هل يُعاد "أوسلو" على الطريقة السورية؟!

هل يُعاد "أوسلو" على الطريقة السورية؟!
لا شك أن المفاوضات هي نهاية المطاف لأي حرب، سواء أكانت بين دولة احتلال وشعب مُحتل أو بين دولتين تتنازعان السيطرة على منطقة ما، تأتي لوضع حد لهذه الحرب. ومن الخطأ الكبير أن نتوهم أن هناك مفاوضات وتوقيع معاهدات أو اتفاقات بين طرفي نزاع على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، منذ صلح وستفاليا عام 1648الذي قسّم أوربا إلى مقاطعات وممالك لإنهاء حرب دامت ثلاثين عاماً،إلى اتفاق الطائف اللبناني عام 1989 الذي أنهى حرباًأهلية دامت خمسة عشرعاماً، والذي قيل عنه آنذاك انه أسّس على قاعدة (لا غالب ولا مغلوب).إنما الحقيقة هي أن رفض عون لهذا الاتفاق جعل الجيش السوري يتدخل، عبر اقتحام منطقة سيطرته في بيروت الشرقية وكسر هذه القاعدة الوهمية.

ما يحدث الآن في سورية لن يكون استثناء عن القاعدة التي تجبر المغلوب الانصياع إلى شروط الغالب (طبعاً إلى الآن لم يستطع اي طرف أن يكون الغالب) الذي يكتب بنود الاتفاق النهائي لوقف الصراع بينه وبين خصومه، بعد مفاوضات سياسية تكون الأوضاع الميدانية هي الحكم الرئيسي فيها وهي من يدير دفة المفاوضات التي قد تمتد سنوات؛ لعل هذه القاعدة الذهبية تستثمر بشكل جيد جداً في سوريا وهو ما تعمل عليه روسيا الآن منذ أن رفضت وجود عسكريين في وفد التفاوض.

في واقع الأمر، إنّ ما اعتبرته المعارضة السورية تراجعاً في الموقف الروسي حول مشاركة ممثل جيش الإسلام"محمد علوش" كبير المفاوضين،بالإضافةإلى رئيس الوفد المفاوض الضابط المنشق عن جيش النظام "أسعد الزعبي"، هو تراجع دبلوماسي لا أكثر، عما روّج له من أن روسيا تعرقل عملية السلام في سوريا، دون الموافقة على تطبيق البندين 12 و 13 في القرار الأممي 2254 الذي وافقت روسيا عليه، والذي يتيح وقفا ًلإطلاق النار، وتأمين ممرات آمنة للمناطق المحاصرة، وإطلاق سراح المعتقلين، وهذا ما قيل عنه تقديم "حسن نوايا" من النظام تجاه المفاوضات قبل البدء بها.

من الواضح تماماً أن الهيئة العليا للمفاوضات لا تفاوض النظام في جنيف3،وإنما هي تفاوض موسكو على وقف إطلاق النار الذي كثفته بشكل جنوني منذ بدء المفاوضات، وهذا التراجع الدبلوماسي حول وجود عسكريين في وفد المعارضة،جاءلإسكات الانتقادات من الدول المؤثرة التي تسعى إلى عقد هذه المفاوضات، دون الحديث عن شراسة وعنف الهجمات الجوية التي تدمّر المناطق السورية وتقتل المدنيين، ما أدّى إلى تقدم جيش النظام والمليشيات الموالية له تحت هذا الغطاء الكثيف من الغارات الجوية لحصار حلب وحصار مناطق في ريف حمص الشمالي، خاصة بعد السيطرة على مدينة الشيخ مسكين في ريف درعا،حيث شعرت روسيا بأنها تحقق انتصاراَ على خصومها، وأن أنيابها برزت بشكل فعال وكبير جداً، في حين بدأت المعارضة المسلحة بالتراجع عن مواقعها التي كانت تسيطر عليها.

تستخدم روسيا حالياً ورقة الميدان في المفاوضات، ولعلها تحاول إقناع الدول الكبرى قبل الاجتماع الأمني حول سوريا  الذي سيعقد في 11 شباط، أن النظام يتقدم ولا جدوى من مفاوضة الفصائل العسكرية التي تتقهقر أمام ضربات النظام الذي يحقق انتصارات في الميدان، وأن أي مفاوضات قادمة هي للتوقيع على خارطة طريق تعتمدها روسيا،والتي أقنعتمن خلالها المبعوث الدولي "ستافان دي ميستورا" بتشكيل حكومة وحدة وطنية تكون الحقائب السيادية فيها من نصيب النظام،وإجراء تعديل في الدستور وانتخابات رئاسية، وأنه على المعارضة منافسة الأسد في هذه الانتخابات،وهي ذات الرسالة التي نقلها قبل جنيف3 وزير خارجية الولايات المتحدة "جون كيري" إلى المنسق العام لهيئة المفاوضات "رياض حجاب"، وتراجع عنها على لسان المبعوث الأمريكي لسوريا "مايكل راتني"الذي أكّد أن الولايات المتحدة مازالت تدعم المعارضة السورية لتشكيل هيئة حكم انتقالي.

من المعلوم أن الموقف الأمريكيأصبح مفضوحاً تماماً، إذ أنه يريد الانسحاب من المشكلة السورية بأقل الخسائر، وأصبح العالم كله يعرف أن أي إدارةأمريكية لديها عام كامل تدخل فيه حالة "سبات انتخابي" عميق، وهذا ليس جديدا فالمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية كانت تتوقف بشكل كامل خلال الانتخابات الأمريكية، والروس يعلمون أن الفترة الراهنة هي فرصتهم الذهبية لتحقيق ما يريدون في سوريا، خاصة وان الموقف الأمريكي متراجع أساساً، ويتراجع الآن بشكل أوضح.

من اليقين أن مفاوضات جنيف3 لن تفضي إلى شيء،الأمر الذي أصبح من المسلمات لدى الجميع، وتجديد الموقف الفرنسي والبريطاني (بعد تراجعه إبان أحداث باريس) حول موقفهم من الأسد الذي لا يجب أن يكون في مستقبل سوريا، وإلقاء اللوم على روسيا التي تقتل المدنيين السوريين دون اتخاذ أي إجراء عملي؛هذا الموقف للاستهلاك الإعلامي والذي يدخل في مفهوم أننا قمنا بواجبنا تجاه المعارضة وعليهم القبول بأي خطة تؤدي إلى وقف حمام الدم السوري، وهنا نعود إلى الخطة الإيرانية ذات البنود الأربعة التي تتبناها روسيا والمبعوث الدولي "دي ميستورا".

في الحقيقة أن الولايات المتحدة لديها دائماً طرق ملتوية في فض النزاعات الدولية، وهو ما يمكن الحديث عنه في الوقت الحالي، خاصة وأن التسريبات التي خرجت إلى العلن منذ عدة أشهر حول لقاءات متعددة بين رئيس الائتلاف الوطني "خالد الخوجة" مع بعض المسؤولين الأمنيين في النظام السوري وإيران خلال زيارتهلسلطنة عُمان وزيارة "علي مملوك"إلى السعودية؛ هذه التحركات الغريبة أصبحت تذكرنا بمفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في واشنطن، عندما كان "محمود عباس" و"أحمد قريع" يتفاوضان مع الإسرائيليين في "أوسلو" عاصمة النرويج، بعيداً عن عدسات الإعلامأو فضول الصحفيين، حيث تم توقيع اتفاق أوسلو الشهير عام 1993 بينما كان "صائب عريقات" و"حنان عشراوي" يفاوضان الإسرائيليين ولم يكن لديهم أي فكرة عما حدث في أوسلو (بحسب حنان عشراوي وما قالت للإعلام فيما بعد)، لعل ما يحضّر في كواليس المفاوضات هو ما سيتفق عليه المجتمع الدولي، بينما هيئة المفاوضات العليا تتمسك بشروطها التي يعلّق السوريين عليها آمال كبيرة!

التعليقات (1)

    محمد خلوف

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    كلام قريب جدا من الواقع
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات