وثائق بنما... لا مفاجآت

وثائق بنما... لا مفاجآت
لا تزال آثار عملية "أوراق بنما" محدودة، وتقتصر على استقالة رئيس الوزراء الأيسلندي، سيغموندور غونلوغسون الذي تبين أنه استعمل شركة "أوفشور" من أجل إخفاء ثروته. ويبدو من السياق العام أن القضية ستمر كما مرت عاصفة "ويكيليكس" التي حفلت ملفاتها بفضائح ومعلومات سياسية على درجة عالية من الإثارة، ومع ذلك جرى تجاوزها وتسجيلها في خانة النميمة السياسية. 

اتسم رد الفعل الأولي على كشف القدر الهائل من الوثائق الذي تجاوز 11 مليون بالخفة والتركيز على جانب واحد منها، يتعلق بحيازة بعض المسؤولين حسابات مالية خارجية. وهذا تبسيط كبير للأمر، لأن المسألة ليست مطروحة من هذه الزاوية فقط، مع العلم أن امتلاك حساب في الخارج حق مشروع لأي شخص، مواطناً عادياً كان أو مسؤولاً، طالما أن هذا النشاط يقع تحت طائلة القانون، ويتم بشفافية ووضوح، وكما هو معلوم، فإن البلدان التي تتمتع بقوانين ضرائبية صارمة، كما هو الحال في القارة الأوروبية، لا تمنع مواطنيها من فتح حساباتٍ خارجية، ولكنها تفرض عليهم التصريح عن المداخيل الخاضعة للضرائب. 

ينحصر الأمر الأساسي في الكشف عن وثائق بنما في الدور المنوط بشركات "أوفشور" أن تقوم به، فبعضهم يستخدمها من أجل نشاطات استثمارية قانونية، وهناك من يجعل منها باباً لتهريب المال العام من دون مستمسكاتٍ قانونيةٍ، أو أثر شخصي، كما هو حال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي استخدم عدداً من أصدقائه وبطانته، لتهريب مئات الملايين من روسيا. والمسألة الخطيرة هنا، حيث لا يقتصر الأمر على تهريب المال العام، بل يتعدّاه إلى توظيف هذا المال في نشاطاتٍ أخرى، بعضها على صلةٍ بتمويل الجريمة، أو بناء النفوذ وشراء الولاءات. 

ويبقى هذا الأمر عصيا على الكشف في حالاتٍ كثيرة، إن لم تتم معرفة طرق تدوير الأموال. وهنا، يجدر التوقف عند نقطة مهمة، تتعلق بمسألة تمويل اليمين العنصري المتطرف في العالم، مثل حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، وكشفت وثائق بنما أن جان ماري لوبان وابنته ماريان التي تقود الحزب استخدما شركات "أوفشور" لإخفاء ثروات تقدر بحوالي ثلاثة ملايين دولار، وفي نظر الأوساط السياسية الفرنسية، تعد هذه الأموال جزءاً من تمويلاتٍ خارجيةٍ حصلت عليها عائلة لوبان. وإذا كان النقاش يدور حتى الآن حول الوسائل غير القانونية لإخفاء الأموال، فإن التحقيق القضائي سوف يذهب نحو توظيف الأموال واستخدامها في نشاطاتٍ غير مشروعة. 

واللافت أن إعلام الممانعة ركز على استخدام بعض حكام الخليج لشركات "أوفشور" لأغراض استثمارية، وخصوصا في مجال العقارات، وأغفل الجوانب الخطيرة في استخدام الممانعة هذا النمط من الشركات من أجل أهداف مختلفة. وهناك معلوماتٌ تحفل بها "وثائق بنما" حول استفادة إيران والنظام السوري من هذا النظام المالي، للتحايل على القوانين الدولية والعقوبات، ومن أجل تهريب العملة وتبييضها. وحتى حزب الله لجأ إلى شركات "أوفشور"، حيث تبرز الوثائق أنه في سنة 2011، قامت إحدى الشركات التي يديرها المكتب، وهي أوفلاس ترادينج، بتمويل أنشطة حزب الله. وقد اشتكى يورغن مومساك، أحد مؤسسي مكتب المحاماة البنمي في رسالة إلكترونية من الحادث، وكتب "ما أفهمه هو لماذا لم نكتشف هذه القضايا منذ البداية، أي في أثناء إجراءات التثبت". وقد أكّد محامون يمثلون "أوفلاس ترادينج" أن شركة "أوفشور" تم إنشاؤها لأسباب ضريبية. لكنها "لم تنخرط أبداً في أي نشاط غير قانوني من أي نوع، تبييض أموال أو تمويل إرهاب، أو تجارة مخدرات أو شيء آخر"، واستخدمها حزب الله لمواجهة العقوبات الدولية 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات