الأسد بين (كراديتش) و(كرزاي)

الأسد بين (كراديتش) و(كرزاي)
لم يخفِ كثير من السوريين سعادتهم بالحكم على زعيم صرب البوسنة (رادوفان كراديتش) بالسجن 40 عاماً، لاتهامه بعشرة جرائم منها الإبادة الجماعية، ولعلّ مصدر هذه السعادة أنه مازالت العادلة الدولية ذات مصداقية (بحسب البعض)، وإن كانت غير كاملة، ولكنها استطاعت في نهاية المطاف أن تحاكم مجرم حرب، حاول الهروب من يد العدالة لمدة 13 عاماً.  

تفاءل السوريون أنه من الممكن محاكمة بشار الأسد بذات الطريقة، عبر تحويل ملفه الإجرامي إلى محكمة الجنايات الدولية، أو ربما محكمة خاصة كتلك التي تبحث في قضية اغتيال "رفيق الحريري" قبل أكثر من 10 أعوام. خاصة ًوأن الكونغرس الأمريكي وافق بأغلبية ساحقة على تقديم مسودة قرار لمجلس الأمن، من أجل تحويل هذا الملف للمحكمة الجنائية عبر قرار أممي، وهو ما يمكن أن نقول أنه تهرب أمريكي من المسؤولية الأخلاقية أمام العالم، لأنها تدرك تماما ًأن مثل هذا القرار سيصطدم بفيتو روسي، وربما ترفع الصين أيضاً الفيتو في وجه الولايات المتحدة.

ربّما بنى البعض هذا التصور بسبب التشابه الكبير بين المجرمين، فكلاهما درس الطب، وكلاهما نفّذ جرائم إبادة وتطهير عرقي عبر القتل العشوائي، وربما ليس هناك اختلاف كبير بين مذبحة (سربرنيتسا) التي قتل فيها خلال أيام فقط ما يقارب من ثمانية آلاف بوسني مسلم ،وبين جريمة الكيماوي التي ضربت الغوطتين . فضلاً عن كونهما مدعومين من ذات الآلة الإجرامية الروسية، لكن الفرق الوحيد بينهما أن "كراديتش" كان يعتمد على قواته المتطرفة، أما الأسد فهو يعتمد على تنظيم "داعش" في تثبيت اركان حكمه! 

مع بداية الثورة، قال "بشار الأسد" أن سوريا ليست مصر أو تونس، والربيع العربي هو موضة تدعمها بعض الدول، مهدداً المنطقة بإشعال لهيب الإرهاب فيما لو استمرت المؤامرة على النظام، وأن سوريا ستتحول إلى افغانستان جديدة، على الرغم من الأمثلة الكثيرة، إلا أنه اختار أفغانستان تحديداً، بسبب وجود تنظيم القاعدة، وهو مصدر الرعب للعالم ،وكان يريد ان يرسل رسائله للعالم ليقول: "أنا أو الارهاب الذي سيضربكم ".

أثبتت التحقيقات أن علاقة تنظيم القاعدة بإيران علاقة متينة حتى درجة التحالف، لأن إيران تعتبر الممر الرئيسي لتنظيم القاعدة سابقاً إلى أفغانستان، وحالياً للعراق وسوريا، وهو ما تمّ إثباته عبر رسائل وتصريحات لأمراء تنظيم القاعدة، ولعلّ هذه العلاقة هي من جعل الأسد يكرّر الكلام الذي قيل في كواليس الحلفاء، من تحويل سوريا إلى افغانستان جديدة، عبر دخول الجهاديين إلى سوريا، لجعل البلد محرقة كل شيء، ويمكن للنظام الانتصار على هذا الإرهاب، بعد القضاء على كل من يقف ضدّه بفتوى التكفير والارتداد، وتنظيف البيت الداخلي من المرتدين قبل قتال الكفار، وهو ما دأب "تنظيم الدولة" لترويجه دائماً، خاصة وأن التحالف القاعدي - الإيراني متين، ويصدّر إلى عدد من الدول.. 

الغموض الذي يلف ورقة المبعوث الدولي "ستافان دي ميستورا"، ذات البنود الاثني عشر، والتي لم تتطرق لمصير الاسد والتفاهمات الروسية -الامريكية بعد زيارة "جون كيري" لموسكو، وما قاله نائب وزير خارجية روسيا "سيرغي ريابكوف" عن تفهم الولايات المتحدة لعدم الحديث عن مصير "الأسد" في المفاوضات المقبلة، وأن السوريين هم من يقرر عبر الانتخابات من سيحكم سوريا دون إقصاء أحد،  يؤكّد عدم جدية ما تذهب إليه كل الفرضيات عن محاكمة الأسد على جرائم الإبادة، ومن الممكن أن يكون "الأسد" رئيساً عبر دستور جديد، قد يفصّل على مقاس "الأسد"، خاصة وأن الدستور سيكتب تحت أنظار أجهزته الأمنية، طالما هو مازال يضع يده على الجيش والأمن، وربما نكون منصفين إن وصفنا الأسد بالدمية الخشبية التي يحرّك خيوطها "خامنئي" أحياناً، وأحياناً أخرى "بوتين". 

مرة أخرى لا يمكن بناء التفاؤل في تجريم "الأسد" وتحويله إلى محكمة الجنايات الدولية، في سيناريو مطابق لزعيم صرب البوسنة، خاصة أن "كراديتش" كان من الممكن أن يبقى طوال حياته مختفياً عن الأنظار، وليس فقط ثلاثة عشر عاماً، لكن وصول حكومة اشتراكية إلى حكم "صربيا"، فعّل صفقة بين الاتحاد الأوربي و"بلغراد" للانضمام إلى الكتلة الاوربية، لكن رأس "كراديتش" كان هو الثمن في توثيق العلاقة بين "صريبا"، والاتحاد الأوربي. خاصة وأنه كان يعيش حياة طبيعية تحت اسم مستعار، وهو ما يمكن أن يحصل مع "الأسد" دون ان يتخفى، فلا يمكن تقديمه للعدالة الدولية بطبيعة الحال وهو رئيس لدولة! إذاً.. لا بد من صفقة تطيح به، عندها فقط يمكن الحديث عن العدالة الدولية، أو ربما تكون هذه الصفقة تضمن عدم الملاحقة القانونية الدولية !

الأساس في احترام الدول هو احترام مواطنيها للدستور، غير أن الدستور السوري تم تعديله مرّتين من أجل "بشار الأسد" مرة للتوريث، ومرة للأبدية. ومن المتوقع أن يكتب للمرة الثانية (بعد أن كتب في عام 2012 وأعطى صلاحيات واسعة للرئيس) وذلك للوصول إلى دستور يضمن سيطرة النظام على سوريا، ولعل حديث المعارضة في بداية الثورة عن العودة الى دستور 1950 لحكم البلاد قوبل برفض النظام ورد عليه بدستور 2012 الذي مرر الاستفتاء عليه عبر مؤيديه الذين ينادون بالأبدية للأسد أو أنهم سيحرقون البلد 

ما يطرح اليوم في أروقة جنيف والدولة الداعمة هو اعادة كتابة الدستور لسوريا أو اعادة العمل بدستور 1950 أو تعديل دستور 2012 ولعلّ ما يفكر به النظام، ومن ورائه إيران وروسيا، هو الدمج بين دستوري 1950 و2012 للعمل على انتخاب الرئيس في البرلمان كما في دستور ،1950 وصلاحيات واسعة للرئيس كما في دستور 2012، وبالتالي تحديد مدة الولاية الدستورية للرئيس بسبع سنوات لمرتين متتاليتين فقط، وهو ما يسمح للأسد بالترشيح والفوز عبر الانتخاب من البرلمان، خاصة وان هذا البرلمان الذي يعمل عليه هو عبارة عن صورة قبيحة للعمل البرلماني، الذي يحضّر ويطبخ في أقبية الأجهزة الأمنية، وبعد انتهاء الولايتين ربما يعدّل الدستور لبقاء "الأسد" رئيسا ً!

تأكيد "بشار الأسد" عن أن سوريا ستتحول الى أفغانستان اخرى في المنطقة هو وجود تحالف قوى تريد إعادة إنتاج التحالف الذي مكّن الولايات المتحدة من احتلال أفغانستان، ثم الاعتماد على "حامد كرزاي" في محاربة الإرهاب القاعدي، وهو ما يطمح إليه "الأسد"، في أن يكون الرجل المعتمد عليه في محاربة الشعب السوري، الذي يعتبره "الأسد" إرهابياً، وإعادة إنتاج (كرزاي)، أو ربما إعادة إنتاج (رمضان قاديروف) رئيس الشيشان الصوري، على اعتبار أن سوريا وبحسب وسائل إعلامية روسية، أصبحت روسيا الجديدة، أو انها ستكون جزءاً من الاتحاد الروسي، ويبقى الأسد حاكماً لسوريا في إطار التشاركية، وهو ما تؤكد عليه دول القرار، ولعلّ العدالة الدولية لن تحاكم "الأسد" على مجازر الإبادة، وإنما ستكافئه على محاربة الإرهاب عبر تنصيبه رئيساً على سوريا، بعد انهاء داعش، ليكون السفير الروسي هو الحاكم الفعليّ 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات