وحدهم فقط

وحدهم فقط

انطلق السوريون بثورتهم غير عارفين بحجم العنف الذي كان ينتظرهم من النظام، قارعوه وهم واثقون من أنهم يستحقون كامل حقوقهم من الكرامة وحتى الحرية، بدأ شباب درعا (أم اليتامى) الانتفاضة والتظاهرات، وسرعان ما خرج كل السوريين يتضامنون معهم ويُطالبون بحريتهم الجماعية، فعمّت التظاهرات كبقعة زيت في كل أنحاء سورية، في الأرياف المهمّشة وفي المدن الكبرى، في الشمال والجنوب وكل الاتجاهات، وبلغ عدد المتظاهرين مئات الألوف، ووقف السوريون يناصرون بعضهم بعضاً، وضعوا أرواحهم على كفّوفهم وفي نيّتهم إنهاء خمسة عقود من الظلم والتمييز والديكتاتورية.

خلال خمس سنوات تلقّى السوريون أصحاب الثورة الكثير من الوعود العربية والإقليمية والدولية بدعم الثورة حتى النهاية، وسمعوا الكثير الكثير من الكلام المعسول، لكن في واقع الأمر لم يلتزم من أطلقوا الوعود بوعودهم إلا فيما ندر، ولم يتحول الكلام إلى أفعال، ومن وضع خطوطاً حمراء للنظام لم يأبه بها، ومن امتلك الفيتو لم يستعمله لصالح السوريين، ومن امتلك مضادات الطيران لم يُقدّمها للثائرين رغم استجدائهم لها، ومن تحدث عن الحل السياسي لم يضغط من أجله، ما دفع الكثيرين لتسميتها بـ (الثورة اليتيمة).

وحدهم السوريون وقفوا إلى جانب بعضهم بعضاً، ففي البدايات هتفت دوما لدرعا، ودرعا لحمص، وحمص لدير الزور، ودير لزور لإدلب، كلّهم وقفوا صفاً واحداً ضد آلة القمع المتمرسة التي انفلتت من عقالها، بكى السوريون على مآسي بعضهم، وتضامنوا حتى أتعبهم العنف وأرهقهم الدمار وأوقفهم الموت، وبعد أن تسلّحت الثورة انتشر السوريون في كل مكان، لم يهمهم عن أي مدينة أو بلدة يُدافعون، فقاتل ابن حمص في بصرى، وابن درعا في حلب، وابن حلب في الرقة، لم يبخلوا على بعضهم بالرجال ولا بالسلاح على شحّه.

مقابل كل هذا، فتح النظام الأبواب على مصراعيها لكل من يقبل بأن يدعمه أو أن يدافع عنه حتى لو كان من المارقين مقابل أي ثمن، وهو ما لاقى ترحيباً من كثيرين، فالوليمة دسمة والثمن المطلوب صعب الحصول عليه من أي نظام طبيعي، وسرعان ما وعده حزب الله أن يسخّر له ميليشياته الطائفية وفَعل، وأرسل المقاتلين لينشروا الموت والطائفية في كل مكان، ووعدت إيران أن تُقدّم المال والسلاح والعسكر وفَعلت، وأرسلت ضباطها ومرتزقتها كمستشارين لينشروا الخراب والكراهية، وأرسلت المال والسلاح دون حساب، ثم وعدت روسيا أن تُنقذ النظام وفَعلت، فاستخدمت الفيتو غير مرة وأرسلت سلاحاً وخبراء بالسر، ثم تحوّلت لترسل كل شيء بالعلن، أرسلت السلاح والجنود وأرسلت معهم الموت والدمار، جميعهم وعدوا أهل النظام ونفّذوا وعودهم، أسمعوهم كلاماً مُطمئناً وفَعلوا، ليس حباً بهم ولا صدقاً منهم ولا كرم أخلاق، بل لأن لكل وعد ثمن، هي تجاره رابحة بالنسبة لهم، تحقق غاياتهم الطائفية أو أحلامهم التوسعية أو مصالحهم الاستراتيجية.

خلال خمس سنوات، لم يتحرك أحد لإنقاذ هذا الشعب المسكين، لم يجد من يسند ظهره أو يمسح دموعه أو يُداوي جراحه، كانت حمص خطاً أحمر تلاشى بغمضة عين، وكانت أسلحة الدمار الشامل خطاً أحمر سرعان ما نُسي، وكان استخدام الكيماوي خطاً أحمر لم يصمد طويلاً، وكان الحصار ممنوعاً والإبادة الجماعية محظورة والتغيير الديمغرافي جريمة لكن لم يمنعها أحد، بل لم يحاول حتى أن يمنعها أحد، وتُرك السوريون يُقاتلون وحدهم، ويواجهون مصيرهم دون مواسٍ.

رغم عدم الوفاء بالوعود، وضعف أصحاب الثورة، وندرة الدعم السياسي والعسكري وحتى الإنساني، ورغم المتنصلين من الوعود والهاربين منها، والمتحججين والمراوغين والمترددين بتقديمها، ظلت البنى الحاضنة للثورة قائمة، وزادت الشرائح الرافضة للنظام، وزاد عدد الرافضين لأي مستقبل له في سورية، وبقيت الثورة حيّة بعد خمس سنوات عجاف ذاق فيها السوريون ما لم يذقه شعب منذ مائة عام.

رغم الأخطاء الكثيرة والكبيرة التي ارتكبها ثوار سورية ومعارضوها وقلة تجاربهم، وفشل السياسيين منهم في تحقيق توافق فصائل المعارضة على الهدف والأسلوب، وتعثّر العسكريين منهم في الوحدة والعمل المشترك، وضعف منظمات المجتمع المدني والسياسيين المستقلين وشح التمويل وندرة مصادره، رغم كل هذا يبدوا أن الثوار السوريين أدركوا متأخرين أن لا أحد لديه الرغبة الصادقة والجدّية في حل مشكلتهم، وأن عليهم أن يوحّدوا رأيهم وقواهم وسلاحهم، ويواجهوا مشاكلهم بإرادة لا تلين وتَبصُّر، وعليهم أن يتصرفوا على أنهم هم وحدهم الذين سيقلعون شوكهم بأيديهم.

التعليقات (1)

    Adel

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    التحليل السياسي المرادف لاحداث سوريا,للاسف لايرقى الى المستوى المطلوب,روسيا وامريكا وبريطانيا وفرنسا وقالها بكل وضوح حاخام الكنيسة في الفاتيكان(مساعدة الشعب السوري خطيئة لاتغتفر) ,داعش هي مولودة من رحم بني صهيون ! اسرائيل تعلم شعبها ليل نهار,حدودك يااسرائيل من الفرات الى النيل- والصليبيون يقولون عنها بهتانا وزورا دولة ديمقراطية! وهي دولة عدوانية ومغتصبة وتمارس الارهاب والاجرام ,الجميع يعملون لاقامة الحلم الصهيوصليبي على طريقة عقيدتهم الفاسدة!
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات