الثوار السوريون يتحرّون عن عمدة لندن

الثوار السوريون يتحرّون عن عمدة لندن
مهما قيل في النفي والنهي عن الربط بين المواقف المؤثرة على منطقتنا وثورتنا وبين وصول بعض السياسيين في الغرب إلى مناصب هامة عندهم هنا وهناك فإن السوريين لا يستجيبون للنفي والنهي ويبقى عندهم دافع الربط السريع ليتفاءلوا أو يتشاءموا أو يحذروا فهم يشعرون وحقَّ لهم أن يشعروا أن بلدهم قد أصبح محور الكون اليوم وقد يكون كذلك فعلا.

أما ما علاقة منصب عمدة لندن بقضيتهم في سورية؟

فسؤال له جواب غير النفي فالسوريون عموما يرون فنانين ولاعبين وسياسيين و شخصيات عامة مشهورة كثيرة عبر العالم... كلهم يدلي بدلوه بشكل أو بآخر في القضية السورية,  فيهتم ويؤوي ويتعاطف أو يَشمت ويَنهر ويَقهر.

أما الثوار السوريون فقد فقدوا الثقة في العالم كله دولاً وأفرادا وراحوا يُغلّبون الشك وسوء النية في الجميع وحقَّ لهم ذلك بعد أن تمسَّكوا وهم يواجهون التيارات الجارفة العاتية بما ظنّوها جذوع انقاذٍ ضخمة فإذا بها قشّاتٍ منقعرةٍ هشّة.

الثوار السوريون تساءلوا بينهم عن عمدة لندن "صادق خان" وسارع أغلبهم بالتصديق على أنه شيعي مدعوم من إيران لأن النائب الشيعي في مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي عبد الحميد دشتي وهو شديد الولاء لإيران كتب تغريدة عبر حسابه على تويتر يزفّ فيها نبأ فوز الرجل بمنصب العمودية في لندن، واصفًا الرجل بأنه "أول مسلم (شيعي) يفوز بهذا المنصب"!.

وذكر آخرون مثل هذا الكلام وكان أشهرهم الاستاذ في جامعة الملك سعود "د. عبدالله صالح الحصين" في تغريدة عبر حسابه بموقع تويتر جاء فيها: "صادق خان عمدة لندن، حقوقي بريطاني من أصل باكستاني، يوصف بأنه شيعي "ملتزم دينيا" ,وأضاف  الحصين أمرا مستهجنا مُنكرا آخر لدى المتلقين العرب والسوريين وهو تصويت صادق خان في عام 2013 لصالح مشروع زواج الشواذ.

وذُكر على الفور أمرا آخر ظاهرا وهو موقف خان من التدخل العسكري ضد بشار الأسد عام 2013 بعد مذبحة الكيمياوي فعُلم للجميع أنه صوّت في البرلمان البريطاني ضد التدخل في سورية عدة مرات.... فشكلت الأمور الثلاثة عند السوريين الثائرين انطباعا أوّليا كارها نافرا.

لكن الثوار في تحرِّيهم وتدارسهم ثم في تواصلهم عبر غرف شبكية عديدة وصلوا إلى معلومات أدق وتحليلات أعمق وأشمل قد يكون من ورائها إن استُثمرت إدراكات وفوائد للثورة السورية.

استمع الثوار لما كتبه الكاتب والأكاديمي السعودي "د. حمد الماجد"، الذي يوصف بأنه خبير بالجالية المسلمة في لندن، الذي أكد على "سنّية" صادق خان، معتبرًا ما أثير حول "مذهب" الرجل بأنه مجرد شائعات.

و تابع الماجد قائلاً: "كما كان السيد "صادق خان" نشطًا جدًا في خدمة الجالية الإسلامية من مواقعه السياسية، وأيضًا حيث كان عضوًا في المجلس الإسلامي البريطاني الذي تتواصل معه الحكومة البريطانية للتفاوض بشأن الأقلية المسلمة في بريطانيا". ولفت الماجد إلى أن صادق خان تعرض "لانتقادات شديدة من الجالية الإسلامية بسبب مواقفه المؤيدة لزواج الشاذين"، مشيرًا إلى أن مؤيديه دافعوا عنه بالقول بأن "هذا الموقف لا يمثل قناعة شخصية، وإنما موقف براغماتي فرضه انتماؤه لحزب العمال البريطاني الذي يناصر الأقليات؛ ومنها السود والمسلمين والشواذ وبقية الأقليات الدينية والعرقية".

و بمتابعة الصحف والمصادر والمواقع البريطانية، وجدنا تأكيدا في مقال نشر يوم 8-5 2016 في صحيفة "غت ريليجيون" وذكر المقال أن صادق خان مسلم سنّي من أصل باكستاني.

وفي نفس اليوم نشرت صحيفة "ديلي بيست" في مقال بعنوان "الحياة السرية لصادق خان" ذكر أنه سُنّي متدين يواظب على الصلاة ولفت المقال المطول إلى "سنّية" صادق أكقر من مرة في وصف تنافسه مع منافس له على منصب العمودية ضمن "الجالية" كان من الطائفة "الأحمدية القاديانية" التي تنسب نفسها للإسلام.

وبالعودة إلى أرشيف موقع صادق خان الالكتروني وجدنا في شهر أيلول سبتمبر الماضي في أول أيام عيد الأضحى خبرا يقول: "في صلاة عيد الأضحى يحتفل حزب العمال بعيد الأضحى ويصلي إمام من السنّة اسمه نديم صلاة العيد وخلفه يصلي صادق خان"، و كان هناك وصف مسهب لأعداد الذين حضروا واحتفلوا من المسلمين اللندنيين في أحد مقرات حزب العمال.

وكان لصادق خان موقف قديم عام 2004 في البرلمان البريطاني دافع فيه عن الشيخ القرضاوي ووصفه بانه ليس متطرفا وعارض منعه من دخول بريطانيا وهذا بلا شك لم يناسب الايرانيين وأتباعهم... بل ناسب غالبية المسلمين البريطانيين "السنة" الذين حرص خان على كسبهم.

وموقف خان كان ناقدا لاذعا تجاه عدم استقبال لندن إلا ل43 لاجئا سوريا فقط وقال عن ذلك أنه وصمة عار وسجل موقفا عاطفيا ملائما تماما للجمهور البريطاني المسلم.

و"صادق خان" لأنه افتخر علنا عدة مرات بكونه مسلما  اتُهم من قبل منافسه عن المحافظين المليونير "زاك غولد سميث".... اتهم خان بأنه يؤيد الإرهاب وأنه داعشي وكانت المفاجأة التي سجّلها الجمهور اللندني كبيرة إذ اعتبر الناس ركوب هذه الموجة من قبل مرشح المحافظين وتحريك "الاسلام فوبيا" أمرا مُقززا مُستهجنا, وشكّل في النهاية سببا هاما لهزيمة المحافظين في انتخابات لندن.

وُصف "صادق خان" "بالرجل الذي لا يخسر" و الحقيقة بشكل ولفظ أدق هي: "إنه رجل لا يخسر جمهوره"، سياسته وملخص طريقته وتوقع ما سيكون منه من مواقف وأفعال في المستقبل هو فقط :"التناغم مع الجمهور وما يطلبه الجمهور"

كان ضد شرطة "اسكوتلانديار" في أي ممارسة عنصرية أو مخالفة لحقوق الانسان لمّا طفت إلى السطح بضعة حوادث مدوّية، ومرة كان ضد وزارة الصحة البريطانية وتبنى دعوى قضائية ضد الوزارة بتهمة التمييز العنصري ضد طبيب هندي أثارت قضيته الصحافة البريطانية، ومرة رفع دعوى ضد جامعة أكسفورد لرفضها قبول طالب بريطاني مسلم واتهمها أن ذلك كان بدافع عنصري، وكان ضد الاتحاد الأوربي لمّا الجمهور في لندن مال باستطلاعات الرأي ضد سياسات الاتحاد الأوربي الاقتصادية.

وعن سياسة حزب العمال الذي يُعتبر "صادق خان" اليوم أحد أقطابه, فقد اكتسبت تأييدا متسارعا مدهشا عند اللندنيين حتى فيما يتعلق بسياسة انتقاد إسرائيل والسياسة المؤيدة لحملة مقاطعة بضائع المستوطنات الاسرائيلية و"صادق خان" تماشى  مع ذلك إلى حد كبير في البداية ثم بدل مؤخرا بطريقة براغماتية انعطافيه حادة ليخفف من حدة مواقف رئيس حزب العمال الجديد ضد السياسة الاسرائيلية.

خان عزف على كل ما تطلبه الأكثرية اللندنية الكادحة فتبنى حقوق الطلاب ودعا إلى تخفيض أجور الدراسة ووعد بمساكن شعبية ذات ايجارات مقبولة في لندن وأصرَّ على أربع سنوات على الأقل يمنع فيها أي زيادة في أجور النقل في لندن.

ولأن لندن من أكثر مدن العالم في تنوع الأعراق حيث تضم أكثر من خمسين عرقا وما يقارب ال 300 لغة، و المهاجرون البريطانيون المجنّسون من  غير الانكليز شكلوا اليوم بتراكم ثلاثة أجيال أكثرية في لندن ووصلت نسبتهم لأكثر من 55 بالمئة ويشكل المسلمون منهم 12بالمئة من سكان لندن.

و لاستحالة التجانس فقد وجب على صادق خان ليتناغم مع الجميع أن يمشي و يتماشى مع سياسات غير متجانسة بل ومتناقضة وصلت إلى حد الجمع بين الحرص على الصلاة في المسجد أمام العموم وبين تأييد قانون المثليين الشواذ في مجلس العموم.

والمجتمع اللندني ازداد في السنة الأخيرة و يزداد نفورا من العنصرية اليمينية الترامبية وتم جمع نصف مليون توقيع إلى البرلمان البريطاني لاستصدار قرار بمنع ترامب من دخول لندن لأن ترامب هدد بمنع المسلمين من دخول أميركا.

والأكثرية اللندنية تخلصت من المحافظين الذين كان يمثلهم العمدة السابق "بوريس جونسون" الذي كان يشابه ترامب في تسريحات شعره الهيبية وتصريحات لسانه العنصرية....واستغل صادق خان هذا المزاج العام اللندني واستثمره بفوز يعتبر ساحقا على مرشح المحافظين "زاك" فحصل على 44 بالمئة مقابل 35بالمئة لزاك....وبعد فوزه لم يتوقف خان عن الاستثمار الإعلامي فدعا ترامب لقضاء أسبوع في منزله بلندن هو وعائلته ليريه الإسلام على حقيقته.

"صادق خان" ليس إلا "باروميتر" لقياس الضغط اللندني و "ثرموميتر" لقياس حرارة مواقف اللندنيين فلا يتوقفن أحد طويلا عند صادق خان فينتظر منه مواقف إنسانية وتاريخية في التعامل مع المأساة الإنسانية الرهيبة في سوريا أو أن يأمل منه الوقوف مع الثورة السورية.

ليقرأ السوريون الثائرون الشعب اللندني من خلال تدريجات المقياس المصلحي البراغماتي "صادق خان" ويمكن اختصار تسمية الفائدة من خان وطريقته ب "خانوميتر لقياس ما يطلبه الجمهور اللندني" .

وما يمكن أن نقرأه ونستفيد منه هام وكثير في مزاج الشعب اللندني الذي يتضمن أمورا سامية مرتبطة بقيم ظاهرة بينة...قيم نبيلة ...قيم فيها الاهتمام بالإنسان وحرية الإنسان ,قيم فيها رفض للعنصرية والتمييز والاستعباد.

ولو اشتغل الثائرون السوريون الذين في بريطانيا والذين هم خارجها على الجمهور اللندني خاصة والبريطاني عموما بجهد أكبر وأغزر وبطريقة منظمة منسقة لكسبنا الرأي العام اللندني ثم البريطاني....ألا نستطيع جمع نصف مليون توقيع إلى البرلمان البريطاني لصالح قول بريطاني غير منافق و ثابت تجاه قضيتنا : "على بشار الأسد الرحيل"؟

التعليقات (5)

    ابو يقين

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    مقال جامع رائع عن صادق خان والدروس المستخلصة من فوزه.. يجب على الشباب السوري والعربي في لندن ان يعملوا موصى به المقال ...ان يكن لهم هدف حقيقي من حياتهم وتقديم حزء من وقتهم في سبيله ..ولا ينسوا ان هناك في سوريا من يقدم روحه لها

    free lebanese

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    صادق خان هو نمذوج الانسان المسلم السني المتحضر اللذي يحترم حقوق الاخرين والمدافع عن الانسان الصغير المظلوم و لكن باسلوب ذكي و حضاري، مستعيراً شعرة معاوية اللتي تجعله اقرب الى قلوب الناس.محاربة التطرف بلتطرف هي ليست بشيئاً رأس الحكمة.

    محمد نجار

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    كأنك تعيش في لندن أستاذ أسامة. مقال بشرح حقيقة الحالة التي نعيشها فعلا ويصف بدقة شخص العمدة الجديد و توجهات الجالية العربية والمسلمة في العاصمة البريطانية.

    سلام من اقسراي

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    من اجمل المقالات الاسقصائية ...اتمنى من اورينت دائما ان تفعل الصحافة الاستقصائية. .ونستخلص منها دروس نتفعنا في العمل الثوري

    kk

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    معظم الشيعة المتدينين وهم قلال جدا يصلون بمساجد السنة في الخارج لأنه لا يوجد مساجد للشيعة وذلك لأن حكومات بلادهم بالأصل لا تبني لهم أماكن تعبدهم فهذه الأموال أولى للجيوب
5

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات