كان السؤال البديهي ما هو الجديد في المضمون الذي يحمله ( تجمع مصير ) بالنسبة للسوريين والفلسطينيين ؟ لا يُخفي السؤال بأي حال شكوكاً مشروعة حول مآلات التجارب التي تكاثرت على ضفاف الثورة السورية، على اختلاف مسمياتها الحزبية والسياسية والمدنية، ليس فقط بسبب انخفاض سقف التوقعات في معرض تقييم حصيلة تلك التجارب، بل أن التحدي الأكبر كان في الإجابة العملية، التي سيتصدى لها التجمع الجديد لتحقيق أهدافه بعد إشهاره. من هنا يَصعُب الرهان على بداية تفتح على طريق محفوف بالصعوبات الكبيرة، لكن فكرة التجمع وهي تستوحي من الحقائق التاريخية الراسخة التي جمعت الفلسطينيين بإخوتهم السوريين، مشروعيتها الأكثر وضوحاً في محطات الثورة السورية، تنطلق من الدفاع عن المشروع التحرري للثورة السورية، في خضم محاولات تشويه مضامينه الوطنية والأخلاقية النبيلة، وفي ظل محاولات موازية لفصل الترابط الجدلي بين كفاح الشعبين الفلسطيني والسوري في مواجهة كل أشكال الطغيان.
الجديد ليس في دقة التوصيف النظري لتلك الضرورات التاريخية، وإنما في مأسسة حراك شعبي ومدني يرتقي إلى بلورتها في مهام عملية يومية، وفي جمع شتات المبادرات الفردية في سياق توحيد الجهود نحو هدف اسقاط نظام بشار الأسد، وقبل ذلك تحرير العمل الجماعي من عبء الايديولوجيا، التي أعاقت - ولاتزال- الوصول إلى ذلك الهدف الأكبر. لزوماً عليه عكست الورقة التأسيسية للتجمع، حرصاً على تصليب المشتركات والأولويات بين أعضائه المؤمنين بأهداف الثورة السورية، دون المواربة في انحياز التجمع الواضح لدولة الحرية والمواطنة المتحررة من كل أشكال الاستبداد السلطوي والفكري. أما الأبعاد السياسية التي تناولتها ورقة (مصير) فيما يتعلق بفضح سياسات المتاجرة بالقضية الفلسطينية من قبل النظام الأسدي وحليفه الإيراني، فقد جاءت لتكريس موقف التجمع في تعيين الحد الفاصل والحاسم، بين المتواطئين من الفصائل الفلسطينية مع قتلة الشعبين الفلسطيني والسوري، والموقف الأخلاقي للشعب الفلسطيني الرافض استخدام قضيته العادلة غطاءً للتنكيل بالشعب السوري. كيما يتجسد هذا الموقف الأخلاقي في دائرة الفعل الملموس، يقف الفلسطينيون في (مصير) يداً بيد مع السوريين، لاستكمال مأسسة انخراطهم في حراك الثورة السورية منذ يومها الأول، وتصعيد وتائره في مختلف الميادين السياسية والثقافية والمدنية، وإزالة أي التباس بين قلة مأجورة من فصائل ومثقفي العار المنحازين لنظام الإجرام، والأكثرية الفلسطينية الحرة التي تقف مع ثورة الشعب السوري وتشاطره الألم والأمل.
لطالما أمعنَ نظام الأسد في قتل وتهجير فلسطينيي سورية وتدمير مخيماتهم، وكانت أبواقه السافرة تغطي على جرائمه تلك من خلال قولها : أنه النظام الذي منح الفلسطينيون في سورية حقوقاً لم ينالوها في أي بلد لجأوا إليه، في حين كان قيام عصابات النظام بحصار وتجويع الفلسطينيين في مخيم اليرموك حتى الموت، وزج شباب المخيمات الفلسطينية في غياهب السجون والزنازين وقتلهم بعد تعذيبهم بدم بارد، الصورة الدموية الماثلة، التي يريدون لها أن تتوارى خلف رواية الحقوق المهدورة على يد نظامهم اللعين. لم يغب عن المؤتمر التأسيسي ل(مصير) أن يخاطب الضامن الوحيد لحقوق الفلسطينيين في سورية المستقبل، وهو الشعب السوري الذي ارتفعت اصوات ممثلي كياناته الثورية مطالبةً بمنح الفلسطينيين كامل حقوق المواطنة، مع احتفاظهم بحق العودة إلى ديارهم الأصلية في فلسطين، في تبني واضح ومُعلن لرؤية التجمع بخصوص هذه القضية المصيرية، التي أصبح من الضرورة بمكان تجريد النظام وأبواقه من التلاعب بها، وتضليل الرأي العام من خلالها.
ثمة أهداف ومهام أخرى كان لابد من استحضارها في مؤتمر ( مصير) كي يؤكد مصداقية رسالته ومبادئه الأساسية، من أهمها رؤية التجمع لدوره المأمول في عملية التغيير في الواقع العربي، التي أطلقتها انتفاضات وثورات الربيع العربي، لاسيما أن واقع الثورة السورية اليتيمة وضراوة الثورات المضادة، يستوجب العمل على تحشيد الأصوات العربية الحرة المناصرة للثورة السورية، وهي من المهام التي كثيراً ما تم القفز عنها في رؤية مؤسسات الثورة السورية وبرامجها العملية، ولذلك كان دعوة العديد من الشخصيات العربية لحضور المؤتمر، والاستماع إلى مواقفها من التحديات التي تواجه الثورة السورية والأوضاع السياسية في البلاد العربية، رسالة لكل دعاة التغيير في المنطقة، كي يصطفوا معاً في جبهة الدفاع عن حقوق شعوبنا التواقة للحرية، وتأكيد الترابط العضوي في مسيرة التغيير والتحرر من مختلف أشكال الاستبداد والاحتلال والظلم.
كانت أول خطوات (مصير) هي انجاز مؤتمره التأسيسي، توطئةً لاستكمال مراحل بناء هيكله التنظيمي المستقل، وتضمنت اللائحة الداخلية المؤقتة الخطوات اللاحقة التي يجب القيام بها، وبالأخص عقد مؤتمرات تنسيقيات فروع (مصير) في الداخل السوري، وساحات أوروبا، وفي مختلف أماكن تواجد اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، وصولاً إلى عقد مؤتمره العام الأول بعد انجاز تلك المؤتمرات، التي ستمهد لها شبكة تواصل وتنسيق مع كافة النشطاء والراغبين بالانضمام للتجمع. يبقى التحدي الأكبر في قدرة (مصير) على تعزيز ثقة الناس بدوره ومواقفه ومدى استجابته الحية للأهداف التي يسعى لتحقيقها في أحيزة الواقع، وقدرته الفعلية على ترجمة هويته الشعبية المستقلة، بسلوك وممارسة تؤكد تلك الاستقلالية في هيكليته الداخلية ومصادره المالية وتوجهاته الوطنية والسياسية.
أخيراً: إن ما صنعه التاريخ المشترك ومحطات كفاحه الطويلة بين شركاء المصير الواحد، يوجب على الفلسطينيين والسوريين وكل الأحرار، أن يكونوا أوفياء لمن ضحوا بدمائهم وأرواحهم، كي يكون فجرنا القادم هو مصيرنا الذي نتقاسمه معاً في رحاب أوطاننا الحرة.
التعليقات (4)