ساقط وسيُعيد

ساقط وسيُعيد
ينتظر غالبية السوريين أن (يتكرم) الروس والأمريكيون ويتّفقان على تضمين حلب في الهدنة، المؤقتة أو الدائمة، ويأملون أن يُنهي هذا معاناة الحلبيين المناوئين للنظام، الذين صب وحلفائه جام غضبهم وحممهم عليهم خلال الأسبوعين الماضيين انتقاماً لعنادهم وتأديباً للمعارضة التي علّقت مشاركتها بمفاوضات جنيف.

من ناحية الشكل، استهدفت غارات طائرات النظام السوري وصواريخ حلفائه مواقعاً مُختارة بعناية، كالمستشفيات والأسواق الشعبية والأحياء المكتظة، قتلت أطباء ومرضى ورجال دفاع مدني والعشرات من الناس البسطاء، وجميعها لم تكن تحوي نقاطاً عسكرية، وتقع في المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة السورية.

أما من ناحية المعنى، فقد حمل هذا التصعيد رسالتين، الأولى لكل السوريين، بأن النظام مازال قادراً على التدمير ونشر الخراب، ومازال قادراً على إسقاط أعداد كبيرة من الضحايا كل يوم، وقادر أيضاً على مواصلة تهجير البشر ودفعهم للنزوح الجماعي، والأهم أنه لم يُغيّر استراتيجيته ولا سياساته ولا أهدافه.

أما الرسالة الثانية فهي للمعارضة التي غادرت جنيف دون أن تقبل بمفاوضته ولا حتى عبر وسيط، وأصرّت على ضرورة تحقيق بنود تمهيدية إلزامية نص عليها القرار الأممي 2254، وعلى رأسها احترام الهدنة والسماح بإدخال المساعدات الإغاثية للمناطق المُحاصرة وإطلاق سراح المعتقلين في أقبية الأجهزة الأمنية، ورفضت الحلول الترقيعية الخلّبية التي اقترحها النظام وروسيا، وتمسّكت بمطلب هيئة حكم انتقالية بصلاحيات كاملة وفق بيان جنيف وما بعده.

كل ما طرحه النظام السوري وحلفائه في الجولة الثالثة من مفاوضات جنيف هو حلول ترقيعية لا تسرّ صديقاً ولا تُغيظ عدواً، على شاكلة ثلاثة نواب للرئيس من المعارضة، أو ربما خمسة، أو حكومة موسّعة وفق الدستور الحالي، أو تأجيل الحل السياسي وتقديم العسكري لخلط الأولويات، واعتقد النظام وداعمه الروسي أنهما سيحصلان على موافقة المعارضة، إن لم يكن بالإقناع والمفاوضات فبالسلاح والعنف.

التصعيد العسكري العنيف الذي قام به النظام وحلفائه من روس وإيرانيين في حلب هو عقوبة مُبيّتة على المعارضة السورية التي استنكفت عن متابعة مفاوضات جنيف ولم تقبل بتوقيع صك استسلام، وهو رد متوقع على قرار المعارضة مغادرة جنيف وتمسكها بانتقال سياسي لا مكان فيه للأسد ورموز نظامه.

أراد النظام السوري وروسيا الضغط على المعارضة للعودة للمفاوضات دون شروط، وبمطالب ذات سقف منخفض تتناسب مع ما يريدانه، أرادا أن توقّع المعارضة على صفقة تُضيّع حقوق أصحاب الثورة، وتُضيّع الثورة وأهدافها وأحلام السوريين بالحرية والكرامة، لكن هذا لم يحصل، فكانت العصا جاهزة لتنفيذ العقاب.

إشعال حلب لم يكن وليد اللحظة، بل جاء ضمن خطة مبرمجة، رُفعت على الرف لحين الحاجة إليها لتأديب من يُشاكس، ومعاقبة من يرفع رأسه ويرفض مقاربتهما لحل الأزمة السورية، فبرأي الروس والنظام أن معاقبة المدنيين هو وسيلة للضغط على المعارضة توافق على أي شي وربما كل شيء، وهو أسلوب بربري ترفضه كل القوانين الوضعية والإنسانية والسماوية.

أحداً من المجتمع الدولي أو من رعاة المفاوضات السياسية لم يفعل شيئاً من أجل وقف الجريمة في حلب سوى إصدار بضع بيانات لا قيمة لها تدعو للتهدئة، على الرغم من إدراك كل المجتمع الدولي أن من ينتقم من المدنيين ويقتلهم لإحراج خصومه السياسيين أو العسكريين هو بالضرورة نظام حكم ساقط أخلاقياً وسياسياً.

في ظل هذه الأخلاقيات السورية ـ الروسية ـ الإيرانية المشتركة، لم تعد المشكلة أن يتوصل الروس والأمريكيون إلى توافق على شمل حلب بالهدنة، المؤقتة أو الدائمة، أو وقف قصفها مرحلياً، بل المشكلة أن هذه الأخلاقيات ستتكرر وتُعاد عند أي تعثّر في المفاوضات السياسية، وعند أي رفض للمعارضة تمرير أي مقاربة أو اقتراح مُقبل، ما يعني أن المقتلة الحلبية ستُعاد وتتكرر.

بعد المقتلة الحلبية، إن لم تظهر توافقات روسية ـ أمريكية جدّية جذرية حاسمة وواضحة، فإنه في الغالب الأعم، سيشهد السوريون في قادم الأيام مقتلة إدلبية وأخرى درعاوية وثالثة حموية، لأن من يُجرم أول مرة يسهل عليه إعادة الإجرام، ومن يسقط أخلاقياً يستسهل تكرار السقوط، ومن يجمع كل هذه الصفات ويكررها سيتفاخر بأنه ساقط ويُعيد.

 

التعليقات (1)

    رامي

    ·منذ 8 سنوات يومين
    هل سألنا أنفسنا بالمناسبة كيف كان لأقلامنا اكبر الأثر في حرف المعركة عن وجهتها حين رددنا كالببغاوات مرارا وتكرارا ما اريد لنا ترديده: داعش والارهاب و و و الى آخر الأسطوانة المشروخة،، حتى طمسنا الحقائق سواء عن علم او جهل وبات الكثيرون لا يَرَوْن المجرم والسفاح وأصل كل المصائب، وهل تجرؤ الصحيفة العتيدة على النشر؟
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات