يقول النبي ﷺ: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق. من هنا يمكننا القول كمسلمين إن مصدر الإلزام في الأخلاق الإسلامية هو شعور الإنسان بمراقبة الله عز وجل له، أما مصدر الإلزام في الأخلاق النظرية فهو الإحساس بالواجب أو الخوف من القوانين الوضعية، ولذلك فللأخلاق الاسلامية قيم ثابتة ومثل عليا تصلح لكل زمان ومكان، ولكافة المجتمعات البشرية، على عكس مصدر قيم الأخلاق البشرية التي يحكمها العقل البشري بكل قصوره، أو ما يتفق عليه الناس من أعراف تتغير من مجتمع لآخر.
لطالما كانت طبيعة الأنظمة الحاكمة هي المحرك الأساسي لمنظومة الأخلاق الاجتماعية، فنجد هذه المفاهيم تتغير صعودا وهبوطا وبالتوازي مع السياسات التي تضعها هذه الأنظمة ومدى ما تتمتع به من أخلاقيات واحترام للقيم الإنسانية، وحق المواطن في حياة حرة كريمة يستطيع من خلالها ممارسة ما يؤمن به من أفكار ومعتقدات وبشكل لا يتعارض مع حقوق وحرية الآخرين.
في الحالة السورية يمكن لنا تصنيف المجتمع السوري على أنه مجتمع متعدد الأعراق والثقافات والأديان، مع الأخذ بعين الاعتبار أن غالبيته السكانية من المسلمين السنة، الذين قبلوا ثقافة الآخر وانتمائه الديني والعرقي وتعايشوا معه بوئام وسلام لقرون عديدة، وهو ما جعل من المجتمع السوري فسيفساء اجتماعية جميلة متعددة الأشكال والألوان، لم يفسد روعتها إلا عصابة الأسد التي حولت سورية إلى سجن كبير يعتقل فيه الإنسان لمجرد وشاية كاذبة فيقبع في زنازين الفروع الأمنية لسنين قبل أن يعرف المسجون لماذا سجن، حتى إن احدهم قد سجن وعذب وحققوا معه 13 عاما بحجة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين قبل أن يكتشفوا أنه ليس حتى مسلما بل مسيحي.
قبل يومين توفيت أنيسة مخلوف، عرابة ومهندسة العصابة الأسدية وطباخة تفاهماتها وتسوياتها، لا يهم أين ولا كيف توفيت سواء كان في سورية أو الإمارات أو حتى في إيران، ما يهم هو التذكير بتاريخ هذه العصابة أخلاقيا وممارساتها وكيف لعبت دورا في افساد مجتمع كامل وأجيال عديدة على مدى عقود. ألم تكن أنيسة مخلوف السبب المباشر في تطور الأحداث في درعا واندلاع الثورة السورية عندما وقفت في وجه الجميع مهددة كل من يحاول اقصاء ابن اختها المجرم عاطف نجيب بل أمرت بالضرب بيد من حديد ضد كل من يتجرأ ويطالب بمحاسبة أحد من العائلة الحاكمة.
لقد ابتلي السوريون ومنذ وصول حزب البعث إلى السلطة بعصابة حكم كان أخر همها الأخلاق والفضيلة، لا بل كان إفساد هذه الأخلاق والقيم الاجتماعية أحد أهم مرتكزات تثبيت حكمها لسورية، فالفاسد لا يستطيع العيش في بيئة تسودها الفضيلة والأخلاق، فكان لابد من إفساد المجتمع، ولو سألتم أي سوري عن أخلاقيات العصابة الأسدية الحاكمة من قمة رأسها وحتى أخمص قدمها، لأجابكم بأنهم رعاع، لا يفقهون سوى الكفر لغة شتيمة فمارسوه حتى جعلوا منه عقيدة، وهم قوم العرض لديهم مستباح، والنهب حلال، الرشوة في نظرهم إكرامية، والمحسوبية شطارة، وقانونهم "مشي حالك"، الأخلاق بمفهومهم زجاجة عرق، والمبادئ كم تدفع، قد يناديك بالقرد (قرد ولووه) شتيمة وقد تكون مزاحا، لكنها في الأساس إشارة تعجب لديهم، المواطن بنظرهم صالح مالم يكن مصليا، ونديم مقرب طالما أنه للخمر شاربا، إنها العصابة التي إستباحت سورية من أَلِفِها إلى الياء، فأفسدت فيها كل جميل، ونشرت الرذيلة والفساد، وزرعت الفرقة والعداوة بين أبناء الوطن الواحد.
في الأمن والجيش، في العمل والدراسة، في المقهى والشارع، أينما وليت وجهك فلن تجد منهم إلا الوقاحة وسوء الأدب، أفسدوا العلم والتعليم، وخربوا الدين والتدين، قدموا الطالح المفسد وأخروا الصالح المصلح، فنجحوا في تشكيل منظومة حكم فاسدة مفسدة لا يستطيع ارتقاء سلمها إلا الفاسدون المفسدون، فقد قدمت العصابة الأخلاق القبيحة كنموذج حسن، وجعلته مقياسا للقبول وسمو المكانة، فشاع سوء الأخلاق وساد، حتى أصبح صاحب الخلق الحسن يعيش في معاناة وكبد لا يملك إلا الصبر والاحتساب. بل أصبح يطلق عليه ألقاب كالأبله والغبي لأنه مازال يتمسك بالمبادئ والشرف، في حين يطلق لقب الشاطر والذكي على اللص والمتسلق المنتفع.
كل شيء مباح في دولة الأسد الفاسدة، اسرق، انهب، خرب، حطم، لكن إياك والإقتراب من النظام أو انتقاد إجرامه وفساده، وإياك ثم إياك أن تسأل عن الأموال والملايين التي امتلأت بها جيوب العائلة التي احتكرت كافة المشاريع والاستثمارات في سورية.
لقد جعلوا أنفسهم بمثابة الآلهة التي يحل غضبها على كل من يكفر بها، فمن بشار الأسد إلى الزير مصطفى طلاس، فمفتي الجمهورية البعثية الحسون المغرد "شيعي الهوى", إلى سفراء النظام كسيئ الأخلاق الجعفري "بنادول" وقادة الأجهزة القمعية مرورا بضباط الجيش كالنمر الوردي ونظرياته الأفلاطونية المتجددة، والتجار شركاء مخلوف، والفنانين المخادعين كالممثل "الشيعي" غوار، و"الساقطة" رغدة وأساتذة الجامعات كعلي بركات مبتز الطالبات جنسيا، وخطباء المساجد كخطيب المسجد الأموي مأمون رحمة الشبيح عميل المخابرات التي كان يقدم لها قوائم بأسماء الناشطين في بلدته كفر بطنا، وصولا إلى أصغر موظف أو عنصر جيش وأمن، جميعها أمثلة حية على مستوى الإنحطاط الأخلاقي الذي وصل إليه المجتمع السوري على مدى أربعة عقود ونصف من حكم آل أسد مجهول الهوية والنسب، الذي لم يرع حرمة أو كرامة أو قدرا لأحد، فكانت سياسة الإذلال والإفساد هما ركيزتا هذا الحكم الظالم سيء الصيت والسمعة والخلق.
السوريون وغيرهم يعلمون تمام العلم أن البطش كان هو الوسيلة التي مارستها عصابة الأسد في سبيل تحقيق مصالحها حتى على مستوى الشارع والمواطن البسيط الذي كان يعاني الأمرين من هذه الممارسات التي لم تعد حصرا على أبناء العصابة ولا سمة تميزهم عن غيرهم، بل تعدتهم إلى الفاسدين من السوريين الذين وجدوا ضالتهم في هكذا سلوك فأصبحوا يتشبهون بهم قولا وفعلا، متسلحين بعبارتان شهيرتان حفظهما السوريون عن ظهر قلب وهما: (قرد ولووه) و (عريف مع مين ما تحكي) للدلالة على أن المتحدث هو أحد أبناء العصابة الأصلاء.
إنها "أزمة أخلاقية" هكذا يصف الأسد ما يحدث في سورية قالها في حفل إفطار أقامه ذات يوم رمضاني على شرف المنافقين من أرباب الشعائر الدينية، قالها في حين كان جيشه يخلط على الناس خبزهم بالدماء، نحن بالفعل أمام أزمة أخلاقية عندما يقول سفاح الشام: "الشرعية يعطيك إياها الشعب، عدا عن ذلك كل هذه المسرحيات ليس لها قيمة عندنا"، ونعم إنها أزمة أخلاقية عندما يصف هذا الأبله الشعب السوري بالإرهابيين والجراثيم، لكن الأزمة الأخلاقية الكبرى هي عندما تقوم الدنيا ولا تقعد على حرق مصحف أو رسم مسيء للنبي ﷺ ثم لا يحرك المسلمون ساكنا وهم يشاهدون المذبحة التي ترتكب بحق أهل الشام ولا على السخرية من الذات الإلهية والعقيدة الإسلامية التي تغولت إيران وتابعها في حربهم عليها في الشام والعراق تحديدا
لا أعتقد أنني بحاجة لذكر الكثير من الأمثلة للدلالة على مدى الإنحطاط الأخلاقي الذي ميز عصابة الحكم مؤسسات وأفراد، إذ لا يكاد يمر يوم إلا ونشاهد بأم أعيننا تصرفات وأفعال المنتمين الى نظام المقاومة والممانعة، فمن التصريحات التشبيحية الرسمية إلى الأقوال، العنوان واحد وتشبيحي بامتياز، من منا لا يذكر ممارسات أمن وجيش وشبيحة بشار منذ اليوم الأول لانطلاق ثورة الكرامة السورية، من منا لا يذكر كيف تعاملت عصابة الأسد مع المدنيين العزل، وكيف كان شبيحة الأسد يجلدونهم ويدوسونهم بالأقدام، من منا ينسى كيف كان شبيحة بشار ولايزالون يلقنون السوريين شهادة أن لا إله الا بشار تارة، ولا اله الا ماهر تارة أخرى، أم ربما ننسى شعار الأسد أو نحرق البلد.
قلة هم الذين يعلمون أن للخصومة والقتال أخلاق يحملها الفرسان ولا يقدر عليها الرعاع، هي نفس الأخلاق التي دفعت زهير بن أبي أمية إبان حصار كفار قريش للنبي محمد ﷺ وصحبه في شعب أبي طالب للقول: " يا أهل مكة، أَنَأكُلُ الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هَلكى، لا يباع ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة"، هذا كان خلق كفار قريش فكيف بمن يدعي الإسلام، والإسلام منه براء ويدعي الإيمان والمظلومية, لكنه وفي نفس الوقت يخط على جدران المدن والبلدات المحاصرة عبارة "الجوع أو الركوع"؟ فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف نطلب ممن لا خلق له ولا إنسانية، أن يكون إنسانا، هم حتى لم يكتفوا بالحصار وقتل المدنيين العزل جوعا، هم تخطوا وحشية الحيوان بمراحل فتشفوا وشمتوا بأطفال تحت الحصار قد ماتوا جوعا وبردا، وهذا لعمري خلق ما سبقهم إليه من أحد من الأمم.
حتى الحيوان يملك شيئا من الرحمة، فكم من مفترس أطلق سراح فريسته الصغيرة بعد ان رأى ضعفها وقلة حيلتها، وكم من وحش ترك فريسته بعد قتلها عندما اكتشف أن لها صغيرا في حضنها، فكيف يمكن لبشر أن يفعل فعلهم، ألا يملكون شيئا من رحمة ملكها حتى الحيوان، إنه الغضب الإلهي الذي حرم هؤلاء شيئا اسمه الرحمة فقتلوا المدنيين وروعوا الآمنين وزرعوا الرعب والخراب في طول البلاد وعرضها، كيف هانت عليهم أرواح وأعراض مئات الألوف؟ وكيف طاوعتهم قلوبهم تدمير وطن بناه السوريون على مدى قرون؟
إنها سورية "الشام" هي التي خربوها، وهجروا أهلها وانتهكوا حرماتهم، دمروا مساجدها وما حوت أرضها من تاريخ وحضارة، جربوا كل أنواع القتل والتدمير فما شفت غليلهم، ولا أشبعت تعطشهم للدم، فمن أي طينة جبلتم "قرد ولووه"؟
التعليقات (9)