خلطة الهستيريا تلك "تهديد وتحدي على سخرية ". دشنها أمس، قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري. بادعائه أن السعودية لن تجرؤ،على المغامرة بإرسال قواتها إلى سورية، واصفاً العملية بالانتحار، والهزيمة المُسبقة. فيما لوح أمين مصلحة تشخيص النظام، محسن رضائي بعصا بوتين، عبر التحذير من اندلاع حرب إقليمية. ما بين روسيا من جهة، والسعودية من جهة أخرى، تُفجر المنطقة. وتخرج إيران "وحدها"، سالمة من تداعياتها .
من شأن المفاجأة السعودية، إحراج روسيا بسحب ذريعتها "الداعشية" لاحتلال سورية، ومحاولة حرق الثورة، على طريقة الشيشان، لحساب بشار الأسد. وكذلك إحراج إدارة أوباما، التي تستخدم الذريعة ذاتها. لتحقيق غايات غامضة، رغم ما أظهره البيت الأبيض من ترحيب أولي، باستعداد الرياض لمواجهة "الإرهاب" برياً . وهي عملياً طريقة دحره الوحيدة. التي يتنصل "عضوات" مجلس الأمن، دون استثناء. من خوضها حتى اللحظة.
المؤكد، أن موسكو. لن تستسيغ الفكرة. بل لن تتردد، بمحاولة إجهاضها بوقاحة وعلناً، تحت يافطة وجوب استئذان حكومة الأسد. وهي ذريعة كرر استخدامها قبل أيام، المبعوث الروسي لدى مجلس الأمن فيتالي تشوركين. حين وشم عمليات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في سورية "بعدم الشرعية". لتجاهلها أخذ الإذن من "الحكومة "، بحسب تعبيره .
ما يُخيف روسيا وحلفاؤها، معروف سلفاً. ذلك أن دخول قوات برية نظامية، بالتحالف مع الجيش الحر لمواجهة تنظيم الدولة، من الحدود التركية شمال سورية. يعني "تلقائياً" إحياء المنطقة الآمنة، التي دفنتها الطائرات الروسية. ولن تكون خالية من داعش فقط. إنما من جيش الأسد، والميليشيا الشيعية متعددة الجنسيات، ومن حرس خامنئي الثوري، الذي سيجد نفسه لأول مرة "عارياً"، من ادعاءات العظمة، التي لا تقهر. في مواجهة "وجهاً لوجه"، مع القوات السعودية وحلفائها.
لكن الأهم، أن دخول القوات المشتركة المأمولة، بغض النظر عن دقة عددها "150" ألف مقاتل، أو الدول المُشاركة، أو قيادتها. يعني انطلاق العد التنازلي لإسقاط الأسد في دمشق. ووأد مساعي الإرهابي صالح مسلم لإقامة كانتون كردي انفصالي. عدا تبديد طموح إيران بقيام دويلة "علوية". كما يعني أن السعودية تتعامل مع سورية، كقضية مصير ووجود. لذا لن تتراجع عن المواجهة فيها، أقله في عهد الملك سلمان. سواء بالصدام المباشر، أو بالذهاب للأقصى في استئناف تزويد مقاتلي المعارضة المعتدلة، بالسلاح كماً ونوعاً، بما فيها مضادات الطائرات. بعد "توقف"، لصالح أوهام الحل السياسي.
بالمقابل، ليس من السهل تحويل الطرح إلى واقع، بظل "فيتو" روسي ظاهر، و"فيتوات" مُستترة. بيد أن مناقشته، تُمهد الأجواء لاعتماده، بوصفه الطريقة المُستدامة، لتفكيك المسألة السورية. وإعادة سلام مستحيل، بوجود مافيا الأسد العسكرية والأمنية. وهو ما سيسلم به بوتين عاجلاً أم آجلاً. بعد استنفاذ وحشيته، وفشل قانون الغاب الذي يعتمده. في فرض مالا يقبله غالبية السوريين.
عموماً، الصراع في سورية وعليها، وما خلفه من فوضى وأحقاد. أكثر تعقيداً من إمكانية معالجته بحلول تقليدية. مثل مبادئ جنيف1، أو مخرجات فيينا. والمرجح، أن لا مفر من وضع سورية بالنهاية، تحت وصاية ما، أو خطة مُشابهة. تقوم على مبدأ مشاركة ودعم الدول الراغبة عربياً ودولياً، بهدف فرض الأمن، ونزع سلاح كافة الأطراف. تنبثق عنها إدارة عربية، تقود حكومة "تكنوقراط" من السوريين. بعيداً عن المولاة والمعارضة، لإعادة بناء المؤسسات على أسس وطنية. وانجاز دستور ديمقراطي تعددي، تجري على أساسه انتخابات برلمانية ورئاسية، خلال مرحلة انتقالية محددة المدة. وهذا ما طرحته بمقالي رأي، في "أورينت نت". أولهما بالشهر السابع 2014 بعنوان (عبد الله الثاني ملكاً على سورية لمرحلة انتقالية). وثانيهما الأحد الماضي بعنوان (جنيف3 ميت سريرياً .. وسورية نحو وصاية عربية ودولية). وما زلت، أعتقد بأنه الحل الأجدى. إن لم يكن الوحيد.
التعليقات (8)