ولكن تبقى الديمقراطية هي النقطة التي تفصل بين دولتين توسعيتين استيطانيتين مثل إسرائيل وإيران.. دولتين انتصر فيهما الجناح المتطرف التوسعي ونجح في توجيه دفة الدولة طوال عقود طويلة باتجاه اقتطاع وقضم أراضي الغير، لا بل والتأثير في باقي دول العالم عبر مبدأ حماية الأقليات الدينية المرتبطة بكلتي الدولتين ظلماً وبهتاناً...
البلدان خاضا، إلى ذلك، حروباً طويلة وظالمة من أجل هدف واحد: تأسيس دولة دينية.
في عام 1982 حدثت مجزرة صبرا وشاتيلا الرهيبة في مخيمي صبرا وشاتيلا المجاورين لمدينة بيروت، بتنفيذ من ميليشات لبنانية متطرفة مدعومة من حزب الكتائب اللبناني وبإشراف إسرائيلي مباشر من أرئيل شارون.. وما أن تسربت الأخبار إلى وسائل الإعلام العالمي حول حجم الجريمة المرتكبة ومدى بشاعتها في المخيمين، حتى انتشرت المظاهرات والتنديدات الدولية والعربية بالمجزرة ووجوب معاقبة مرتكبيها.. ولما كان العقال منفلتاً في لبنان بسبب الحرب الأهلية الطاحنة التي كانت تعصف به، محولة كل سياسييه إلى أمراء حرب وقادة لميليشيات عسكرية، كان الحساب لبنانياً مستحيلاً، أما المظاهرات العارمة التي انطلقت في تل أبيب وحيفا والقدس تطالب بمعرفة حجم المشاركة الإسرائيلية في الجريمة التي شكلت عاراً على الانسانية حينها، فقد أدت إلى ضغط شعبي كبير انعكس على الحكومة التي طلبت تشكيل لجنة خاصة لمعرفة ملابسات المجزرة، وبالفعل تشكلت لجنة قضائية مستقلة بقيادة القاضي إسحق كاهان، الذي سميت اللجنة على اسمه فيما بعد للبحث في القضية، وما هي إلا أشهر حتى ظهرت الوثيقة الخطيرة التي تثبت تورط أرئيل شارون وزير الدفاع أنذاك بشكل مباشر في دعم الميليشيات المسيحية المسلحة.. خلصت اللجنة إلى أنّ وزير الدِّفاع الإسرائيلي يتحمّل المسؤوليّة الكاملة عمّا ارتكتبته قوات الكتائب اللبنانيّة، ومن تحالف معها من القوات المسيحية من مجازر بحق الفلسطينيين، وأنّه كان على علم بتقارير مخابراتية إسرائيليّة حول ما يُبيّته المسيحيون للفلسطينيين في لبنان انتقامًا منهم لاغتيال بشير الجميل حسب اعتقادهم حينها ، ومن أحقاد قديمة مردّها معارضة الوجود الفلسطيني على أرض لبنان، الذي رأت فيه القوى المسيحيّة وطنًا قوميًّا لها فقط. ولذلك أوصت اللجنة بإقالة شارون، أو أن يُبادر رئيس الحكومة إلى إقالته من منصبه، لكن شارون أبى الاستقالة، وضرب بتوصيات اللجنة عُرضَ الحائط، فاضطرّ رئيس الحكومة إلى تنحيته من منصب وزير الدفاع، وجعله وزيرًا بلا حقيبة.
قررت اللجنة أيضاً تحميل وزير الخارجيّة آنذاك إسحق شامير المسؤولية عن المجزرة لوجود أدلّة قاطعة أنّه وصلته معلومات عمّا ترتكبه المليشيات المسيحيّة من مجازر بحقّ الفلسطينيين في المخيّمات، ولكنّه تجاهل هذه المعلومات ولم يعمل على إيقاف المذابح.
حصل هذا كله بسبب مجزرة واحدة، ولكن النظام الإيراني (النظير الاقليمي للصهيوينة)، ورغم مئات آلاف القتلى والصور والفيديوهات والتوابيت التي تصل إيران من جنود وضباط إيرانيين قتلوا في سوريا.. ومن مذابح تشرف بشكل مباشر عليها وزارة الدفاع الإيرانية تقوم بها ميلشيات موالية لطهران بشكل مباشر.. لم تحرك أي ردة فعل في الداخل الايراني، لا في الحكومة ولا في المعارضة.. ما خلف غضباً شعبياً عارماً يتقد بصمت في طهران، أو معارضة خارجية تصرخ دون جدوى في أروقة المنافي.
فهل من المعقول أن يكون الشعب الساكن في اسرائيل أكثر انسانية من الشعب الايراني المتجذر في المنطقة ، لا طبعاً ، انه الترياق الديمقراطي الذي يجعل الشعب الذي جمع من أصقاع الأرض دون وجود أي ناظم بينهم سوى الفكر الاستيطاني يرفض المجازر التي يقوم بها أي نظام بحق شعب من الشعوب ، لقد استقبل الشعب السوري على سبيل المثال ملايين اللبنانين في منازل السوريين ، ليس فقط كفعل انساني تجاه شعب يقتل ، ولكن كفعل مقاومة ورفض للإساءات التي قام بها النظام السوري في لبنان طوال 35 عاماً .
الفرق كل الفرق يكمن في بنية النظام الديكتاتوري الإيراني، الذي لا وجود لرأي مختلف فيه عن رأي الولي الفقيه، لا في الشارع ولا في البرلمان، فرؤوس المعارضة الإيرانية من قادة الثورة الخضراء التي اشتعلت في 2009.. لا يزالون في السجون، والشارع الإيراني مغيب تماماً تحت وطأة الشحن الطائفي والحديث الكاذب عن حماية المراقد.
لا يزال الجمهور الإيراني يشاهد المجزرة تلو المجزرة في سوريا والعراق دون أن يسأل سؤالاً بديهياً واحداً: من أجل من ولمصلحة من يقتل كل هؤلاء الأبرياء؟ هل هكذا تبنى الأمم، وتمد الجسور بين الشعوب، بالدم والنار؟؟.وماهو مصير المستقبل بين الشعوب المتجاورة التي أصبحت حدود الدم هي الفاصل بينها وليست خرائط سايكس بيكو .
التعليقات (4)