في أنني كفيلةٌ لصديقتي السورية

في أنني كفيلةٌ لصديقتي السورية
نظرَ موظف الأمن العام إلى الأوراق التي قدمتُها وعاجلني بقوله "يا مدام حطيتي على ورقة الكفالة إنها (مربية أطفال)،مش قلنا تحطي (مدبرة منزل)"، وقبل أن أجيب تدخلَ موظف آخر: "مدام مش قلتيلي انك صحافية وحتحطيها مساعدة لالك ليش رجعتي غيرتي". 

حاولت أن أحصر الجدل بي للتخفيف عن صديقتي التي بدا على وجهها كم تجهد لكظم غضبها وشعورها العميق بالإهانة. خفت عليها أن تخرج ما بداخلها صراخاً بالموظفين فجأة، ما يضيع امكانية انجاز أوراق المعاملة. 

وهكذا وجدت نفسي، أنا أيضاً، مضطرة لأن أتمالك غضبي، وأناقش موظفي الأمن العام في الصفة التي يجب أن أضعها في تعهد الكفالة، الذي يفترض أن يتيح لصديقتي السورية أن تحصل على الإقامة في لبنان.

استغرق الأمرعدة أيام من الأوراق والمراجعات ما بين كاتب العدل والأمن العام لكي نجد تلك الصفة التي يدرك الأمن العام كما يدرك المسؤولون أنها مجرد وسيلة للتحايل والتضييق لا أكثر، وتبين أن الصيغة الرائجة والأسهل والمعتمدة هي وضع صفة "خادمة" أو "مزارع" ربما، لدى البعض. 

اذاً يفترض بي، وبكل صفاقة، أن أجرد شابة جامعية مستقلة، لها خبرة في سوق العمل تتجاوز العشر سنوات، وتجيد أربع لغات، من كل هذا الرصيد، وأحولها إلى شخص يحتاج من يقود له حياته، بالمعنى الحرفي، كما تنص المعاملة كي يحصل على اقامة. 

فهي ممنوع عليها العمل، وممنوع عليها فتح حساب في البنك، لكن لكي تحصل على اقامة، يجب أن يكون لديها دخل شهري ورصيد بنكي، وهذه معادلة لا تستقيم. 

نحمل هذه التناقضات وندور في مكاتب الأمن العام لعدة أيام ثم يجيبنا أحد الموظفين بعبارة "أنا بدي ساعدك يا مدام" لكننا في الحقيقة نجد أنفسنا أمام تعقيدات ومحاولات مكشوفة للتضييق غيرالمبرر، وغير القانوني. 

أتابع تلك التعقيدات من خلال المعاملة، ومن خلال ما تلتقطه عيناي في مكاتب الأمن العام من صفوف لأشخاص مرهقين ومهانين، وأتذكر تصريحات مسؤولينا المذعورين من الولادات السورية، أو من هاجس أقلوي موتور..

جميعنا ندرك أن صيغة الكفالة هي مجرد تحايل على الأوراق الرسمية، التي باتت تحتم على السوري في لبنان إما أن يكون ثرياً فتسمح له حسابات البنك والتحويلات المالية الحصول على اقامة وتسهيلات، أو لاجئاً مسحوقاً ينتظر بطاقة من وزراة الشؤون الاجتماعية أو إقامة على اسم شخص لبناني يضمنه. 

في حالة صديقتي، وبعد أشهر من الحيرة ازاء تناقض القرارات التي تصدرها السطات اللبنانية لتنظيم وجود السوريين في لبنان، استسلمنا إلى خيار "الكفيل" وهو من أسوأ القرارات التي اتخذها لبنان، فصيغة الكفيل تقوم على مبدأ تجريد المكفول من حقوقه وحريته وهو أمر تمارسه عدة دول عربية. 

لم تكن حيرتي ازاء صفة الكفالة لصديقتي تجربتي الوحيدة مع القرارات اللبنانية المجحفة بحق السوريين، فقبل أسابيع حاولت أيضا انجاز معاملة دعوة لصديقة سورية فلسطينية تعيش حاليا في ألمانيا لتزورنا في بيروت، وحينها دار أيضاً نقاش غرائبي حين سألني موظف الأمن العام:

"مدام، شو علاقتك بـ.. وليش داعيتها علبنان"

أنا: "هي صديقتي وكانت عايشة هون وبعرفها منيح".

موظف الأمن العام :"عندك اثبات انكن اصحاب"؟؟

ابتسمت حين قال لي الموظف هذه الجملة اذ اعتبرتها مزحة، فالملف كامل وفيه كل الأوراق المطلوبة، وتابعت على سبيل النكتة "بدك صور" فأجابني بجدية "اي كتير بيفيد". وفعلا وجدتني أبحث عن صوري المشتركة مع تلك الصديقة، واقدمها في ملف طلب فيزا الزيارة، لكن وبعد أيام من المعاملات وتقديم الطلب أتاني الجواب: "مدام طلبك انرفض.. بتعرفي الأوضاع لأنو".

لبنان الخائف تاريخياً من اللاجئين الفلسطينيين سبق أن ضيق عليهم وحصرهم في مخيمات، ومنعهم من العمل والجنسية، وحدّ من حركتهم بحجة الديمغرافيا والأمن، لكن لبنان لم يمنع حركة السلاح والمطلوبين من المخيم وإليه، بل استثمرت عدة أجهزة وأطراف لبنانية في هذا الأمر.

اليوم تتكرر التجربة مع التواجد السوري في لبنان، فهواجس أطراف سياسية من تكرار التجربة الفلسطينية جعل السوريين عرضة لازدواجية المعايير ولسوء المعاملة.  

فاللاجئ المسجل لدى مفوضية اللاجئين لا يحق له العمل لكن عليه دفع رسوم بدل اقامة، ويتعرض للشطب اذا ثبت أنه يعمل، فمن أين للاجئ بتلك الرسوم. 

قد تحمل المقارنة شيئا من الابتذال، أعني حين أقول أن لبنان يضيق بأصدقاء سوريين أدخلوا معنى وحيوية في مجتمعنا ويتسع لأمثال ميشال سماحة.. 

لكن أليست تلك هي الحقيقة..

التعليقات (5)

    بدر بدور

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    متدنية جدا في الذل بفضل معتوه سوريا المجرم بشار الجحش والكلب المتعجرف قيصر روسيا وخزلان العالم المتحضر لنا لاتقرف وسذاجة حكام الدول الاسلامية والعربية وخوفهم على مناصبهم لقد قال الشاعر اجهر برايك لا ياخذك ترويع لاينفع الصوت الا وهو مسموع والشعوب العربية اللي مفكره ان العرب والمسلمين حيساووا شيء لنصرة الشعب ا لسوري مخطنين.لو كان فيهم خير لكانوا حرروا القدس الشريف والله لافضل لنا ان نموت كراما في بلادنا مئة مرة على نتلقى هذه المذلات ارحمونا يا عالم الله لا يرحمكم امين

    بدر بدور

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    نداء الى كل عرب ومسلمي العالم وخاصة السوريون لقد اصبحنا مستهدفين في جميع انحاء هذا العالم الظالم بكل شيء حتى بما نملك انا رجل سوري عاجز مقيم في احد دول المهجر منذو ثلاثا وثلاثين عاما ذهبت لزيارة بعض اقاربي في الشرق الاوسط لمدة اسبوعين وعند دخولي مطار البلد المقيم به فوجئت باقتيادي من قبل شرطة المطار واصبحت استجوب وكاني مرتكب ذنبا ما .فقد شعرت وكأنني في أحد فروع المخابرات في دمشق وبعد تفتيش الحقيبة الدقيق سؤلت الم تجلب هدايا والسؤال خصيصا عن الذ هب فقلت لهم من اين يا حسرة والله لقد وصلنا الى درجة

    سوري متابع

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    محترمة ... لاشكّ في هذا

    مشهور حمشو

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    اشكرك ايتها الحره والصحفيه الناجحه ولكن هل فعلا يوجد لبنان الحر الديموقراطي ستعود الايام ويحتاج اللبنانيون الى سوريا وسوف نعاملهم بنظام الكفاله والكفيل وهم دوما في صراع وكانت سوريا هي الحضن لهم ولفقرائهم ومرضاهم وسوقهم المفضل ولكن هيهات ان بقي لبنان لبنان هو مزرعه لصالح حزب الشيطان وايران ولم يبقى منه سوى الاسم فقط وسيسقط قريبا جدا وسيصبح سكان لبنان لاجئين مشردين والزمن والدهر دولاب يوم لك ويوم عليك

    بن عامر

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    شدتني قصه زملتك هذه وربي ان شاءالله يجزيك خيرا . سيدتى هذه المعامله في كل اسقاع الوطن العربي وكانهم يتبعون الفوضيه العليا للنازحين وكانهم ليسوا اصحاب القرارات في اوطانهم ( الأ اذا قدمتى رشوه او تنازلتى عن شرفك هنا فقط يتعطل القانون ) اف لواقع العرب المخزي اعتقد بان تاريخنا ليس من صنعنا ؟؟
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات