لا أخلاقيات القوة

لا أخلاقيات القوة

من مساوئ الصدف أن يتشارك النظام السوري وكل حلفائه نفس الأخلاقيات، رغم اختلاف أهداف كل منهم، ومن سوء حظ السوريين أن كل هذه الأخلاقيات المشتركة لا أخلاقية بكل المقاييس، الحقوقية منها والإنسانية، منطلقها العنف، ومرجعها لا أخلاقيات استخدام القوة، وسندها الرغبات اللا إنسانية.

نشأ النظام السوري قبل نحو خمسة عقود كنظام ديكتاتوري شمولي، عسكري انقلابي، تأسس على قواعد الطائفية والفساد وعدم المساواة، وثبّت ركائز الحكم ليصبح نظاماً أمنياً بامتياز، لم يرحم شعبه، وزجّ كل من معارضيه بالسجون وقتل الأشدّ فضحاً له، وأفقر العباد ونهب ثروات البلاد، وعقد اتفاقيات سرّية مع أعدائه، وتمسّك بشعارات الصمود ليجثم على صدر شعبه، فأذله وأفقده كرامته الإنسانية.

بعد الثورة، انتقل النظام لمرحلة أسوأ من (اللا أخلاق)، فاستخدم الرصاص الحي ضد المدنيين العزّل، وقتل أكثرهم سلمية وأوسعهم فكراً، كما قتل الأطفال والنساء بالجملة دون تمييز، واستخدم أشرس وأسوأ أنواع العنف، ونشر المواد السامة والكيميائية على المدنيين، واستخدم مدافعه وبراميله المتفجرة بشكل عشوائي، وتعمّد تدمير المدارس وتخريبها، وحَرَق المزارع ودَكّ المصانع، واستهدف المشافي بشكل متعمّد، واستهدف صوامع الحبوب والأسواق التجارية ودور العبادة، واستخدم المواقع الأثرية كثكنات ودمّرها، وفتح السجون ليعيث المجرمون فساداً، وشكّل ميليشيات طائفية لا تُحلّل ولا تُحرّم، وفتح الأبواب لكل الميليشيات الغريبة المشابهة لها، واستخدم آلته الإعلامية لتعميم الطائفية والحقد والكراهية، وباع قراره لحزب الله ثم لإيران ثم لروسيا، ويبدوا أنه مستعد ليبيعه لأي كان مقابل ضمان استمراره.

استخدم النظام كل القوة اللا أخلاقية في حربه ضد الشعب، ولم تبق موبقة إلا وجرّبها، ولا فكرة شرسة إلا وداعبت مخيلته، وتقصّد الأذية على أوسع نطاق، وتبنّى مبدأ القتل العشوائي والتدمير الممنهج والأرض المحروقة، وفتح صندوق باندورا لتخرج منه كل شرور العالم ولا أخلاقياته.

لا تختلف حليفته إيران عنه كثيراً، فهي أيضاً تأسست كنظام شمولي دكتاتوري قمعي، يتخذ الدين ستاراً لشروره، أفقر العباد ونهب رجال دينه البلاد، ونشروا ميليشياتهم وسمومهم في أصقاع الأرض، من العراق وأفغانستان إلى نيجيريا وكولومبيا، وأرسلوا السلاح إلى مافيات دولية وجماعات مارقة، ورعت ميليشياتهم تجارة المخدرات في المنطقة لتعيش وتُدمِّر، واعتمدوا على نشر التشيّع كوسيلة لاستعمار العقول المتخلفة، وحجّة لزعزعة أمن بلاد الله الواسعة.

بعد الثورة السورية، صار الإيرانيون قتلة موصوفون، يُدمرون ويشجعون رجال النظام على المزيد من القتل، ونقلوا لقوات النظام خبراتهم العسكرية وخاصة اللا أخلاقية منها، وبذلوا جهدهم لتحويل الثورة السورية لحرب طائفية.

أما روسيا الاتحادية، الحليف الأهم للنظام السوري، فهي أيضاً بنهاية التحليل نوع مُتقَن من الديكتاتورية، يقودها نظام شمولي مرتبط بأحلام التوسعية، يحاول وراثة الامبراطورية القيصرية فيستند بذلك إلى نوع من التلاحم بين السلطة السياسية وسلطة اقتصاد الظل والمافيات، وليس خفيّاً أن روسيا انتهكت قائمة طويلة من المعاهدات والاتفاقيات التي وقعها الاتحاد السوفياتي وورثتها بعد انهياره، وهذا الحليف لا يخرج بالنهاية عن صفات النظام السوري المشار إليها ولا أخلاقياته المشهودة.

بعد الثورة السورية، اعتقد السوريون واهمون أن روسيا يمكن أن تكون وسيطاً عندما كانوا بحاجة لوسيط نزيه، لكنّهم فوجئوا بأنها المثال الصارخ لـ (لا أخلاقية القوة)، حيث لم تستخدم الفيتو لحماية النظام فقط، بل استخدمته أيضاً لمنع دخول مساعدات إنسانية وطبية للمناطق الثائرة، وأرسلت أسلحة بلا حساب للنظام السوري وهي تعرف أنه سيقتل بها المدنيين، كما قصف طيرانها المدن السورية بمئات الطلعات الجوية يومياً بأسلحة مُحرّمة عنقودية وفوسفورية قتلت الكثير من المدنيين، وانتهجت أسلوب الأرض المحروقة التي اشتهر به الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، وجرّبت أسلحة لم تُجربها من قبل، وأطلقت صواريخ من بحر قزوين لتعبر آلاف الكيلومترات لتقتل السوريين، واستخدمت أسلحة قديمة (غبية) وحديثة (ذكيّة)، دمّرت بها المشافي والأسواق وهدّمت البيوت على رؤوس أصحابها، وهددت بحرب عالمية ثالثة من أجل حماية نظام غير شرعي دمّر بلده وقتل شعبه.

وهكذا، فإن أهل النظام السوري وحلفائهم يهتدون بمنظومة أخلاقية واحدة، وأسلوب مواجهة واحد، ويستخدمون أقصى درجات العنف، ويُنكرون أنهم يستخدموه، ويُخالفون القانون الدولي واتفاقيات جنيف ومقررات مجلس الأمن وغيرها بوحشية ندر شبيهها، ضد شعب ضعيف سيعاني كثيراً لمواجهة كل هذه القوة اللا أخلاقية.

التعليقات (1)

    سوري حر

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    الله أكبر على كل من طغى وتجبر. أين هولاكو وجنكيز خان وأين نيرون وكاليجولا وهتلر وموسوليني. وستالين ولينين وخروتشوف ، وأين ماوتسيتونج وتشاوتشيسكو. واين أنور خوجا ألبانيا وبولبوت كمبودجيا. أين حافظ الأسد والقذافي وجمال الناصر وصلاح نصر وشمس بدران. هؤلاء وغيرهم حكموا شعوبهم بالحديد والنار ولكنهم رحلوا عن دنيانا وبقي ذكراهم السيء ولعنات تلاحقهم للأبد. وبقيت شعوبهم رغم أنوفهم تسعى نحو الحرية والكرامة. وسياتي دور بوتين الروسي وبشار الجحش وحكام إيران والعراق الطائفيون ومعهم قيادات حزب اللات النذلة.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات