في الذكرى الخامسة للثورة لماذا لم ننتصر بعد؟

في الذكرى الخامسة للثورة لماذا لم ننتصر بعد؟
هو السؤال البسيط المحق الذي قد يسأله أي سوري، لماذا لم ننتصر بعد؟ ولماذا لم يسقط نظام الأسد رغم مرور خمس سنين، ولماذا تحولت ثورة السوريين السلمية إلى سلسلة حروب بالوكالة أحرقت الأخضر واليابس؟ ألهذه الدرجة كان النظام قويا متماسكا؟ أم أن الأمر كان أكبر بكثير من مجرد نظام حكم كان يمكن أن يسقط خلال أسابيع أو شهور قليلة؟

لم يكن أشد المتشائمين ليتوقع أن تستمر مأساة الشعب السوري كل هذا الوقت، فقد كانت كافة التوقعات تشير إلى ستة أشهر أو عام وربما عامان في أسوأ الأحوال، لكن أن تمتد الأزمة لخمسة أعوام قابلة للتمديد فهذا مالم يكن بالحسبان، ولعل أكثر ما يبعث على المرارة هو المآسي التي تعرض لها السوريون فدفعوا فاتورة تصفية حسابات الآخرين وفرض مشاريعهم على الأرض السورية.

انطلق السوريون في ثورتهم غير مصدقين أنهم قد ثاروا على نظام الأسد، ولعل هذه الجزئية هي ما أكسبت الثورة زخمها وعظمتها في آن معاً، فأن تثور على نظام كرس الدولة والشعب لخدمته بدل أن يكون هو في خدمتهم، وأنشئ أجهزة إستخبارات تحصي على الناس أنفاسها، لعمري هي المعجزة بحد ذاتها.

لعل إحدى المعضلات الكبرى التي عانت منها كافة ثورات العرب وعلى رأسها الثورة السورية، هي مسألة غياب النخب الفكرية والسياسية والدينية والعسكرية القادرة على قيادة الحراك الثوري وتأطيره الإطار السياسي الصحيح، خدمة للتغيير الديمقراطي السلمي الذي نشدته الشعوب العربية من ثوراتها، وهو ما سمح بصراع أحزاب وتيارات لا وجود فاعل لها على الأرض، سعى كل منها لتمثيل هذه الثورات وصولا إلى الفوز بنصيب من كعكة السلطة، في حين أن أيا منها لم يكن يمتلك الخبرة السياسية أو القيادية في مواجهة أنظمة متجذرة في الحكم والمجتمعات.

مع صمود مدينة درعا لأكثر من شهر في وجه نظام الأسد ومحاولات عزلها وقمعها، وامتداد رقعة الحراك الثوري إلى ريفها ومن ثم انتقاله إلى باقي مدن وبلدات سورية، بدا أن الحراك على الأرض يسبق كلا الطرفين، النظام والمعارضة السياسية حيث ظهر عجز كليهما عن مجاراة الأحداث على الأرض، فلا النظام قادر على الاستجابة لمطالب الشعب الثائر، ولا هو قادر على قمعه، في حين أن المعارضة بدأت رحلة سباق مع الزمن للإتفاق على جسم سياسي يحظى بشرعية ثورية تؤهله لاكتساب شرعية دولية.

فشل المعارضة في مواكبة الحراك الثوري على الأرض وإنتاج جسم سياسي ممثل للثورة السورية في شهورها الأولى كان له أثر مدمر استغله نظام الأسد بشكل جيد جدا، فبعض الأحزاب والتيارات تعاملت بمبدأ إما نحن أو لا أحد، في حين أصرت بعض الدول على فرض جهات وأشخاص لا علاقة لها بالثورة ولا وجود فاعل لها على الأرض، وهو ما أنتج مجلسا وطنيا لم يستطع أن يحصل على شرعية ثورية ولا اعتراف دولي.

بالتوازي مع الأحداث المتسارعة على الأرض، والمتمثلة بالحراك الجماهيري السلمي الذي كان يزداد اتساعا أسبوعا بعد أخر والقمع الدموي الذي مارسه نظام الأسد بحق هذا الحراك، بدأ المجتمع الدولي يظهر نوعا من التعاطف مع الثورة السورية وتماما على غرار ما فعله مع باقي ثورات الربيع العربي، حيث بدأت الأصوات تعلو مطالبة بتنحي الأسد، فكانت تصريحات أوباما المشهورة عن ضرورة تنحي الأسد وفقدانه لشرعيته، وأيامه التي باتت معدودة. 

نظام الأسد فهم الرسالة جيدا، وسارع بالرد عليها برسائل شفهية وأخرى عملية، فكانت تصريحات رامي مخلوف عن أن أمن إسرائيل وارتباطه بأمن نظام الأسد، ثم كانت الرسالة العملية المتمثلة بقيام نظام الأسد بفتح حدود الجولان أمام المتظاهرين في الشهر الثالث من العام 2012 المصادف ليوم الأرض، حيث وصل بعضهم قرى الجولان المحتل قبل أن يعلم الجيش الإسرائيلي بما حدث، حتى إن أحد الفلسطينيين وصل مشارف يافا بعد ثلاثة أيام من المسير المضني، قبل أن يجبره الجوع والإعياء على كشف نفسه للمارة وطلب المساعدة.

هذه الحادثة لابد وان معظم الناس قد نسيها، لكنها كشفت عن حقيقة خطيرة مؤداها أن نظام المقاومة والممانعة الأسدي هو الذي كان يسهر على حماية الجولان المحتل وعلى مدى أكثر من أربعة عقود، فعندما اجتاح المتظاهرون السوريون والفلسطينيون حدود الجولان المحتل لم يصادفهم في بعض المواقع سوى أسلاك شائكة متهالكة قاموا بإزالتها ليجدوا أنفسهم فجأة يسيرون في سهول لا ألغام فيها ولا حواجز ولا جنود.

إسرائيل بدورها التقطت الرسالة، فاتفاقيات فصل القوات الموقعة في العام 1974 مع نظام الأسد الأب، واتفاقية العام 2006 مع حزب الله، أمنت حدود الكيان الصهيوني مع كلا البلدين، ومن الخطأ التفريط بهذا الأمن، حيث صرح أكثر من مسؤول إسرائيلي أن الشيطان الذي تعرفه خير من الشيطان الذي لا تعرفه، وعليه فقد تم إسكات أوباما ومسح خطوطه الحمراء واستبدالها بأخرى خضراء، سمحت لنظام الأسد باستخدام كافة أنواع الأسلحة ضد السوريين بما فيها الكيميائي، وأطلقت يد إيران وميليشياتها في سورية.

لقد هددت ثورة الشعب السوري السلمية على مدى تسعة أشهر بإسقاط نظام الأسد الذي بدا عاجزا عن اسكات صوت الحرية، فكان لابد من شيطنة هذه الثورة وإلباسها لباس الإرهاب والتطرف الإسلامي الذي يخشاه الجميع، وهو مخطط في حال نجاحه سيسهم في توجيه ضربة مزدوجة داخليا وخارجيا، فعلى الصعيد الداخلي وكون سورية دولة ذات تنوع إثني وطائفي، فإن ضرب مكونات الشعب ببعضها البعض، سيظهر الثورة السورية على أنها ذات لون طائفي واحد، ما سيعطي النظام هامشا من حرية التحرك وسيظهره كحامي للأقليات في وجه التطرف الإسلامي، أما الضربة الخارجية فكان هدفها يتمثل في رفع الدعم الدولي عن الثورة السورية وفتح الباب أمام تدويل الأزمة السورية وهو ما سيؤدي بدوره إلى عدم نزع الشرعية عن نظام الأسد نتيجة عدم وجود توافق دولي على ذلك، والمبرر هو أن البديل في هذه الحالة سيكون الفوضى والتطرف والإرهاب.

 في الوقت الذي كان فيه نظام الأسد يطار الناشطين السلميين وينكل بهم، بادر إلى إطلاق سراح المعتقلين على خلفيات إسلامية، في حين تولت دول أخرى تسهيل مهمة دخول وتشكيل الجماعات الجهادية وغضت الطرف عنها، بل إن الأمر قد وصل حداً أخطر من هذا، إذ عمل نظام الأسد على عدم إستهداف مقرات هذه الجماعات في بداية تشكيلها وذلك لإعطاء الإنطباع بأنها من صنيعته، وهو ما زرع الشك والريبة بين الفصائل.

نجاح عملية شيطنة وتشويه الثورة كان يقتضي بالضرورة القيام بعملية ترميم وتجميل لصورة نظام الأسد، وهي مهمة تولت أمرها شركات علاقات عامة وشبكات إعلامية قامت بالترويج للأسد وزوجته، فكانت تقدمه وحتى وقت قريب وبشكل لا أخلاقي على أنه الرئيس الشاب المتعلم الضامن لحقوق الأقليات متناسية كل ما ارتكيه من جرائم بحق السوريين، حتى أوباما صرح قبل أسابيع قليلة أنه غير نادم على عدم إجبار الأسد على التنحي.

في الحديث عن الدعم الدولي وأصدقاء الشعب السوري، سنجد أن الأمر لم يتعدى الدعم المادي والإغاثي والإعلامي في أحسن الأحوال، في حين أن الدعم السياسي والعسكري الفاعل كان غائبا إلا في حدوده الدنيا وبما كانت تسمح به القوى الكبرى، التي أمسكت بخيوط اللعبة في سورية من خلال غرف العمليات التي أقامتها في كل من الأردن وتركيا.

السمة المميزة للتدخل العربي في الملف السوري تمثلت في الصراع على الإمساك بزمام الملف، وتكريس الدعم باتجاه شراء الولاءات أكثر منه باتجاه الدعم الحقيقي وتوحيد جهود السوريين وفصائلهم في مكون وطني واحد، وذلك على العكس من أصدقاء النظام الذين كانوا موحدين خلفه ويمدونه بكافة أسباب الصمود الحقيقي من مال ورجال وسلاح، إضافة إلى الدعم الإعلامي والسياسي وعلى كافة الأصعدة.

الموقف الرسمي للجامعة العربية كان ترجمة حقيقية لموقف معظم الأنظمة العربية الرسمي من ثورة الشعب السوري، حيث تميز بالتخاذل حينا والتآمر في أحيان كثيرة.

إقليميا كان للدور الإيراني أبلغ الأثر في تطور الصراع واتخاذه المنحى الطائفي المقيت، فدخول حزب الله وأكثر من 60 فصيل شيعي إيراني وعراقي وأفغاني وباكستاني على خط المواجهة باسم حماية المقامات والقبور ورفعهم لشعارات الثأر للحسين من "الكفار" في سورية أجج الصراع ونقله إلى أبعاد جديدة لن تنتهي حتى بانتهاء الأزمة في سورية، فمن السهل عليك أن تشعل النار متى شئت لكن سيكون من الصعب عليك أن تطفئها وقت تشاء.

دوليا لم يكن هناك رغبة حقيقية لإيجاد حل للأزمة السورية، فحقيقة أن الدول الكبرى كانت تستطيع فرض حل ما هي أمر ثابت، وتنحي الأسد طوعا أو كرها لم يكن يحتاج لأكثر من إرادة دولية، رغم كل ما عقد من مؤتمرات جنيف 1 و2  و3 وفيينا 1 و 2 و3 وما صاحبها من اجتماعات إقليمية وأممية, أما القرارات الدولية ورغم انها كانت في غالبيتها إنسانية ملزمة فلم يتم تطبيق أي منها, باستثناء القرار 2118 الخاص بنزع أسلحة النظام الكيميائية.

الإرادتان الدولية والعربية ترجمت ترجمة حقيقية من خلال الدعم العسكري لفصائل الجيش الحر والذي اقتصر على السلاح الخفيف والمتوسط الذي لم يشكل أي فارق نوعي في مواجهة آلة الحرب الثقيلة التي يمتلكها نظام الأسد ولاحقا روسيا، وهذا الأمر شكل مدخلا للتحكم بمجريات المعارك والأحداث على الأرض، حيث وجدت الفصائل نفسها رهينة الدعم الدولي وأوامر غرف العمليات.

أهم أسباب تأخر سقوط النظام

كثيرة هي الأسباب التي أسهمت في تأخر النصر وعدم سقوط نظام الأسد رغم الصمود الإعجازي الذي أبداه الشعب السوري، على مدى خمس سنين أثبت خلالها أن شعب يستحق الحياة بحرية وكرامة، فما هي أهم الأسباب التي أخرت النصر وسقوط الأسد حتى الآن؟

السبب الأول: كان سببا ذاتيا ذو شقين، الشق الأول: تمثل بالتشرذم السوري فصائليا وسياسيا، وهنا يمكن تقديم هذا السبب على باقي الأسباب رغم أنه مرتبط بمجمل التحركات الدولية والإقليمية وحركة الإستقطابات وشراء الولاءات التي ما كانت لتنجح لولا الاستعداد الذي أبدته الأطراف السورية التي لم تستطع توظيف ما يقدم لها من دعم على الوجه الأمثل وصولا إلى التخلص من الدعم المشروط الذي تقدمه بعض الجهات الإقليمية.

