هل تتغير تركيا بين الأمس واليوم

هل تتغير تركيا بين الأمس واليوم
توجهات السياسة التركية والرئاسة الجديدة لحزب العدالة والتنمية

تقف تركيا هذه الأيام أمام مشهد أقل ما يقال فيه أن ما قبله ليس كما بعده، لأن إقرار التعديل الدستوري برفع الحصانة البرلمانية عن 138 نائباً تركياً بسبب ما لديهم من مذكرات حقوقية لدى القضاء التركي بتاريخ 20/5/2016، يعني أن من اختارهم الشعب التركي ليمثلوه في السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية بحكم النظام البرلماني التركي سوف يمثلون للتحقيق لدى الأجهزة الأمنية والقضائية في تركيا، وهذا مبعث خوف البعض من ان يكون التعديل الدستوري أداة سياسية وأمنية وقضائية أيضاً بيد الحزب الحاكم حزب العدالة والتنمية، الذي لا يزال تحت زعامة معنوية آسرة للرئيس المؤسس ورئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان.

 ولعل ما يزيد هذه المخاوف هو التعديل في زعامة حزب العدالة والتنمية باستقالة الرئيس الأكاديمي البروفسور أحمد داود اغلو، وانتخاب السيد بن علي يلدرم رئيسا للحزب يوم 22/5/2016، وما يصاحب ذلك من شائعات أو تكهنات أو مؤشرات بأن يلدرم الذي انتخب رئيساً لحزب العدالة والتنمية وهو شخصية مقربة جداً من الرئيس أردوغان، وبالأخص ان الرئيس أردوغان قام بتكليفه لتشكيل الحكومة الجديدة.

هذه التغيرات يقابلها البعض بشيء من المخاوف والقلق وبالأخص بعض أحزاب المعارضة التركية الداخلية، وكذلك بعض التيارات المعادية لحزب العدالة والتنمية وتوجهاته السياسية في دول الاتحاد الأوروبي، وربما في بعض الدول العربية أيضاً، التي تتبنى توجهات إعلامية وعدائية ضد تركيا عموما وضد رئيس الجمهورية أردوغان، وضد حزب العدالة والتنمية وحكوماته بغض النطر عمن هو رئيسها، فالذين يترحمون اليوم على رئيس الوزراء السابق ويصفونه بالاعتدال هعم صادقون، ولكنهم كانوا بالأمس يهاجمونه ويهاجمون سياسته الخارجية في كل القضايا العربية والاقليمية والدولية، أي ان من كانوا بالأمس يهاجمون حكومة أغلو أصبحوا اليوم يتندرون عليها، ويعلنون شكوكهم من حكومة بن علي يلدرم التركية الجديدة.

ويركزون على أنها ستكون بيد أردوغان بالكامل، متجاهلين أن أردوغان الذي يتحدثون عنه هو رئيس الجمهورية التركية، وليس رئيس حزب، وبيده صلاحيات رئاسة السلطة التنفيذة بحسب الدستور التركي الحالي، الذي وضعه الانقلاب العسكري عام 1982، كما يتجاهلون أن رئيس الجمهورية أردوغان، ومن قبله من رؤساء الجمهورية التركية طالبوا بتعديل الدستور التركي ليتم رفع التناقض بين صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في النظام البرلماني، وأن هذه التناقضات قد تفاقمت بعد استفتاء التعديل الدستور لانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب عام 2007، وانتخاب رئيس الجمهورية بشكل مباشر من الشعب التركي عام 2014، حيث تم انتخاب الرئيس أردوغان على أساسه بتاريخ 10/8/2014.

فمنذ ذلك التاريخ أصبح الرئيس أردوغان هو الرئيس التركي الأول المنتخب من الشعب، وهذا ما فرض عليه مسؤولية أكثر ممن سبقه رؤساء الجمهورية التركية، وذلك بتحمل مسؤولياته الدستورية والقانونية كاملة، والالتزام بكافة صلاحياته الرئاسية دون نقص، مما جعل النظام السياسي التركي يتحول تلقائيا إلى نظام شبه رئاسي، وأدى في بعض الأحيان إلى إحداث شبه أزمة في منصب الرئاستين التنفيذيتين، وقد بدأ رئيس الوزراء التركي السابق داود اغلو بمشروع التعديل الدستوري للنظام الرئاسي، ولكنه لم ينجح في جعل أحزاب المعارضة التركية تشارك في اللجنة البرلمانية لتعديل الدستور الرئاسي.

 وإن كان داود اغلو لا يتحمل رفض مشاركتها أولاً، وسبب رفض مشاركتها ليس معارضة تعديل النظام االرئاسي بقدر ما هو رفض أن يتم ذلك على يد حزب العدالة والتنمية ثانياً، وبسبب وجود الرئيس أردوغان شخصيا في رئاسة الجمهورية ثالثاً، وليس لأسباب سياسية وقانونية فقط، أي بقدر ما هو مناكفة حزبية بين حزب حاكم لأربعة عشر عاماً بدعم شعبي كبير، ومعارضة أحزاب سياسية آخذة بالضعف والتآكل والتشتت والانهيار، أي أن الإشكالية التي تواجهها الحكومة والبرلمان التركي لتعديل الدستور ليست وطنية محضة، وإنما هي محاولة إثبات وجود ولو بالصورة الإعلامية، وإلا لما اضطروا للسماح بالتعديل الدستوري برفع الحصانة البرلمانية عن النواب المطالبين للتحقيق بالنجاح، حيث لم يكن الحزب الحاكم حزب العدالة والتنمية قادرا وحده على تعديل الدستور.

ما يؤكد ذلك أن رئيس الوزراء السابق داود اغلو قال في كلمة الوداع أمام المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية:" نتخلى عن مواقعنا ولكن لا نتخلى عن فكرتنا ومبادئنا"، وقال:" العدالة والتنمية ليس حزب أشخاص بل حزب مبادئ لا يتخلى عنها"، وهو أي رئيس الحزب السابق من يبرر الخطوة التي أقدم عليه الحزب بتغيير رئاسته بنفسه، فقال للجميع:" أشعر بانزعاجكم من الحاجة الى عقد مثل هذا المؤتمر بعد أشهر قليلة من فوز انتخابي كبير، لكن ثقوا أن الحاجة استدعت ذلك لمصلحة الحزب"، فالحاجة التي اقتنع بها داود اغلو قبل غيره هي التي استدعت أن يحصل التغيير في رئاسة الحزب ورئاسة الحكومة، وأكد انه يبارك لمرشح رئاسة الحزب بن علي يلدريم ويتمنى له كل التوفيق.

أما كلمة رئيس الحزب الجديد فقال في كلمته أمام المؤتمر الاستثنائي لمؤتمر حزب العدالة والتنمية:" نقول للرئيس أردوغان دعوتكم دعوتنا وطريقكم هو طريقنا"، وبهذه الجملة اختصر يلدرم كل الكلام، فكل مواطن تركي أصبح يدرك أن دعوة أردوغان في نهضة تركيا وتقدمها هي دعوته، وان طريق حزب العدالة والتنمية في الدفاع عن تركيا ضد أعداء الداخل والخارج هي طريق كل مواطن تركي شريف، سواء كان من أعضاء حزب العدالة والتنمية أو كان من خارجه، لأن من يجمع الأتراك حماية الأمة التركية، والوطن التركي، وان لا علم يرفع في تركيا إلا العلم التركي، وان لا أسم لهذا الوطن إلا اسم الجمهورية التركية بوحدة أراضيها، وبهويتها التاريخية والحضارية والمعاصرة، أما الرئيس أردوغان فهو في نظر رئيس الحكومة الجديدة يلدرم وكل مواطن تركي أيضاً، هو :"معمار تركيا الحديثة"، ليس وحده وإنما كل الذين عملوا معه بما فيهم رئيس الوزراء البروفيسور داوود أوغلو وعبدالله جول وغيرهما.

ولعل من بين الأسباب التي أدت إلى تغيير الحكومة هو الجانب الأمني، حيث كان السيد داود اغلو لا يزال يؤمن بإمكانية التوصل إلى حل سلمي داخلي، حتى بعد ان أعلن حزب العمال الكردستاني انسحابه منها في شهر تموز 2015، بعد الوهم الذي ركب قادة حزب العمال الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي بأنهم أصبحوا قوة فاعلة ومؤثرة في الامساك بالحياة السياسية في تركيا، وكان ذلك وهم كبير لأن نجاح حزب الشعوب الديمقراطي بتجاوزر الحاجز الانتخابي وفوزه بثمانين نائباً في البرلمان التركي كان بموافقة حزب العدالة والتنمية وبعض الخدع الداخلية والخارجية، بدليل أن حزب العدالة والتنمية لما لم يجد جدوى ايجابية لهذا الفوز أعاد الانتخابات البرلمانية بعد خمسة أشهر في الأول من نوفمبر 2015، حيث نجح حزب العدالة والتنمية من كسب جولة الانتخابات بنسبة 49.5% وتشكيل الحكومة منفرداً، ولم يضطر إلى حكومة ائتلافية ضعيفة ومترددة وانتهازية.

ولكن الإشكالية لم تكن في نسبة الأصوات التي يحصل عليها حزب الشعوب الديمقراطي لمواصلة مسيرة السلام الداخلي، وإنما انحرافه منها والتخلي عنها، بمواصلة حزب العمال الكردستاني عملياته الارهابية داخل المدن والقرى التركية، وقتله للمئات من المواطنين الأتراك العسكريين والمدنيين، دون أن يحقق للأكراد داخل تركيا شيئاً، وإنما لكونه مجرد أداة رخيصة بيد المشاريع الإقليمية والدولية المعادية للسياسة التركية، وبالأخص القيادة الإيرانية الطائفية، التي ضربت استقرار المنطقة أكثر مما ضربه الكيان الصهيوني الإسرائيلي، واكثر مما ضربه كل التنظيمات الارهابية بما فيها تنظيم الدولة داعش وغيرها، وقد زاد الطين بلة إن القيادة الروسية المأزومة تحالفت مع الإيرانيين لاستخدام ورقة الأحزاب الكردية الارهابية لضرب الاستقرار التركي، وذلك بسبب فشل المشروع الروسي في سوريا والمنطقة، وهم يظنون أي الروس والإيرانيين أن سبب فشلهم هو الدعم التركي للمعارضة السورية، متجاهلين أن هناك شعبا اسمه الشعب السوري، هو من يدافع عن وطنه وأرضه، وسوف ينتصر على المحتلين الأجانب الإيرانيين والروس وتوابعهم الطائفية مهما طال الزمن، ولذلك جاء وعد رئيس الوزراء الجديد أمام حزبه بأن العمليات ضد الإرهاب ستتواصل بقوة حتى إعادة الهدوء والاستقرار لجميع مناطق تركيا.

لقد حسم الأتراك قرارهم في مسألة رفع الحصانة عن النواب، وأخذوا قرارهم بتغيير النظام السياسي البرلماني إلى نظام رئاسي، بمجرد انتخابهم للرئيس أردوغان عن طريق الانتخاب المباشر، وواقع النظام السياسي الحالي هو نظام رئاسي، ويحتاج إلى تعديلات دستورية لإنهاء التعارض بالصلاحيات بين الرئاستين التنفيذيتين، ووضع قوانين محاسبة رئيس الجمهورية، فالدستور الحالي لا يحتوي على كيفية محاسبة رئيس الجمهورية، لأن الجنرال كنعان إفرين لم يضع فيه ما يجعل أحداً في تركيا يحاسبه على حكمه، ومن واجب أحزاب المعارضة قبل حزب العدالة والتنمية أن تطالب بتعديل الدستور أكثر من حزب العدالة والتنمية، فلا ينبغي أن يترك رئيس الجمهورية دون قانون يحاسبه على مسؤولياته، ولكن من لا يقرأ الدستور من المعارضة التركية والأصوات المدافعة عن الحريات الآتية من أوروبا لا يسعون لمعرفة ذلك، أو يتجاهلونه لأهدافهم الخاصة، واستطلاعات الرأي المحايدة في تركيا تقول بان الشعب التركي يؤيد النظام الرئاسي، وسوف يصوت له عند الاستفتاء على ذلك، ولذلك جاء وعد بن علي يلدرم في خطابه الأول أمام المؤتمر الاستثنائي لحزب العدالة والتنمية بالعمل على كتابة دستور جديد للبلاد يتضمن تحويل نظام الحكم إلى رئاسي".

التعليقات (3)

    حسان

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    ونحن من جهتنا(السوريين) نتمنى لتركيا كل خير فقد وجدنا فيها ومعها اكثر بكثير مما وجدناه عند اخوتنا العرب ونعلم ان النهضة التركية ستعود بالخير على جميع المنطقة ان شاء الله

    adnan196246

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    واي انتصار لروسيا وايران والعالم باجمعه الذي توحد ضد الشعب السوري في سورياكيف انتصرو. في قصف المشافي والمدارس والمساجد والاسواق الشعبيةومنازل المدنيين وعلى راس كل هذا ممنوع يتسلح الجيش الحر الا بموافقة روسية واميركية واسرائيلية يعني هم يملكون افضل واحدث سلاح وانت ممنوع تمتلك مضاد للطائرات انتصروا بحصارهم لمدن بأكملها بما فيها أناشد جمعيات حقوق الحيوان . هل ترضون حياة المواطن السوري للحيوان يا....الأمم المتحدة ترفض القاء مظلات الإغاثة للسوريين المحاصرين ولكن يوافقون على قصفهم وحصارهم قتلهم

    Snap

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    اردوغان خيب امل الجميع ولاسيما مواطنيه الاتراك وفشل في العاد الشكوك فيم يفعله بانه مجرد سعي لتحقيق منافع ومصالح شخصية
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات