العاصمة بخير.. الطاغية بخير

العاصمة بخير.. الطاغية بخير
يحق للطواغيت العرب أن يقلبوا مقولة الخليفة العباسي المستعصم رأساً على عقب بكل أريحية، صحيح أن المستعصم قال عبارته الشهيرة "بغداد تكفيني" بعد أن أخبروه بأن معظم مدن وأقاليم العراق صارت في قبضة هولاكو، وصحيح أنه سرعان ما فقد بغداد التي ظن أنها ستحميه من المغول، لكن هذه الحادثة لا تنطبق بأي حال من الأحوال على أوضاع الطواغيت العرب الذين يحتمون بعواصمهم منذ سنوات وسنوات رغم أن بقية أنحاء البلاد إما أصبحت خارج السيطرة، أو انها سقطت فعلاً في أيدي قوات المعارضة، أو أنها لا هنا ولا هناك. طالما أن العواصم محمية في حالة الحكام العرب، وهم مرتاحون داخلها، فلا بأس أن تحترق البلاد خارجها أو تسقط.

لكن من الواضح أن المعارضين والثوار السوريين لم ينظروا إلى التجارب السابقة وهم يخوضون حربهم ضد نظام بشار الأسد، فظنوا أن الاستيلاء على حلب وإدلب في الشمال ودرعا في الجنوب والرقة في الشرق سيهز عرش النظام. لكن الواقع أن النظام لا يأبه حتى لو تشرد كل الشعب السوري، واحترقت حلب وبقية المدن، طالما أنه مرتاح في دمشق. ولا شك أن الأسد استفاد من تجارب زملائه في العراق والسودان عندما عمل المستحيل لحماية العاصمة، وترك بقية المناطق وحتى حدود سوريا تحت سيطرة معارضيه.

طالما العواصم بخير لا خوف أبداً على الحكام. وقد لاحظنا في الحالة السودانية أن النظام كان وما زال يخوض عشرات المعارك والحروب منذ عقود خارج الخرطوم في كردفان والنيل الأزرق ودارفور وقبل ذلك في جنوب السودان قبل أن ينفصل عن الشمال. لقد شهدت دارفور أكثر مما شهدته حلب السورية. وقد تحدث العالم عن تهجير مئات الألوف من السودانيين وقتل مئات ألوف آخرين في دارفور وحدها، ناهيك عما فعلته الحرب في الجنوب وبقية المناطق المشتعلة، وقد أدى الصراع في السودان إلى مقتل أكثر من مليون ونصف المليون شخص، بالإضافة إلى تدمير البلاد اقتصادياً، بحيث وصل سعر العملة إلى الحضيض.

هل حرك كل ذلك الخراب والدمار شعرة في رأس النظام الحاكم في الخرطوم؟ بالطبع لا بأس إن تشرد ملايين السودانيين، أو وصلت الأوضاع المعيشية في البلاد إلى حدود كارثية. ولا بأس أن تعيش بقية أصقاع البلاد حالة حروب مأساوية، طالما أن النظام سعيد في العاصمة. فالخرطوم تكفيه، وسيظل يقاتل خارجها حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

ومع أن الوضع العراقي مختلف عن الوضع السوداني، إلا أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين صمد في العاصمة بغداد لأكثر من ثلاثة عشر عاماً، مع العلم أن بقية أنحاء العراق كانت بطريقة أو بأخرى إما تحت سيطرة جماعات المعارضة العراقية، أو أنها ممنوعة عليه بسبب خطوط الطول والعرض الأمريكية في الشمال والجنوب. وقد حرم حظر الطيران الذي فرضه الأمريكيون فوق بعض مناطق العراق، حرم النظام في بغداد من السيطرة على أماكن عدة داخل العراق.

 ولم يكن النظام يسيطر فعلياً إلا على العاصمة وبضعة مناطق أخرى. لكن مع ذلك، لم يؤثر خروج بقية المناطق عن سيطرة العاصمة على النظام طالما أنه متحصن داخل العاصمة. ولا ننسى الوضع المأساوي أيضاً خارج بغداد بسبب الحصار الأمريكي والانهيار الاقتصادي. هل أثر ذلك على صمود النظام في العاصمة؟ بالطبع لا. فقد ظل النظام مرابطاً في بغداد حتى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. ولولا الغزو، لظل وضع النظام على حاله في بغداد لعقود وعقود.

ولو جئنا الآن إلى سوريا لوجدنا أن النظام السوري سعيد جداً بصموده في دمشق منذ خمس سنوات، لا بل مستعد أن يبقى على هذا الوضع لعقود وعقود. فحلب وإدلب والرقة ودير الزور ليست أغلى من البصرة في العراق ولا أغلى من كردفان ودارفور والنيل الأورق في السودان، طالما أن الخرطوم وبغداد ودمشق بخير.

هل تعلمون أنه تم قبل أسابيع افتتاح أكبر محل لبيع الآيس كريم في دمشق بينما كانت حلب في الشمال تحترق فعلياً؟ وطالما أن الناس في دمشق يعيشون بعيداً عن الحرب والمآسي التي يتعرض لها بقية "أشقائهم" السوريين، فلا بأس أن يستمتعوا بحياتهم تحت رعاية بشار الأسد الذي بدوره لا تهتز له شعرة وهو يرى بقية المدن خارج السيطرة أو تحت النار، طالما هو سالم آمن في دمشق. ولتذهب الحدود السورية والسيادة في ستين ألف داهية طالما أن صواريخ المعارضة لا تستطيع أن تصل إلى قصره أو على الأقل إلى معاقله العسكرية والأمنية في العاصمة.

لا شك أن القوى الدولية لها دور في إبعاد النار عن معاقل الأسد في دمشق. هل تعلمون مثلاً أن أمريكا سمحت للثوار باستخدام صواريخ "تو" المضادة للدبابات فقط في المناطق الشمالية ومناطق أخرى بعيدة عن دمشق؟ ممنوع على الثوار أن يستخدموا تلك الصواريخ ضد قوات النظام التي تحمي العاصمة.

ولولا ذلك لاستطاعت تلك الصواريخ أن تدمر كل دفاعات النظام التي تحمي العاصمة كالدبابات والدروع والمدرعات. ولو لم تتوفر الحماية الأمريكية والروسية والإيرانية لدمشق، لكان النظام فعل المستحيل كي يتحصن داخل العاصمة، ويترك بقية المناطق تحترق وتنهار بشرياً واقتصادياً. لا يهم النظام من سوريا إلا دمشق تماماً كما اكتفى المستعصم ببغداد فقط مع فارق النتيجة طبعاً. ناهيك أن النظام يتفوق على غيره من الأنظمة المحاصرة بأن لها معاقل طائفية قوية أخرى في الساحل السوري.

طالما عواصمكم بخير فابشروا بطول السلامة أيها الطواغيت. وطالما أن معارضيكم مكتفون ببقية المناطق باستثناء العواصم، فهذا يعني أنهم ليسوا مهتمين بإسقاطكم، أو أنهم يتقاسمون معكم شرذمة البلاد وتشريد العباد.

 

التعليقات (15)

    أغبى ثوار

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    ما أغبى ثوار تشترط أمريكا عليهم قتال في جهة و عدم قتال في جهة أخرى و يوافقون أي غباء هذا ما الهدف من عدم قتال في أماكن محددة و إستراتجية كالعاصمة ألم يتساءل أحد

    ابو المجد ناصر

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    استاز فبصل لا أعتقد أن قضية الحسم مرتبطة بالعاصمة أو بأي محافظة أخرى فهناك من يجادل بالقول : معركة الساحل أولى ثم يورد أسبابه وهناك من سيقول لك بأن الثوار لو ركزوا على دمشق لاستنزفت قوى الثورة على أسوارها وسوف تدمر دمشق دون جدوى وينتقل الطاغية إلى عاصمة أخرى أعتقد أن الحديث عن الجغرافيا لا ينتهي لكن أولوية الحسم أن يكون التصنيف مرتكزا على نوعية القوى المعادية وحجم الأهداف فمثلا : قوة حزب الله تعتبر قوة مفتاحية وقيادية - وكذلك استهداف مراكز السيطرة مهم جدا بما فيها المطارات والقواعد .

    يحيى ابراهيم

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    عدم توحد الثوار اطال في عمر النظام وكذالك تحييد العاصمه من الهجمات

    أمراء الحرب والغنائم

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    نشكر الدكتور فيصل القاسم الصوت العربي الحر قناةالجزيرة العربية قناة الرأي والرأي الآخر على برنامج التجاه المعاكس اللذي يناقش قضايا الأمة العربية بدون الإنحياز لأي طرف وللأسئلة الجريئة المطروحة في هذه الحلقة

    ابو الحمزة

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    كلام جميل .... ولكن بالنسبة للحالة السورية بسقوط الساحل : يسقط النظام ويقطع عليه الطريق لانشاء الدولة العلوية في ان واحد ...

    محق

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    من العرب ادم وابراهيم والصحابةومحمد اما الباقي لورئاهم لتبرا منهم محمد لا الكلام ينفع ولا رسم فيه بشاعتهم تتجسد كالكلاب حثالة وامجاد الاجدادهم على السنتهم ترددمامن شعوب تشبههم حتا الكلاب ان راتهم تنبح تهددوقد وصف المتنبي الاعاجم وهو ينشدلايقبض الموت نفسا من نفوسهم اللا وبيده من نتنها عود )لكنه ماكان يعلم ان ما وصفهم هم من قومه ان ضعفو تطول السنتهم كالكلاب حين تنبح وان كانو الغالبين قتلو وسبو وغزوو شردو تشبيههم بالكلاب خطأ لكن بعض صفاته تصفهم اين انتم من الكرم واين من الحكة والعلم والخل

    منذ اليوم الاول للثورة لم يعرف السوريين ان سقوط نظام يحصل في مقره ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    أنت وأنا ومتابعي هذا الموقع إن لم أقل الجميع عرباً وغير عرب يعرفون يا د. إن هذا ليس هو سوى أبن جاسوس كان على دمشق والعرب وهوليس غير ذلك وإلا أستحلفك بالله أن تقول لنا من هو "جد" هذا " المعتوه الذي صارع تركياً ومن هو أبيه وأتحدى أحداً أن ينبئنا بأسمه ومن أين هو .... وحتى حينه ستعرف أن هذا المجرم العار على الانسانية وظفوه في سوريا لضحدها وهلاكها وأقول " هم " ... رووووووووس وأمرررررررررريكان وعرررررررب

    momo

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    puisque les EU ne laisse pas l'armée frapper la capitale ça dit bcp de chose,tout ce qui se passe est monté de ttes pièces

    sam kotrash

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    زبدة الكلام في نهاية المقال السلطة و المعارضة يتقاسمون شرذمة البلاد و تشريد العباد.

    محمد.زىتون

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    لافضه. فوك.

    أبو فداء الواو

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    الحقيقة المرة أن النظام يأخذ دمشق كرهينة ولن يتركها إلاوهي مدمرة والدمشقيون يعرفون هذه الحقيقة ولذلك حاولوا ويحاولوا إبعاد التدمير عن دمشق بمبادرات وتحركات منها على سبيل المثال ميطرحه الشيخ معاذ الخطيب ولكن نحن أمام حقيقة أخرى أن دمشق ليست أفضل من حمص أو حلب وإذا تطلب النصر التضحية ببعض بنيانها فيجب أن يتم

    مراقب حر

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    بات كل حر في هذا العالم يعلم أن كل العالم يتآمر على الشعب السوري و ليس على النظام كما كان يدعي الطاغية السفاح بشار. العالم الغربي و معه إيران و روسيا و الصين الجميع ليس من مصلحتهم أن يبتعد العلويون عن الحكم في سوريا لأن هؤلاء الملحدون المتجردون من كل شرف و أخلاق و ناموس هم الضمانة الوحيدة لمصالح هذه الدول في سوريا. هناك شيء آخر قد لا يعرفه البعض و هو أن أحزاباً يمينية متطرفة تأمل لو يتم القضاء على كل المسلمين في سوريا لتعود دولة للمسيحيين فقط كما كانت قبل الفتوحات الاسلامية.

    مراقب حر

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    بدأ الثوار حربهم ضد النظام بشكل صحيح و لكن بعد ذلك بدؤوا يهدرون طاقاتهم و يفقدون رجالهم لعدم التنظيم و معرفة الطريقة الصحيحة لإسقاط النظام. كما يقال " الكترة غلبت الشجاعة " و لا يمكن للثوار أن يغلبوا ميليشيات تفوقهم عددا و عدة خاصة و هي مدعومة من كل الدول الغربية المنافقة و روسيا و إيران و حزب إبليس. الحل الوحيد للتخلص من النظام هو متابعة تصفية رموزه كما بدؤوا من قبل في خلية الأزمة و تركيز جهود الثوار فقط على إغتيال هذه الرموز لأنه بسقوطها يسقد النظام.

    مجنون

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    اي نظام لا يسقط الا بسقوط العاصمه (القصر الجمهوري الاذاعه والتلفزيون مؤسسات الدوله ) وبما ان المساعدات مشروطه بعدم الاقتراب من هذه الامور فكيف يسقط النظام لا الوم سوى من قبل هذه المساعده المشروطه من بدايه الثوره ونحن نقول شو دخل درعا اوحمص او الساحل الافعى لا تموت اذا لم تقطع راسها ارواح من قتل بسوريا والام المعتقلين والجرحى والامهات والاباء ودمار سوريا في رقبتكم يا من تاخذون الاوامر من الخارج لم نطلب سوى قطع الطاقه عن دمشق بكل اشكالها ولكن هيهات يابو الزلف

    منون

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    بلا دمشق بلا بطيخ ما بتسوى دمعه ام على ابنها
15

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات