الاسد على الخازوق الروسي

الاسد على الخازوق الروسي
حتى نفهم حقيقة الموقفين الامريكي والروسي من الثورة السورية علينا اولا ان نحاول التعرف على اهدافهما ومصالحهما الاستراتيجية في سوريا.

يعتمد الاقتاصد الروسي على النفط والغاز بنسبة 84%. تنتج يوميا 20 مليون برميل تستهلك نصفها داخليا (سكان روسيا 110 مليون) وتصدر النصف الآخر. تبلغ حصة اوروبا منها 75% والباقي يباع في الصين واليابان وبعض الدول الآسيوية. اي انها تبيع نفطها للدول القادرة على الدفع وبالدولار او اليورو وهذا هو مصدرها الرئيس من العملة الاجنبية. باقي الاقتصاد الروسي يتكون من الزراعة والصناعات العسكرية وقطاع الخدمات الداخلي. هذا يعني ان الاقتصاد الروسي بدائي يعتمد على ما تنتجه الارض من مواد خام دون اي قيمة اضافية مقارنة باقتصادات اليابان واروبا وامريكا وحتى الصين التي تستورد مواد خام كالحديد والنفط ومواد اخرى وتخلق منها طائرة او سيارة او هاتف جوال يفوق ثمن المواد الخام بآلاف المرات. برميل النفط يكلف 40$  وطن الحديد 150$ بينما يبلغ متوسط ثمن السيارة المصنوعة في امريكا او اليابان 27000$. بين تحويل المواد الخام الى سلع اساسية ذات قيمة عالية هناك تكنلوجيا وبنية تحتية ونظام مالي وتعليمي تفتقر روسيا اليها جميعا.

نظرية ان روسيا تريد ان تثبت اقدامها في سوريا كمنطلق لبناء علاقات اقتصادية وتجارية مع دول الشرق الاوسط ليست واقعية. ماذا لدى روسيا حتى تصدره؟ لا سلع استهلاكية من الطائرة والسيارة الى الجوال والقميص. ولا حتى منتجات خدمية كالمستشفيات ومعداتها الطبية او الفنادق مثل ريجنسي او المطاعم مثل مكدونالد. اهم ما تفتقر اليه روسيا هو نظام مالي او بنكي عالمي كالموجود في اوروبا امريكا واليابان. روسيا تعتمد في تخليص تعاملاتها البنكية وقبض ثمن البترول الذي تبيعه على المنظومة المالية والبنكية الغربية، لذلك يستطيع الغرب فرض عقوبات على روسيا. حاولت مع ايران ودول البريك بناء شبكة مالية بنكية قبل 10 سنوات لمنافسة الشبكة الغربية لكنها فشلت لان اقتصادها لا يؤهلها سواء بحجمة (3 ترليون دولار سنويا مقارنة ب 17 ترليون للاقتصاد الامريكي و 19 ترليون لاقتصاد الاتحاد الاوروبي) او في تكوينه الذي يعتمد على النفط وتوترات اسعاره وعدم ثبات الطلب عليه او حتى الاستغناء عن جزأ كبير منه اذا توفرت الطاقة البديلة.

روسيا لا تنظر الى دول الشرق الاوسط كشريك تجاري بل كمنافس في سوق النفط. اذا ما سر هذه الاستماتة على حماية نظام الاسد والسيطرة على سوريا وهي دولة غير نفطية؟ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وسيطرت روسيا على اوروبا الشرقية بما فيها المانيا الشرقية بدأ الاتحاد السوفيتي ببناء خطوط انابيب نفط وغاز وصلت من سايبيريا والقوقاز الى برلين لمد دول حلف وارسو بالطاقة. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بقيت هذه الخطوط واصبحت شريان الطاقة الذي يغذي دول شرق اوروبا التي انضمت الى الاتحاد الاوروبي مثل بولندا وليثوانيا ولاتفيا وحتى المانيا الموحدة. مع نشوب اي خلاف سياسي بين روسيا واوروبا لم تفوت روسيا اي فرصة بالتلويح باستخدام سلاح النفط ضد اوروبا واغراقها في الظلام وتجميد اقتصادها. هذا التهديد دفع الاتحاد الاوروبي بقيادة المانيا الى البحث عن بديل دائم وشل قدرة روسيا على تهديد الاقتصاد الاوروبي. هذا البديل هو خط انابيب نفط من الخليج العربي الى تركيا ثم بولاندا ومنها الى بقية القارة. العقبة الكأداء هي سوريا الاسد الذي يمنع نظامه قيام اي تواصل جغرافي بين العرب وتركيا. هذا هو هدف روسيا الرئيس ومصلحتها الاستراتيجية في سوريا.  

مصلحة امريكا في سوريا سياسية وليست اقتصادية. حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وسوريا قبل الثورة يكاد يكون معدوما عدى الاموال التي تلقاها الاسد لتعذيب السجناء نيابة عنها. هدف الولايات المتحدة في سوريا هو منع وصول اي حكومة اسلامية الى الحكم في سوريا لكنها لا تمتلك استراتيجية لتحقيقه، او لا تريد بلورة استراتيجية لان ذلك يتطلب تدخلا عسكريا مباشرا فاستعاضت عنه بالتدخل الايراني اولا وقبل ان تنهار ايران كان التدخل الروسي حاضرا وبمباركة امريكية. الاسد يعرف ذلك جيدا، بل هو من سعى الى عسكرة واسلمة الثورة وحتى دعشنة سوريا والعراق حتى يكون البديل له مخيفا وبالتالي تتردد او حتى تمنتع امريكا عن دعم خصومه الذين هم بالاساس خصوم امريكا نفسها كالقاعدة وجبهة النصرة التي سارعت امريكا الى ادراجها على لائحة الارهاب. منذ عام 2012 الى منتصف 2015 والنقاش والمؤتمرات من جنيف الى غيرها كانت كلها منصبة على سؤال واحد: ما هو البديل عن الاسد. هذا ما دفع اوباما الى التراجع عن خطوطه الحمر وتبني خطاب ممجوج ومتناقض من قبيل "على الاسد ان يرحل ،لا مكان للاسد في سوريا المستقبل" و "لن نسلح الثوار حتى لا تسقط الاسلحة بالأيادي الخطأ". لا يريد بقاء الاسد ولا يريد ان يسلح من يريد اسقاطه ولا يريد ان يتدخل عسكريا. هذه هي الثغرة التي دخلت منها ايران اولا وروسيا ثانيا، وربما تكون الصفقة النووية هي تخلي ايران عن النووي مقابل ان تسمح لها امريكا بالسيطرة على سوريا.

عموما، اهدرت ايران الفرصة التي منحها اياها اوباما وفشلت في انقاذ الاسد ناهيك عن السيطرة على سوريا والآن نحن امام الاحتلال الروسي الذي يريد ان يحقق اهدافه من خلال معادلات مستحيلة اخرى. بداية، علينا ان لا ننسى ابدا ان هدف روسيا الرئيس ومصلحتها الاستراتيجية في سوريا هي البقاء على سوريا عقبة جيوسياسية امام اي تواصل عربي مع اوروبا عبر تركيا سواء باقامة نظام سياسي مركزي او فيدرالي او تقسيم سوريا. الملاحظ العابر لتحركات روسيا العسكرية في سوريا يدرك من اول نظرة ان روسيا تركز على المناطق الحدودية مع تركيا وتهمل تماما الجبهة الجنوبية وحتى دمشق نفسها. ساعدت الاكراد على السيطرة على الحدود مع تركيا من شرق الفرات الى القامشلي. استماتت في محاولاتها لاسترجاع جبلي الاكراد والتركمان على الحدود التركية غرب سوريا. بقي المنطقة الوسطى وحدود محافظة حلب مع تركيا وهذه هي المعركة الفاصلة. اذا استطاعت روسيا السيطرة على حدود تركيا مع روسيا فانها لن تبالي بمصير الاسد او بالوجود الايراني او حتى بمصير سوريا كلها. الملاحظ ايضا ان الاسد غائب تماما عما يجري على حدود سوريا الشمالية ومشغول بتأمين حدود دويلته التي سترسمها له روسيا.

هناك عدة مؤشرات الى ان هدف الاحتلال الروسي هو السيطرة على حدود سوريا مع تركيا بعد ان فقدت الامل في استرجاع سوريا كلها تحت نظام الاسد. بعد اسقاط الطائرة الروسية اطلق أردغان تصريح ناري قال فيه ان المنطقة الآمنة ستمتد من شرق سوريا الى غربها. واقعيا هذا غير ممكن لكنه رسالة الى بوتن ان خطته واضحة تماما لتركيا. اسكات الاسد عندما قال انه سيسترجع السيطرة على كل سوريا. هنا تكمن الاجابة على السؤال المحير: لماذا ترفض امريكا انشاء منطقة عازلة؟ منذ البداية اومريكا تبحث عمن يقوم بدورها في سوريا، اي اسقاط الاسد ومنع وصول الاصوليين الاسلاميين للسلطة. اذا كان الثمن هو التضحية بمصالح الخليج العربي واوروبا وبجهد ومال روسي، فلما لا؟ الجزرة لأوروبا في هذه الصفقة ربما تكون تعهد روسيا بضمانات امريكية بعدم تلويح روسيا بسلاح النفط مجددا.

ختاما، لن تسقط حلب وسيفشل المشروع الروسي الامريكي برمته.

التعليقات (6)

    حسان

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    ادق واعمق وافصح ما كتب عن التدخل الروسي في سوريا على الاطلاق وفيه نظرة خبيرة للغاية للمستقبل وازيد عليه بعد الانحسار الروسي الايراني سترتد الموجة الى قلب دولهم المتهالكة وتزيد قوة اوربا في وجه امريكا وربما تاخد مكانها عالميا على الاقل عربيا وافرقيا

    عبد الله

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    تحليل بمجمله واقعي وفيه الكثير من الحقائق المغيبة! اما الجزم بأن حلب لن تسقط فيبدوا ومن خلال قراءة التحليل نفسه انه غير مبني على أساس وإنما على العاطفة، وهنا يجب الحذر فهذا يذكر بمقولة ان حمص لن تسقط، تكررت أشهرا وسنوات واالنتيجة؟ أين هي حمص اليوم، عاصمة الثورة؟

    جورج

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    بهنيك الك مستقبل بس كول جزر منيح للنظرً

    محمد فاتح

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    كلام جميل جداً واقعي. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين

    عواد

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    يا عزيزي ليس لروسيا اي استراتيحيه من يحكم هو اميركا والغرب وهم من يامر روسيا ولن تستطيع روسيا فعل شئ و كذلك السعوديه وغيرها من الدول

    احمد

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    ارقام مزيفة و مفبركة لدرجة السذاجة و تحليل غبي لا يستحق سوی قول واحد موتوا بغيظكم ايها السعوديون الحقراء من روسيا التي ستسحقكم كالحشرات في النهاية
6

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات