الخطة الأمريكية (ب).. ترهيب وترغيب

الخطة الأمريكية (ب).. ترهيب وترغيب
مازال الاتفاق الأمريكي- الروسي على وقف الأعمال العدائية في سورية موضع شك من قبل عدة أطراف فيما يتعلّق بالالتزام الكامل من قبل النظام السوري وروسيا التي تدعمه سياسياَ وعسكرياً.

في واقع الحال، فإن روسيا التي وقّعت على الاتفاق مع الولايات المتحدة، هي ذاتها روسيا الطرف الأهم في الحرب في سوريا، والتي تنفّذ مئات الغارات بشكل يومي، قبل الهدنة وبعد سريان الهدنة، سيما وأن تنظيم الدولة "داعش" وجبهة النصرة غير مشمولين بالهدنة؛ بمعنى آخر أن الاتفاق هو بين دولة تمثل دور المحتل ودولة تحاول بشتى الوسائل الانسحاب من الشرق الأوسط، خاصة وأنها في مرحلة السبات الانتخابي!

وبحسب وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، الذي اعتبر توقيع الاتفاق على وقف الأعمال العدائية، حيث فرّق بشكل واضح بين هذا المفهوم، ومفهوم الوقف الكامل لإطلاق النار؛ بحسب كيري أن هذا الاتفاق هو اختبار للنوايا الروسية خلال الشهرين القادمين إن كانت تريد حلاً سياسيا ً في سوريا أو أنها تريد الانتصار للأسد ضد قوات المعارضة المسلحة، التي بدورها أبدت موافقة على وقف الأعمال العدائية، عبر الهيئة العليا للمفاوضات.

ولكن ما يثير التساؤلات الكثيرة هو خبر وصول مقاتلات سعودية وإمارتية إلى قاعدة "إنجرليك" التركية، التابعة لحلف الناتو، مع أول يوم لبدء سريان  الاتفاق الروسي –الأمريكي، وهو ما قيل أنه احتمال للعمل على فكرة استباقية سميّت فيما بعد بالخطة (ب)، والتي أنكرها عدد من المحللين السياسيين الأمريكيين، على الرغم من تأييد هذه الخطة من قبل وزير الدفاع الأمريكي"أشتون كارتر" ورئيس جهاز المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) "جون برينان"، وذلك للضغط على روسيا لتنفيذ الاتفاق، لأنهم ربما يعلمون مسبقاً أن روسيا لن تلتزم به، بذريعة أن جبهة النصرة المسجّلة على قوائم المنظمات الإرهابية في الأمم المتحدة منذ كانون الأول 2012 منتشرة في مواقع واسعة من سوريا.

المعلومات التي تطرحها روسيا حول تواجد جبهة النصرة وتنظيم الدولة "داعش"، وبعض الفصائل المتشددة التابعة فكريا ًلهذين التنظيمين، بالإضافة إلى 97 فصيلاً من المعارضة المسلحة ممن وافقوا على هذه الهدنة، أو وقف الأعمال العدائية، يطرح سؤالاً ساخراً:(ماذا تبقى من الأراضي السورية خارج الاتفاق، أو مما يسيطر عليه النظام السوري وبعض المليشيات الداعمة له؟).

أي أن الاتفاق هو حبر على ورق، وشراء وقت فقط لا غير، خاصة وأن ما سيطرت عليه قوات سوريا الديمقراطية مع قوات النظام في ريف حلب الشمالي، على الرغم من القصف الوحشي والعنيف جداً من قبل الطائرات الروسية، والتي قدّرت بآلاف الغارات خلال شهر، لم تستطع أن تتجاوز أكثر من 3 % من مساحة سوريا، وقد يكون هذا الضعف في التقدم هو من جعل روسيا تجلس إلى الطاولة الأمريكية لتوقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية، ببنود تجبر قوّات النظام على التوقف عن احتلال الأراضي الخاضعة لقوات المعارضة المسلحة، كما أجبرت الطرف الآخر، في محاولة لإعادة تجميع القوات بالانسحاب نسبياً من جهات خاضعة للاتفاق، للدخول إلى جبهات غير خاضعة، على الأغلب. وقد اعترف الأسد قبل التدخل الروسي أن الانسحاب من جبهات أقل أهمية، يأتي لصالح جبهات أكثر أهمية، وهو ما يحققه هذا الاتفاق..

في تصريح مفاجئ لوزير الدفاع السعودي،خلال مؤتمر صحفي، قال أن التنسيق للتدخل البري من أجل قتال تنظيم الدولة سيكون بالتنسيق مع القوات الشرعية (جيش النظام السوري)، وبالتنسيق مع روسيا الاتحادية، وعلى ما يبدو أن التفاهمات الروسية - السعودية يقابلها تفاهمات تركية – أمريكية، وعلى الأرجح أنّها ستقرّ التدخل العسكري السعودي - التركي لقتال تنظيم الدولة، الذي قطع طريق إمداد مهم لقوات النظام في ريف حلب الشرقي، ونفّذ مجازر بحق قوات النظام؛ ربما هذه التفاهمات ستعمل على شرعنة التدخل البري، الذي من الواضح أنه سيكون من طرف تل أبيض التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها قوات حماية الشعب الكردية المدعومة أمريكياً، وهذا ما سيعني أن الحلم في إقليم غرب كردستان (روج آفا) سيكون رهينة التفاهمات الدولية، وستنضوي هذه القوات تحت جناح التحالف الدولي، وربما لن توافق تركيا على هذا الانضمام في حال وجود قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية تابعة للمنظمة الأم حزب العمال الكردستاني، وبالتالي سيؤول الأمر إلى تفكيك جيش سوريا الديمقراطية، غالباً عن طريق انضمام جيش الثوار وعزل قوات حماية الشعب.

من المعلوم تماماً أن قيادة حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من جبال قنديل مقراً رئيساً له، مدعوم من قبل إيران بشكل مباشر، ويخوض مع تركيا حرباً على مدى ثلاثين عاماً، ثم بدأ الاتحاد الديمقراطي الذي يتبع له فكرياً وتنظيمياً يهدد أمن تركيا القومي منذ بداية الثورة السورية،  لكن التاريخ ربما يعيد بعض حوادثه وتكون نهاية الاتحاد الديمقراطي متشابهة إلى حد بعيد مع الثورة البرزانية في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، حيث تمكّن القائد الكردي مصطفى البرزاني من الحصول على الدعم الإيراني في مواجهة الجيش العراقي في عام 1974، وحقق انتصارات بسبب الإسناد الإيراني من مدفعية ودفاع جوي، لكن العراق استطاع القضاء على هذه الثورة عبر اتفاقية الجزائر الشهيرة التي عقدها الرئيس "هواري بومدين"، وبموجبها  تمّ حلّ الخلاف مع إيران، وإعطائها نصف شط العرب، في مقابل إغلاق الحدود في وجه الثورة الكردية، وإنهاء هذا التمرد عندها تخلّت الولايات المتحدة عن الأكراد بموجب اتفاق الجزائر، وانسحب الفريق الاستخباراتي الإسرائيلي من مواقع البرزاني باتجاه إيران، وكان آنذاك الاتحاد السوفيتي يدعم العراق في القضاء على هذه الثورة، ولعل تركيا تقرأ التاريخ بشكل جيد، وربما يلوح في الأفق اتفاق دولي يكون الأكراد ضحيته كالعادة

من المحتمل أن يكون التلويح بالخطة (ب) هو من باب الترهيب من العواقب، التي قد تترتب على انتصار طرف على طرف آخر، وهو ما ترفضه أصلاً الولايات المتحدة منذ بداية الثورة السورية، وبالتالي عدم الانصياع للحل السياسي، وهو ما تريده الولايات المتحدة بأي ثمن، حيث سرّبت أن هذه الخطة ستكون مرحلة حظر جوي ودعم المعارضة المسلحة للانتصار على قوات الأسد، وهذا وارد جداً خاصة أن المعطيات على الأرض توضح أن دعم المعارضة بالسلاح سيقلب موازين القوى بشكل كبير، ومن الوارد أن يكون من باب الترغيب لإنهاء الأسد الذي تتمسك به روسيا، مع الحفاظ على الاتفاقيات التي أبرمها نظامه من خلال حكومة انتقالية تعترف بكل الاتفاقيات، التي تجيز لروسيا إقامة قاعدة عسكرية كبيرة وعقود التنقيب عن النفط والغاز، وتهميش الدور الإيراني في سوريا لصالح روسيا اللاعب الدولي الجديد..

التعليقات (1)

    عماد المغربي/الرباط

    ·منذ 8 سنوات شهرين
    الحل الوحيد و الأخير و الأنجع و الفعال هو التدخل العربي الإسلامي لقتال الأسد والروس لأجل صيانة وحدة سوريا ،فتخاذل العرب و المسلمين ساهم منذ البداية في تأزيم الوضع و أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه في ظل حكم بشار السفاح ، على الجيوش العربية والمسلمة بالتدخل فقد تأخرت كثيرا و الروس جبناء لن يصمدوا كثيرا في وجه هذه الجحافل.
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات