محمد صلى الله عليه و سلم:
- عُقد صلح الحديبية في العام السادس للهجرة بين رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم (أي دولة الإسلام الناشئة حينها) و حلفائه من جهة و بين قريش و حلفائها من جهة أخرى.
- من الروايات المثبتة أثناء عقد هذا الصلح أنه لدى اجتماع المتفاوضين من الطرفين كان المفاوض و الممثل الرئيسي من طرف قريش هو سهيل بن عمرو في مقابل رسول الله صلى الله عليه و سلم، و بعد الاتفاق على تفاصيل الصلح و عند كتابته رفض حينها وفد قريش (وفد المشركين) أن يوصف محمد (صلى الله عليه و سلم) في وثيقة الاتفاق على أنه رسول الله و طلب سهيل أن تحذف (رسول الله) و يكتفى بـ (محمد بن عبد الله) بدون أي صفة، و قد قبل حينها رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا الطلب و مسح الكلمة بيده.
- قبول هذا الطلب ينفي و يناقض - و لو بشكل ظاهري - الرسالة و النبوة عن الرسول الكريم و بالتالي ينفي عنه المشروعية الدينية و السماوية التي خاض لأجلها حروباً بذل فيها دماءً و تهجيراً و انقساماً مجتمعياً سياسياً و دينياً، و مع ذلك قبل عليه الصلاة و السلام بهذا الشرط...لماذا؟ لأنه أدرك أن ما يخوضه في هذا الاتفاق هو معركة سياسية في الدرجة الأولى لا تلعب فيها الأسماء و المصطلحات دوراً هاماً و أن العبرة بما سيجري عملياً على الأرض و بالنتائج التي ستأتي من بعده، و قد أيّد القرآن الكريم هذا الاتفاق بآيات تتلى إلى يوم القيامة حيث وصفه بـ (الفتح المبين)، وقد رأى المسلمون بعدها بزمن قليل و سجل التاريخ نتائج هذا الاتفاق التي كان أهمها فتح مكة المكرمة.
موسى و هارون عليهما السلام:
- ذُكرت قصة سيدنا موسى في مواضع متعددة من القرآن الكريم كان أحدها في سورة (طه) لما خلف نبي الله هارون أخاه موسى (عليهما السلام) في القوم خلال فترة غيابه عنهم حين ذهب ليكلم الله سبحانه و تعالى ويتلقى ألواح التوراة، و خلال غياب سيدنا موسى بدّل بنو إسرائيل دينهم بعد أن صدّقوا السامري الذي صنع لهم صنماً من ذهب و أقنعهم بأنه ربهم الواجب عبادته، فماذا كانت ردة فعل هارون بعد أن ناقشهم و حاججهم و كادوا أن يقتلوه؟ أدرك حينها ميزان القوى و أنه لن يستطيع هو و من بقي مؤمناً معه أن يردهم إلى الصواب لكثرتهم و تغلبهم، و رغم أنه رسول مؤيد من الله و يعلم يقيناً أنه على الحق، فهل أعلن الحرب المقدسة عليهم أم انتظر حتى يأتي سيدنا موسى؟ رغم أن ما فعله القوم يناقض كل ما أرسلا به و جاهدا فرعون به و أُخرجوا من أرضهم لأجله .
و اقرأ معي رد هارون على سيدنا موسى عندما عاتبه على ما آل إليه حال الناس من الكفر:(إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) – طه:94 ، إذن فقد كانت سياسة ذكية من هارون عليه السلام أن تراجع خطوة للوراء و تريث. لمعرفته و يقينه أنهم سيدركون الحقيقة و يتوبوا إلى الله بعد سماع كلام موسى و هذا الاستماع لن يكون ممكناً و لن يفيد إذا كان الصراع قائماً و الخلاف مشتداً، بهذه الخطوة الذكية التي كان ظاهرها استغناءً عن العقيدة و تركاً لواجب الرسالة المقدس استطاع هارون عليه السلام أن يُغلّب الوحدة و يتحاشى صراعاً مريراً أدرك أنه سيكون وبالاً على الجميع. عاد بعدها بالناس إلى دينهم الحقيقي بتعاضده مع أخيه موسى عليه السلام الذي أراهم حقيقة إلههم المزعوم.
- ونبقى مع سيدنا موسى عليه السلام و قصة نشأته المذكورة في القرآن الكريم (سورة القصص)، كلنا قرأ السورة و يعلم نشأته في بيت فرعون - عدو الله و عدو موسى - كما وصفه الله في الآية 39 من سورة طه: ( يأخذه عدو لي و عدو له)، ثم كانت نهاية هذا الفرعون على يد موسى، فرعون هذا الذي كان من أعظم الحكام حينها و أغناهم و الذي وصل طغيانه إلى مرحلة أمر فيها الناس أن يعبدوه وحده، هل يمكن لعاقل أن يعيب على الله (حاشا لله) أو يعيب على موسى أنه تربى (أو تلقى دعماً) في دار فرعون؟ كلنا ينظر إلى هذا على أنه برهان على عظمة الله و قدرته و كيف أنه يسخّر عدوّه في خدمة الحق و خدمة الدين حتى و هوفي قمة جبروته و دون أن يشعر، و من المؤكد أن هذا زاد بشكل كبير من الشعور بمرارة الهزيمة لدى فرعون عندما واجه مصيره.
ابراهيم عليه السلام:
- و قصة سيدنا ابراهيم الذي حطم أصنام قومه ما عدا أكبرها معروفة للجميع و مذكورة في سورة الأنبياء (قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿62﴾ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ﴿63﴾) هل يمكن أن نعتبر أن سيدنا ابراهيم كذب عندما قال: فعله كبيرهم؟، أم أنه أراد أن يخاطب عقولهم و يظهر لهم خطأ تفكيرهم، لماذا لم يحطم جميع أصنامهم و يواجههم و يحاربهم؟ فهو على الحق و مؤيد برسالة الله القاهر سبحانه و تعالى.
هل كانوا على خطأ ؟!!
- هل يمكن أن نسمي ما سبق سياسة (فن الممكن) مارسها أنبياء الله عليهم السلام رغم تأييدهم الإلهي و رغم يقينهم أنهم على الحق؟
- عجيب أمر الأنبياء!! لماذا لم يكن حالهم الدائم إعلان الحرب على من صرح بكفره و أعلن عداءه لله و للمهمة التي أرسلهم بها؟! فهم على الحق يقيناً و مؤيدون برسالة الله و وحيه. أما كان واجبهم أن يبادروا للقتال و الدفاع عن رسالتهم - دون أن يلتفتوا إلى موازين القوى أو إلى الاعتبارات الاجتماعية و السياسية - و لا يخشوا في الله لومة لائم لأنه معهم و ناصرهم !!
- أم أنهم فعلوا ذلك ليوصلوا رسالتهم، لتسمعها الآذان و تأخذ طريقها إلى قلوب الناس. ومارسوا السياسة لأنهم بشر. أرسلهم الله قدوة للبشر على مدى الزمان و لو اقتصر فعلهم على معجزات و انتصارات مستحيلة لانتهت قصص جهادهم و اندثرت رسالاتهم بموتهم و توقف معجزاتهم.
في سوريا اليوم:
- جبهة النصرة و مسمار جحا:
- يا جبهة النصرة عندما يطلب منكم الناس سحب الذريعة و الاستغناء عن بيعتكم للقاعدة، فهل يطلبون منكم نقض عقيدتكم؟ هل هذا الطلب أهون أم طلب رفع صفة النبوة عن محمد صلى الله عليه و سلم؟! و لاحظوا أن من يطلب منكم ذلك مسلمون و ليسوا كفاراً يحاربونكم كحال الذين طلبوا من رسول الله صلى الله عليه و سلم.
هل عقيدة النصرة أقوى من عقيدة رسول الله و توكلهم على الله خير منه أم أن تأييدكم الإلهي (الذي اعتقد بعض غلاتكم أنه محصور بكم) أشد و أقوى من تأييد الله لرسوله؟ أم أن سياستكم خير من سياسته صلى الله عليه و سلم؟!
- إن ارتباطكم التنظيمي الذي لا يسمن و لايغني لم يأت إلا بالضرر على السوريين بمزيد من التشويش على ثورتهم و المزيد مما يُصور على أنه ضياع لبوصلتها. و لم ير فيه أحد مصلحة للسوريين أو حقنا لدمائهم.
- إن بيعتكم للقاعدة قدم هدية على طبق من ذهب للنظام السوري و حلفائه - المعلنين و غيرهم - لتبرير حربهم على الإرهاب المزعوم، و ضرب كل من تحالف معكم، و إحراج كل من يفكر أن يقدم دعماً للثورة، أي أن هذه البيعة تعطي سبباً ممتازاً لإيقاف الدعم القليل أصلاً، مالكم كيف تحكمون؟!!
- إن بقاؤكم على إصراركم و تعنتكم (و أقصد القادة و أستثني شبابها المخلصين) على بيعتكم هذه لم يعد يصلح معه أي مبرر أو تفسير إلا بأنكم مخترقون من إيران و النظام و ما أنتم إلا أداة لإفشال الثورة و تسويغ الحرب العالمية عليها، و فكرة اختراقكم من إيران ليست مستغربة أبداً لأن إيران هي ملجأ و داعم من تبايعونهم من زعماء القاعدة.
- أرجو أن أكون مخطئاً و تقدموا للناس سبباً مقنعاً (لم أستطع إيجاده) ينتفي معه فكرة كونكم مسمار جحا داخل بيت الثورة الذي تحرق حلب لأجله حالياً، و يقدم حجة جاهزة و دائمة لمنع اي دعم و لتسويغ أي مجزرة وخرق أي تهدئة يمكن أن يلتقط فيها الشعب المظلوم أنفاسه.
الفصائل الكبرى:
- أما قادة جيش الإسلام و النصرة و الأحرار و فيلق الرحمن و كل من دخل في اقتتال، هل يعقل أنكم لم تتطاوعوا لبعضكم و لم تجدوا بين دماء الشهداء و أنين الجرحى و المعتقلين و صرخات المدفونين تحت الأنقاض أي قاسم مشترك و لو كان بسيطاً يجمعكم؟ و تدّعون فوق كل ذلك أنكم مسلمون! أين الدين و العلم الشرعي الذي تنسبون أنفسكم إليه؟ هل أنتم أفقه من رسول الله عندما تنازل لكافر في مسألة ظاهرية لأجل مصلحة عليا؟! أم أنكم أغير من النبي على الدين و أدرى منه بما هو أصلح؟! ، أو ربما أنتم أغير من هارون عليه السلام على رسالة سماوية أرسل بها! و أعود و أذكركم بأن الأنبياء واجهوا كفراً صريحاً و محاولة للقضاء على رسالاتهم من أساسها في حين أنكم تواجهون بعضكم و تطلقون النار على أنفسكم لأجل خلافات لا يمكن أن توصف بأكثر من تافهة إذا ما قورنت بما واجهه الأنبياء. أليس فيكم رجل رشيد؟!
فعلاً يا شماتة و فرحة بشار بكم و يا لخيبة المظلومين المحروقين المحاصرين الجائعين فيكم، يا لخيبة الشهداء و أمهاتهم.
أدعو الله على من لم يهتد لطريق الحق منكم أن يأخذه و يخلص البلاد من طغيانه.
تنبيه:
ملاحظة 1: عندما ذكرت أن الأنبياء مارسوا السياسة فهذا لا يحط من قدرهم و لا ينفي جهادهم و قتالهم و تضحياتهم و بذلهم الأنفس و الأموال عندما لزم الأمر، و لا ينفي الإيمان بمعجزات مثبتة الرواية تحققت على أيديهم، لكن (المؤمن كيّس فطن) كما قال عمر رضي الله عنه، و السوريون فطنون إن شاء الله لكل من يحارب الثورة إن كان من داخلها أو من خارجها بقصد أو من غير قصد بمكر كان أو بحميّة و عصبيّة حمقاء.
ملاحظة 2: أرجو أن لا يفهم ذكر هذه الأمثلة على أنه دعوة لمحاورة النظام أو ترجي أمل أن يفهم، فكل عاقل في سوريا و غيرها يعرف كم جرت محاولات حوار مع هذا النظام على مدى خمسين عاماً و لم يقابلها إلا بالغدر و المجازر و كلنا يوقن أنه لن يسقط إلا بالقوة.
التعليقات (8)