لا تخلو كل فترة من عمر البشرية من فرعونها الخاص ، لكن بعض الحكام كانوا من الاستبداد والظلم بحيث صارت قصصهم عبرة ومثلاً في تاريخ البشرية :
(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ).
أمام هذا السلطة المطلقة للفرعون كانت هناك امرأته ، التي ضربت مثلا للذين آمنوا على مر العصور :
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾.
امرأة فرعون آسية بنت مزاحم ، التي احتضنت موسى عليه السلام ورعته وأنقذته بإذن الله من القتل وهو صغير ، وحمته حتى شب و أصبح نبياً .
آسيا التي آمنت بالله سراً وهي في بيت رأس الكفر ، وعندما كاد أن يبطش بها فرعون دعت بتلك الآيات .
لم تُرِد بيت فرعون ملك الأرض الظالم الزائل ، بل طلبت بيتاً عند ملك الكون العادل الدائم الحي الْقَيُّوم .
آسية امرأة فرعون لم يغرها المال والقصر والسلطة والجاه، لأن الإنسانية الحقيقية كانت حية في قلبها قبل إيمانها بالرسالة ، وبدت ظاهرةً في رحمتها للصغير الطافي في التابوت في اليم ، فحملته ورجت فرعون أن يتخذا هذا الطفل ولداً ، بل وبحثت له عن مرضعة ، فمنعه الله عن كل مرضعة إلا أمه ، ليعود إلى صدرها و تقر عينها ولا تحزن .
آسيا الإنسانة الرحيمة الرقيقة هي ذاتها ، التي أصبحت آسيا مثال المؤمنين على مر العصور.
ماذا لو كان في بيت رأس الدولة الظالم الطاغية زوجة مثل آسية ؟
ماذا لو وقفت أنيسة ضد قتل زوجها الجزار بمعونة أخيه السفّاح رفعت الأسد لأربعين ألف إنسان في مدينة حماة وحدها !
ماذا لو وقفت في وجه إذلال السوريين ومعاملتهم كالعبيد من أجل رغيف الخبز و علبة الدواء والسكن والكساء ، وهي ترفل مع أولادها في النعيم المقيم !
ماذا لو لم توزع ملك سورية على أخيها وأولاد أخيها آل مخلوف الذين تقاسموا ثروات البلاد بكل سلاسة وبلا أية منافسة ، فمن يجرؤ على منافسة ابن خال الرئيس !
ماذا لو أخذت على يد ابن أختها عاطف نجيب الذي قتل أطفال المدارس في درعا ، وهدد باغتصاب أمهاتهن ، وأفرغ رصاصه الحي على أجساد المتظاهرين الغضة الذين يهتفون سلمية ، سلمية !
ماذا لو وقفتْ في وجه ابنها ومنعته من تسوية سوريا بالتراب وتدميرها بكل وسائل القتل والخراب وتدمير حياة ثلاثة وعشرين مليون إنسان !
ماذا لو وقفتْ أنيسة في وجه الاحتلال الروسي والإيراني والشيعي !
الشيء من معدنه لا يستغرب !
ومعدن آسية كان معدناً نبيلا جداً ، حتى قبل الإيمان بالرسالة !
أما معدن أنيسة ومن عاشرته وأنجبت منه ، فهي معادن خبيثة و عناصر قاتلة مدمرة حارقة سارقة ، بل هي متعمدة للأذى والتدمير، لا يرتجى منها خير إلى يوم الدين ، ولا يمكن بحال أن ينسى ملايين السوريين طيلة أربعين عاماً ما فعلته عائلتها بالشعب السوري، من مجازر وذل وقهر وهوان .
إن آل الأسد و أمهم ، لا يقلون فظاعة أبدا عن آل فرعون !
وما سمعنا أن فرعون باع بلاده للعدو ، وما سمعنا أن فرعون دمر مصر على رؤوس أهلها ، وما سمعنا أن فرعون قد حاصر الناس وجوعهم !
فرعون كان طاغية حارب الناس في عقيدتهم وأذلهم !
أما فرعون سورية فقد تجاوز ما عرفناه في التاريخ من فظائع الطغاة !
ولآل فرعون النار وسوء الذكر في الدنيا والآخرة :
(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب).
و لآل فرعون سورية الدعوات عليه بالعدالة الربانية ، والنار والجحيم ، والخسران المبين ، وحرقة القلب التي عاشها ملايين السوريين ، في الدنيا قبل الآخرة !
ملايين الأمهات التي فجعن بأولادهن !
ملايين الحسرات المكتومة والدموع المحترقة !
دموع جدتيٰ اللتين فقدتا أبناءهن بسبب حافظ الأسد ، ومُتن بحسرة لقائهم وما حظين ولو بحضن قبل الوداع ، أو رفقة ولدها حتى قبرها فقط ، لا وحتى زيارة بعد الموت ، ولا حتى زيارة ! منذ أكثر من ثلاثين عاما وحتى ساعتنا هذه !
ماذا تشعر يا ترى من لم تحظ بدفن ولدها كاملاً في قبر ، فقد حولته صواريخ بشار وأسياده الروس إلى أشلاء ممزقة تحت الركام !وقد كان قبل ثوان في حضنها ، يرضع من لبنها ، وتعقد عليه الآمال الكبار !
ماذا تشعر يا ترى الأم التي فقدت ابنها داخل معتقلات جحيم الأسد ، والتي يغدو الموت رفاهية كبيرة بالقياس إليها !
هناك حيث تتلف الأجساد وتدمر الأرواح وينتهك البدن ويأكله الدود والعفن !
وقد كانت تحلم بحفل تخرجه من الجامعة و باليوم الذي تزف به إليه عروسه ، و يخصب رحمها فترزق بحفيد يقول لها يا جدتي !
ها هي اليوم ، وغاية ما تحلم به أن تعرف هل ابنها حي أم ميت ! وأن تحظى براحة دفن جسده الشاب الجميل تحت التراب !
ماذا لو وقفت أنيسة في وجه كل تلك الجرائم و أوقفت تسعير هذا الأخدود للسوريين !
ماذا لو شعرت بوجع الأمهات التي يفترض أنها واحدة منهن!
ماذا لو كانت امرأة شجاعة كملايين السوريات اللاتي قلن لا! لا للجزار ودفعن الثمن !
ماذا لو اعتبرت نساء رجال المال والسلطة والجاه من أميرات وملكات و زوجات رؤساء كأسماء الأسد مثلا !
هل ستأخذين شيئا من مالك وملابسك وأحذيتك وقصورك وخدمك وحشمك معك في الكفن !
ألا يوجد في بقايا نفس إنسانية أمل !
لا أمل لابليس في الجنة ، ولكن ربما هناك أمل لمن قتل تسعة وتسعين نفساً أن يتوب !
ربما هناك أمل لزوجة مدير الميتم أن تتوب عن قهر وإذلال الأرامل والأيتام ، وتقريب الموالين و حرمان المعارضين لسلطتها الاستبدادية !
ماذا لو تذكرت أنه في لحظة واحدة قد تكون مكان أضعف امرأة منهن !
ربما هناك أمل لزوجة رئيس المؤسسة الطاغية ، أو قائد المنطقة الفلانية ، أو تاجر الحرب في الأرض الفلانية ، أو لص الإغاثة في المدينة الفلانية !
زوجك أو ابنك الظالم : أم الله ، الحق ، العدل !
ثروتك وسلطتك ومنظرك أمام الناس : أم الله ، إن كنت حقاً تعرفين الله !
هناك أمل لك و عبرة :
إما أن تكوني كامرأة فرعون التي نزل فيها قرآن يتلى إلى يوم الدين ، مثلا صالحا ً للمرأة الشجاعة المؤمنة النبيلة !
وإما أن تكوني كأنيسة التي فرح بموتها ، وتمنى لحاق ذريتها المجرمة بها ملايين السوريين!
الخيار لك أيتها المرأة :
فماذا لو كنتِ كامرأة فرعون !
التعليقات (2)