(دواعش) خارج الهدنة

(دواعش) خارج الهدنة
أعلنت الولايات المتحدة وروسيا الاثنين الماضي عن اتفاقهما على وقف لإطلاق النار في سورية يشمل كل القوى العسكرية المنخرطة بالعمليات العسكرية أو شبه العسكرية على الأرضي السورية عدا (تنظيم داعش) و(جبهة النصرة)، وقالتا إن هذين التنظيمين مستثنيان من وقف إطلاق النار ووجب قتالهما حتى الخلاص منهما نهائياً.

بعيداً عن تقييم وتفنيد بنود إعلان وقف إطلاق النار هذا، وما تخفيه هذه البنود من غموض واحتمالات تأويل وضبابية جغرافية تُسهّل لروسيا وللنظام خرق الهدنة، تلفت النظر جزئية تركيز البيان على ضرورة استثناء تنظيم داعش وجبهة النصرة وحدهما من هذه الهدنة، ما يوحي بأنهما الخطر الوحيد الذي يُهدد سورية كدولة وكيان وجغرافيا.

استثنت الولايات المتحدة وروسيا من الهدنة هاتين الجهتين لأنهما مصنفتان كجهات إرهابية تهدد الأمن السوري والإقليمي والدولي أيضاً، ولا يُعارض كثير من السوريين مبدأ استثناء (تنظيم داعش) من هذه الهدنة، بل وطالبوا المجتمع الدولي أن يدعم أذرع المعارضة السورية العسكرية لتقضي على هذا التنظيم الذي لم يُمارس منذ نشأته وحتى اليوم ما يؤكد معارضته للنظام السوري أو ما يفيد الثورة، وكذلك يرفض قسم كبير من المعارضين السوريين وجود تنظيم القاعدة أو أذرعه في سورية ومن بينهم جبهة النصرة.

لكن بند الاستثناءات في بيان وقف إطلاق النار جاء ناقصاً، فـ(داعش) لم تعد مجرد اختصار مباشر لاسم (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، بل باتت صفة و(ماركة) لكل من يقوم بالقتل والذبح والتنكيل والجرائم باسم الدين وبحجته، وكل من يقطع الرؤوس ويتفاخر بها نصرة لأهدافه المذهبية، وكل من يُلقي خطباً طائفية مقيتة فيها تحريض لقتل الآخر والقضاء عليه، وكل من يسرق ويغتصب وينهب ويمارس العهر وينسبه للدين، وهذه التعريفات (زادت قليلاً أو نقصت) هي جوهر تعريف أي (ـداعشي) سواء في سورية أو العراق أو ليبيا أو اليمن أو في أي مكان من أرض الله الواسعة.

من هذا التطور المُستحدث لفهم (داعش)، وهذا التعريف (شبه المتفق عليه) ينبغي إعلام من وضع قرار وقف إطلاق النار أن داعش التي يجب استثنائها من الهدنة هي طيف واسع من التنظيمات وليس اثنان منهما فقط.

الصفات التعريفية المذكورة أعلاه لـ (داعش) تنطبق أولاً على ميليشيات النظام المنفلتة من عقالها، والتي أسسها النظام على أساس طائفي فوق القانون، ودعمتها أجهزة الأمن التي عاشت فوق القانون طوال خمسين عاماً، تلك الميليشيات التي ارتكبت مجازر وجرائم حرب موصوفة وموثقة ضد السوريين دون تمييز ببصمات طائفية لا تخفى على لبيب، وألقت براميل متفجرة كُتبت عليها عبارات طائفية، وقصفت المدنيين بصواريخ ممهورة بأسماء صحابة وأشباه صحابة، وهذه الممارسات تسمح بتصنيفها على أنها تنظيم (داعشي) بامتياز، وعلى رأسهم ميليشيات الدفاع الوطني ولواء درع الساحل واللجان الشعبية وصقور الصحراء وجمعية البستان وحزب الله السوري وسرايا الغالبون وغيرها.

كذلك تنطبق صفات (الداعشية) على كل الميليشيات العراقية التي تُقاتل في سورية منذ أربع سنوات إلى جانب النظام، فهي أساساً من نوع مذهبي واحد، وتحمل أسماءً طائفية، وأتت إلى سورية بناء على دوافع طائفية معروفة للجميع، وارتكبت مجازر ضد السوريين وصدحت حناجر مقاتليها بأغاني وهتافات ولطميات طائفية، منها لواء أبو الفضل العباس والفاطميون والزينبيون وألوية ذو القفار والحسين المجتبى وجيش المهدي وحزب الله العراقي وغيرها.

من الواضح أيضاً أن (الداعشية) تنطبق أيضاً على الميليشيات الإيرانية وأذرعها اللبنانية، وهي أيضاً من نوع مذهبي واحد، أتت لسورية لحماية مراقد دينية، وتسابقت مع النظام أيهم يقتل أكثر من السوريين، وتباهت بمجازرها الطائفية الدينية علناً، وفاحت هذه الرائحة من هتافاتها وخطاباتها وحتى من بياناتها، ولم يحتج السوريون لكثير عناء لتوثيق المجازر والبعد الطائفي الديني لحربهم.

تعريف (الداعشية) هذا، قد ينطبق مع بعض الاجتهادات على وحدات حماية الشعب الكردية ومعهم مقاتلو جبال قنديل الذين اتُهموا بارتكاب جرائم حرب وأفرغوا شحناتهم القومية (بدلاً من الدينية) ضد المدنيين السوريين، عرباً وآشوريين وسريان، فقتلوهم وهجرّوهم وانتقموا من العروبة وحكم البعث وآل الأسد عبر أولئك المساكين، وهم بذلك نسخة مُعدّلة من الفكر والممارسة الداعشية الذي نتحدث عنها.

كثير من أصحاب الثورة يعتبرون داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) عدواً للثورة يجب القضاء عليه، ولا يريدون جبهة النصرة ويعتبرونها حجر عثرة من الأفضل التخلص منها، لكن في الغالب يمكن بسهولة الحصول على تأييدهم الكامل لاستثناء هذين التنظيمين من أي هدنة فيما لو شمل الاستثناء كل الداعشيين المنتشرين في سورية على اختلاف أنواعهم.

تمتلك المعارضة السورية كل الحق بأن تطلب شمل كل تلك الجهات والتنظيمات والميليشيات المذكورة باستثناء وقف إطلاق النار، ومن السهل عليها أن تؤكد بالحجة والبرهان على أنهم جميعاً (داعش)، فالوثائق والوقائع والشهادات التي تُثبت داعشيتهم أكثر من أن تُحصى، وما يمكن أن يُسهّل الأمر أن الكثير منهم مُدرج أصلاً ضمن لوائح الإرهاب الأمريكية والأوربية، وبالتالي يجب على المعارضة الإصرار على عدم شملهم بالهدنة وضرورة استهدافهم دون رحمة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات