المعارضة تأكل الهواء!
ما استخدمه البيان من مصطلحات، مثير للعجب. ذلك انه يُصر، على عبارة فريق ديمستورا المُبتكرة، في توصيفه للمناطق التي يطوقها جيش الأسد، وميلشيا إيران الشيعية، ويقصفها الطيران الروسي. "بمناطق يصعب الوصول إليها"، بدلاً من المُحاصرة. كما يستبدل مصطلح "وقف إطلاق النار بتعبير "وقف الأعمال العدائية". وكأن ما يجري على الأرض، مجرد مناوشات بأسلحة خفيفة. وليست حرب إبادة، بأثقل وأحدث أنواع الأسلحة. وتهجير منظم لشعب بأكمله. واحتلال إيراني شيعي استيطاني، برعاية روسية.
لعل الأخطر، أن تنفيذ تلك "اللفتة" الإنسانية، إضافة إلى إطلاق المُعتقلين. لا يُمكن اعتبارها شروطاً مُسبقة، لاستئناف المفاوضات. ما يعني أن البيان العتيد، يُطعم الهواء للمعارضة، بعد أن جرى "تأديبها"، بحرق المدنيين والفصائل المُعتدلة في حلب. وأنه سيتم سوقها إلى مذبح جُنيف4. لتبصم على "المصالحة". بحسب تفسيرات موسكو للقرار 2254. في حين أن ما ذُكر عن تطبيق كامل بيان جنيف1. لا يتعدى التجميل اللفظي المطلوب، لتسويق مخرجات فيينا، باستبدال هيئة الحكم كاملة الصلاحيات، بحكم ذي مصداقية وشمولية وغير طائفي. وهو ما يُمكن توفيره شكلاً وتفريغه من مضمونه، عبر حكومة "وحدة وطنية" يقودها بشار الأسد. وتُصفق لاحقاً لترشحة، إلى انتخابات رئاسية قادمة، ضمن أعلى معايير الشفافية، لكن الروسية. التي لن تتمكن إدارة أوباما من رعايتها، بسبب مغادرتها البيت الأبيض. بعد أن أوفت بوعودها لطهران، تحت طاولة الاتفاق النووي . بعدم إسقاطها الأسد، كما منع خلعه بالقوة.
هذا "الأسد"، الذي لم يعد يملك من قراره السياسي والعسكري، أكثر من صلاحية، التصريح لوسائل الإعلام ، آخرها "لفرانس برس" أمس، مُهدداً بمواصلة القتال أثناء المفاوضات، واستعادة سيطرته على كامل البلاد. الأمر الذي اضطر متحدث باسم الخارجية الأمريكية، لتذكيره بأنه "واهم"، في اعتقاده بأن هناك حلاً عسكرياً للصراع في سورية. في تصريح، لا يكفي لترميم الثقة بنوايا واشنطن.
الانقضاض على المبادرة السعودية!
بالتزامن، عمدت إدارة أوباما، إلى الانقضاض على المبادرة السعودية، بإرسال قوات برية إلى سورية لمواجهة داعش. من خلال محاولة حرف مسارها، وتحويله من حلب إلى الرقة. حيث رحب وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر، من بروكسل "مقر انعقاد الناتو"، بمشاركة قوات برية سعودية وإماراتية، لتحرير الرقة من داعش. وكان لافتاً استخدامه تعبير "مشاركة العرب السُنة" بتحرير أراضيهم. ما يُجدد التساؤل، حول حقيقة النوايا الأمريكية – الروسية، بالسعي لتفتيت سورية، إلى مناطق نفوذ ما بين "أكراد. ومعارضة في مناطق سُنية، تدخل في مواجهة دموية طويلة مع داعش . ودويلة "الأسد العلوية" الآمنة نسبياً، أو ما يُعرف بسوريا المُفيدة. وبمحاولة واشنطن استخدام قوات عربية، لتكريس الواقع المطلوب أمريكياً. وخلافاً لادعاءات كيري، في حديثه "لأورينت نيوز" أمس، بالحرص على وحدة سورية. وهكذا تمكنت إدارة أوباما، بالخبث المشهود لها، ليس بالتخلص من الإحراج، الذي يسببه لها رفض المبادرة السعودية، أمام الرأي العام الأمريكي والدولي فقط. إنما من محاولة "تجيير" تلك المبادرة، لتكريس تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ. وقلب إحراجها إلى إحراج للسعودية نفسها. ما دفع وزير خارجيتها عادل الجبير، إلى التذكير مُجدداً، بالترابط بين رحيل بشار الأسد، وبين هزيمة داعش.
ما فعلته واشنطن، بمحاولة حرف المبادرة السعودية، كان متوقعاً. إذ من شأن دخول قوات مُشتركة إلى حلب، أن تُجهض التواطؤ الأمريكي – الروسي- الإيراني، في سورية، وتمنع تقسيمها "كردياً وعلوياً". بيد أنها تحتاج إلى غطاء سياسي دولي، وإلى غطاء التحالف الدولي الجوي. وكلاهما تتحكم فيه واشنطن. إلا إذا قررت الرياض وأنقرة، التحرك عسكرياً فوق سقف إدارة أوباما. وهذا ما يُثير قلق موسكو، ودفع رئيس الوزراء ميدفيدف، إلى التهويل باندلاع حرب عالمية ثالثة، في حال التدخل البري. رغم يقينه أنها لن تحدث. كونه يعرف أن بلاده، ليست قوة عظمى، إلا بقدر ما تسمح به الولايات المتحدة. والتي تمنحها بالفعل حالياً ضوءاً أخضر، لتستعرض قوتها في المنطقة. وهذا ما كشفه لافروف بتأكيده، في تصريح سابق "لميدفيدف". أن الولايات المتحدة، والتحالف الدولي، لن يسمحا لتركيا "بغزو سوريا عسكرياً" على حد تعبيره. وهو بالضبط ما تتحسب له تركيا، إذ سارع أحد مسؤوليها، إلى نفي صحة المعلومات، التي تتحدث عن تجهيز أعداد كبيرة من الجنود "150" ألف مقاتل، للعبور إلى سورية.
التعليقات (16)