لا يحتاج السوريون لوثائق بنما

لا يحتاج السوريون لوثائق بنما
أثارت (وثائق بنما) حول التهرب الضريبي لعدد كبير من الشخصيات الدولية اهتمام العالم من مشارقه لمغاربه، وصارت الشغل الشاغل للإعلام والحكومات والنقابات والمؤسسات المالية، إلا السوريين لم تُثرهم كثيراً هذه الوثائق على الرغم من ورود اسم الأسد وأقاربه فيها، فهم في حقيقة الأمر في غنى عنها ولا يحتاجونها.

ما يعرفه السوريون عن نظامهم وشخوصه نقطة في بحر ما قدّمته (وثائق بنما)، فهم خبروا هذا النظام وراقبوه خمسة عقود، وفهموا تركيبته وأساليب فساده ونهبه، وعرفوا واجهاته الاقتصادية، كما عانوا من تفقيره لهم، ومن استثماره للسلطة بأبشع الأوجه للهيمنة على كل مقدرات الدولة وإفراغ جيوب الشعب.

يعرف السوريون قبل (وثائق بنما) أن بلدهم، وبفضل نظامها، أصبحت في ذيل ترتيب منظمة الشفافية الدولية، ولا يفصلها عن اعتلاء عرش الفساد العالمي سوى مراتب قليلة، كما يعرفون أن 5% من الفاسدين في سورية يستحوذون على 80% من الفساد الكلي، أي أن الفساد الكبير والسرقات الضخمة هي المهيمنة.

انتشرت رائحة الفساد في سورية على نطاق واسع منذ عقود، وباتت حديث السوريين في غرفهم المُغلقة، ثم أصبحت سبباً من أسباب ثورتهم، وعاصر السوريون موظفين (من عظم الرقبة) يرتشون بعشرات الملايين، ووزراء يسرقون مئات الملايين، ومدراء عامون ورجال أمن ينهبون بالمليارات، إلى أُسر تسرق البلد كله.

يعرف السوريون أن 50% من الشعب يعيش تحت خط الفقر، وأن حجم التهرب الضريبي في بلدهم كان يبلغ ـ منذ عقود ـ ووفق إحصاءات رسمية، نحو 4 مليارات دولار سنوياً، أي على مدى خمسين عاماً بلغ 200 ملياراً، وفي الواقع هو ثلاثة أضعاف المُعلن رسمياً. كما يعرفون أيضاً أن حجم الأموال التي سُرقت من سورية نتيجة الفساد حتى عام 2000 وهرّبت إلى الخارج بلغت بأقل تقدير متخصص أكثر من 150 مليار دولار، فيما بلغت في أكثر التقارير قرباً من الواقع ثلاثة أضعاف هذا المبلغ، وبعد عام 2000 تخطى النظام الدرجة الأعمق من درجات الفساد.

عند استلام حافظ الأسد السلطة بانقلاب عسكري عام 1971 بسطت المؤسسة الأمنية والعسكرية نفوذها على كل أجهزة الدولة، مستندة إلى أقلية، وصارت المناصب الكبرى في الدولة من نصيبهم وحدهم، وكذلك الإدارات العامة وإدارات الشركات الإنتاجية والخدمية والاستثمارية، ومنح امتيازات وتسهيلات مالية استثنائية لأفراد أسرته ولرجاله، وأصبحت الشركات والمؤسسات الكبيرة حكراً عليهم، واستحوذوا على مناقصات الدولة التي كانت تُمنح لهم بالتراضي، ولم يحاسبهم القانون على كل التجاوزات القانونية التي قامواً بها علناً، واستملكت الدولة الأراضي ووزعتها على الموالين، وأجّرت الأبنية الحكومية الضخمة للمقربين بأسعار رخيصة، ووُزّعت عليهم الفلل والسيارات والمزارع كهدايا.

سيطر أهل النظام وحدهم على شركات الاتصالات، والمناطق الحرة والأسواق الحرة الخاصة، وشركات الطيران الخاصة، ومحطات توليد الكهرباء الخاصة، وموانئ التهريب الخاصة، كما وضعوا أيديهم على مناطق تنظيمية واسعة مُنِحت لهم ليتصرفوا بها على هواهم وآخرها فضائح تنظيم كفرسوسة، وتلاعبوا بالنظام القضائي لتفصيل قوانين تُناسب امبراطورياتهم المالية وتُرهب منافسيهم، ودمّروا التعليم ليفتتحوا مدارسهم الخاصة باهظة التكاليف، ومنعوا إنشاء الفنادق ما لم يكونوا شركاء بها، ونهبوا عطاءات الدولة ومناقصاتها، وعطّلوا المنح الدولية التنموية لعدم تقاضيهم رشوات عليها، ونبشوا آثار سورية وتاجروا بها، ولم يرف لهم جفن حين حوّلوا دمشق القديمة لساحة مطاعم، هذا طبعاً غير نهبهم للبنان بحجة الصمود والتصدي، واستلامهم عمولات من النظام العراقي السابق وتجارتهم بالسلاح والنفط لحسابه.

لم يقم أهل النظام بإنشاء مصانع ذات معنى، ولم يُساهموا بمؤسسات إنتاجية راسخة تساعد على تنمية البلد وتطوير الحياة الاقتصادية والمعيشية فيها، فقد أدركوا مُبكّرين أنهم طارئون وستًصادر أصولهم تحت ظل أي حكم رشيد.

أوردت تقارير نشرتها صحيفة (لوموند) الفرنسية و(الغارديان) البريطانية و(غلوبس) الإسرائيلية وغيرهما أن ما تملكه الأسرة الحاكمة في دمشق مع الأقارب من الدرجة الأولى والثانية يبلغ أكثر من 250 مليار دولار، بما فيهم الأعمام والأخوال وأبنائهم، فابن الخال المذكور في (وثائق نبما) يمتلك وحده شركات تدرّ عليه ما يوازي 15% من الدخل القومي السوري، ولو أضفنا لهذا المبلغ المنهوب قيمة التهرب الضريبي ونهب كبار المسؤولين، ومعها كلفة الدمار الذي تسببه الحل الحربي للنظام، سيتجاوز النهب والفساد والتدمير الذي ساد سورية في ظل هذا النظام أكثر من تيراليون دولار.

خرّب فساد النظام اقتصاد سورية وقيم الناس وأخلاقهم، ولم يعد العمل جهداً بل صفقات واحتيال ونهب، ما دمّر الطبقة الوسطى وقيمها ومواقفها وزاد فقر الفقراء وغنى الناهبين، واتكأ النظام على أفراد انتهازيين هدفهم الحصول على الامتيازات مقابل دعمهم له بدون شروط، وألغى دور المؤسسات الرقابية التشريعية والقضائية، ومنع المجتمع المدني والإعلام من الرقابة، فأسس ليس فقط لفساد اقتصادي بل أيضاً لفساد سياسي وأخلاقي واجتماعي،

كل ما سبق معروف لغالبية السوريين، وتنتفخ ذاكرتهم بتفاصيله، ويحتفظون بشهادات ووثائق وملفات وأسرار لكل هؤلاء، شخصاً شخصاً ومؤسسة مؤسسة، وربما يأتي يوم يقدرون فيه على فتح (وثائق دمشق) التي ستكون بالنسبة للسوريين أكثر غرابة وعجائبية ومفاجأة من (وثائق بنما) سابقة الذكر.

التعليقات (1)

    عزو فتوش

    ·منذ 8 سنوات شهر
    و بعد كل هذه السرقات و النهب حضرته يريد أن يبقى مستمسكا بالحكم ألم يشبعوا سرقة و قتل و جرائم بحق أكثرية السوريين؟في المستقبل القريب سنقرأ أكثر عن بنما .ما هو الرقم المادي اللذي يريده بشار و نظامه ليرحل ؟فالوطنية و الممانعة اللفي يتغنى بها مع حلفائه الفرس و حسن المنافق أصبحت لعبة قديمة مكشوفة و خاصة بعد دعم إسرائيل لبقائه في سدة الحكم .السوريين سيجدوا رئيسا شريفا و قادرا على حكم سوريا فعلى بشار أن يحمل قبقابه و يرحل عن سوريا .
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات