قوافل الآلاف و الآلاف من المقاتلين الشيعة الّذين ترسلهم إيران للقتال إلى جانب الأسد ,و الطائرات الروسيّة الّتي تقصف البلدات السوريّة و الجيش الحر تحديدا. كما أنّ مراقبة الإعلام الأميركي الداخلي الموجّه للشعب الأميركي يفضح درجة التناغم مع الروايات الروسيّة و الإيرانيّة و الأسديّة , فكل الحديث يدور عن حرب أهليّة أو عن صراع إقليمي إيراني سعودي مع تجنّب أي حديث عن ثورة شعبيّة ضدّ سلطة عائلة ديكتاتوريّة أو عن جرائم عائلة الأسد و حلفائها .
إذا أخذنا هذه الإزدواجيّة و التناقض بين التصريحات العلنيّة و الحديث عن نشاط ديبلوماسي , و حل سياسي , و بين المواقف العمليّة، سنرى أنهم يقومون بالإيحاء بأنّ هناك ما يتم القيام به، بينما في الواقع لا تستهف هذه النشاطات الديبلوماسيّة الخلّبية سوى إعطاء النظام و حلفاؤه المزيد من الفرص للقضاء على الثورة .
المواقف الأمريكيّة الأخيرة أراحت نفسها من الحديث نهائيا عن نظام الأسد، و لم تعد تتحدّث سوى عن محاربة داعش، حتّى أنّنا بتنا نرى تسريبات لأخبار كاذبة من مواقع مقربة من الإدارة الأميركية عن عمليّات كبيرة متوقّعة لداعش في العالم لتركيز الأضواء عليها ولتبرير التجاهل الكامل للموضوع السوري.
ربما بات على الثورة أن تردّ بالمثل، و أن تسمّي الأشياء بمسمياتها إعتمادا على الأفعال لا الأقوال. لا يوجد لدينا بعد هذه السنوات الطويلة أي مبرر لتصديق أو الوثوق بالموقف الأميركي، أو المبعوثين الدوليين، إذا إستمرّت مواقفهم على ما هي عليه بعد أن أوضح نظام الأسد و حلفائه أنّهم ليسوا في وارد أي حل سياسي سوى إستسلام الشعب السوري لحكم عصابة الأسد . و لن يستطيع المبعوثون الدوليّون و مسؤولي هذه الإدارة الأمريكيّة إيذاء الثورة و الشعب السوري و هم يلعبون دور الأعداء أكثر ممّا إستطاعوا إيذاءها حتّى اليوم و هم يلعبون دور الأصدقاء .
لو لم يكن نظام الأسد شر مطلق و غباءه فاضح لربّما كانوا عبروا بوضوح عن رغبتهم ببقائه و دعمه . اليوم وصلنا إلى لحظة الحقيقة : فللمعارضة وفدها المفوّض و الموحّد، و ما تطرحه هذه المعارضة لا يمكن مناقشته أو التشكيك بصحّته تحت أي عنوان مثل، توقّف قصف المدن و إستهداف المدنيّين في المخيّمات، أو إطلاق سراح النساء و الأطفال . ما الّذي يستطيع المبعوث "الأممي" و وزير خارجيّة الولايات المتّحدة الأمريكيّة قوله عن هذه الطلبات التعجيزيّة!! . و كيف سيرد سيرغي لافروف على هذه الطلبات؟ و لم تعد ذريعة تشتت المعارضة تنطلي على أحد، و إتّضح للجميع أنّ معارضة موسكو لا يوجد أي رابط يجمعها مع الثورة و أهدافها، حتى ان حجم تمثيل هذه (المعارضة) الشعبي معدوم , كما أنّ وفد الهيئة العليا للمفاوضات يحوي ممثّلين لتشكيلات عسكريّة، أي أنه يستطيع إلزام قسم كبير من الفصائل العسكرية بما يتم الإتّفاق عليه . ما يطلبه المفاوضون عن الثورة لا يمكن رفضه أو الإلتفاف عليه . فمثلا عندما طالب وفد المعارضة بفك حصار المدن و البلدات السوريّة إقترح ديمستورا إخراج النساء و الأطفال من المناطق المحاصرة !! بدل فك الحصار عنها كما تقتضي كل قوانين و قواعد حقوق الإنسان و كأنّ الهدف إيجاد شكل من أشكال التغيير الديموغرافي أو وضع خطوط تقسيم أوضح .
لم يعد من الممكن أبدا إستمرار الولايات التّحدة و بالتالي الأمم المتّحدة بهذه السياسة المزدوجة بعد فشل جنيف 3 رغم حضور وفد للثورة يتمتّع بدرجة كافية من التمثيل و المصداقيّة , و كان سبب الفشل هو الموقف المتعنّت و المتوقّع لوفد عصابة الأسد , و بعد اليوم إذا لم نرى موقفا عمليّا واضحاً لدعم الثورة و تلبية مطالب الشعب السوري المحقّة فإنّ هذا يعني أنّ اللعب قد أصبح على المكشوف , و لن يستطيع أحد تغطية التواطؤ العملي مع الغزو الروسي الإيراني ببضعة خطابات و تصريحات لا يمكن ترجمتها على أرض الواقع .
التعليقات (6)