الشق الثاني: تمثل بعدم الانخراط الفاعل لكافة مكونات المجتمع السوري بطوائفه وإثنياته المتعددة في الثورة، وهو ما مكن نظام الأسد من اللعب على الورقة الطائفية وتقديم نفسه كضامن لهذه الأقليات رغم أن السوريين عاشوا على الدوام بوئام لم يعكر صفوه أية حروب طائفية او أهلية.

السبب الثاني: يمكننا القول إن تدويل القضية السورية كان أحد أهم أسباب تأخر إسقاط نظام الأسد وذلك بسبب الفيتو الموضوع من قبل الدول الكبرى المتحكمة بأطراف الصراع والتي، لم تسمح حتى للقوى الإقليمية بحرية الحركة ودعم الثورة السورية إلا وفق ما يتم الاتفاق عليه من تفاهمات.  

السبب الثالث: الإحتراب بين الفصائل كان أحد الأسباب التي أسهمت في تأخر سقوط نظام الأسد لأنها شتتت الجهود وصرفتها إلى معارك جانبية استنزفت الجميع في الوقت الذي كان يجب أن توحدهم، ناهيكم عن استئثار امراء الحرب بالمحرر من المناطق وقعودهم عن المبادرة إلى تحرير المزيد من المناطق وإنهاك النظام بل وحتى عدم القيام بما يسمى حرب العصابات واستهداف قوافل النظام ورموزه.

السبب الرابع: وهو تشرذم المعارضة السياسية، لكنه لم يكن ليؤثر كثيرا في سقوط نظام الأسد لو كان وضع الفصائل المسلحة على الأرض جيدا، فالمجلس الوطني ومن بعده الائتلاف ولاحقا هيئة المفاوضات لم تكن في يوم ممثلا لثورة الشعب السوري، بل كانت جميعها نتاج تفاهمات دولية وإقليمية أدت الغرض المطلوب منها كشماعة يعلقون عليها كافة أشكال التسويف والمماطلة التي مورست بحق الشعب السوري، فسمحت لنظام الأسد بتهجير أكثر من 14 مليونا وقتل أكثر من مليون إضافة إلى تدمير وطن كان يسمى ذات يوم سورية.

اليوم وبعد كل ما كابده الشعب السوري من مآس لا يبدو أن أزمته في طريقها إلى الحل، فعدونا هو نفسه الحكم، والمجتمع الدولي ممثلا بالولايات المتحدة وروسيا يمارس سياسة إبتزاز قذرة، فيساوم السوريين على مصيرهم، فإما القبول بالأسد وتشارك الفتات معه، وإما التقسيم، أو المزيد من القتل والدمار والتهجير على يد الأسد وإيران وروسيا والتحالف الدولي.

التعليقات (3)

    فاعل خير

    ·منذ 8 سنوات شهر
    شكرا على التحليل الدقيق ولأقرب إلى الحقيقة

    حر سوري

    ·منذ 8 سنوات شهر
    في حالة سائدة ، هي أنه مجموعة كبيرة من السوريين حتى اللحظة مافيهم خير لبعض. بدون تحديد مناطق ، مازالت النزاعات والخلافات والتكتيكات لبعض وأحياناً الأسلوب الديكتاتوري طاغياً عليهم مع كل من حولهم. لسا ماتعلمنا كيف نكون يد واحدة ولا كيف نعالج هذه المعضلة من أصلها.. هذه المشكلة لحالها مشكلة كبيرة وفجوة بالثورة لابد من حلها لنكون جاهزين لمرحلة الحرية والإستقلال من النظام المجرم.

    ابو عبد الرحمن

    ·منذ 8 سنوات شهر
    و فسر الماء بعد الشرح بالماء هذا ما فعله الكاتب فهو يصف اعراض المرض و لكنه لا يعرف السبب و لا ما هو المرض !
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات