للقتلة.. تغطية لا منصة

للقتلة.. تغطية لا منصة
المشاعر المحتقنة في لبنان عبرت عن نفسها بأسوأ حال عبر الجريمة المروعة التي أودت في شرق البلاد بالشاب حسين الحجيري، فهذا الشاب الذي لم يكمل عامه الواحد والعشرين قتله معروف حمية وهو والد الجندي الضحية محمد حمية الذي سبق وأعدمته جبهة النصرة قبل نحو عامين.

نحن هنا حيال جريمة ثأر بعد أن قرر الوالد وعشيرته الانتقام لقتل ابنهم فخطفوا وأعدموا شخصاً تهمته الوحيدة صلة القرابة مع من يعتقد الأب أنهم خلف إعدام ابنه، خطف حسين الحجيري وأُعدم بالرصاص ورميت جثته على قبر الجندي حمية، إلى هنا قد نكون حيال جريمة كجرائم كثيرة قد تكون أقل أو أكثر ترويعاً، لكن المفارقة في جريمة قتل حسين الحجيري هي مشهدية الثأر والاحتفاء الإعلامي اللا مسؤول بها بعد انتشار صور الضحية مرمياً على القبر وتشريع الهواء للقاتل والمحتفين بالقتل ليفرغوا كل احتقانهم.

تابعنا بالصوت والصورة كيف تحول معروف حمية من أب مكلوم جريح إلى قاتل يهدد بموت المزيد انتقاماً لابنه، بل إن الرجل بدا شاعراً  بنفسه متمكناً من كل شيئ من خلال قراره الاقتصاص ممن يعتقد أنهم وراء قتل ابنه وفي الوقت نفسه دعوته للدولة اللبنانية للقبض عليه إن شاءت. 

هل من قصة صحافية تنافس مثل هذه القصة!

النتيجة طبعاً تهافت على لقاء الأب القاتل وتصويره ينفث دخان سيجارته ويطلق العنان لمشاعره المحبطة لقتل ابنه والمرتاحة والمفاخرة بقتل شاب لا علاقة له متحدياً الدولة أن تعتقله، وكم يبدو هذا التحدي إمعاناً في الطعن في جثة فنحن حيال بقايا دولة فيسهل حينها المجاهرة بالجريمة دون الخوف من الملاحقة، إنها عناصر جاذبة لأي وسيلة إعلامية لكن هل مهمة الإعلام نقل هذه التراجيديا على عواهنها.

هناك بون شاسع بين إعطاء القتلة والمرتكبين مساحة من التغطية الصحافية التي توصل الحكاية وتفهمها للرأي العام وبين منحهم منبراً مفتوحاً مباشرة على الهواء لا ضابط فيه للاستفاضة في المشاعر المحتقنة وختم المقابلة بـ"شكراً شكراً" وكأن كل شيئ قيل هو في سياق عادي كما لو قابلنا خبيراً اقتصادياً مثلاً. 

لقد بات هذا الحال من الشكوى مملاً ونحن نكرره ونجتره كل يوم، فكما تتلاشى الدولة وتضمحل في لبنان هاهو الإعلام يتكرس إعلاماً لا يتورع عن ابتذال كل شيئ وإعطاء منابر عشوائية لا جدوى منها سوى تغذية الاحتقان مرة بفعل قلة المعرفة والخبرة وتارة بفعل الانتشاء بالنفس وبالشهرة السلبية التي يلهث البعض ورائها.

ثمة خطورة في تبريرات من يدافع عن هواء مشرع على شاكلة ماشهدنا ونشهد كل حين، نعم نحن في لبنان لم نعد دولة منذ زمن ولايقدم أغلبنا مشهداً مقنعاً ولا مقبولاً، لنعترف ونكف عن الصراخ مفجوعين غاضبين نلقي بكلمات صارخة في فايسبوك وتويتر، وليكف أيضاً منظرو الإعلام الجدد عن تلقيننا دروساً بشأن الحرية الصحافية والمعرفية، صحيح أن هناك قيمة ديمقراطية في النشر لكن التغطية السليمة هي تلك التي لا تنشر فقط بل تضع التغطية ضمن سياقها المحدد.

وإن بقي هوائنا مشرعاً لمنتهك وقاتل ومتحرش فلن نستغرب أن يخرج علينا بعد فترة قاتل جديد يطالب بحصته من دقائق الشهرة على الهواء.

التعليقات (1)

    هادي عمر

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    صدقت اخت ديانا ولكن سأزيدك من الشعر بيتاً بما انً القتيل من اهل السنة فلا مشكلة (عادي) ولكن ابشًرك بأن الامر لن يطول ان شاء الله فقد شارف الذل على الجلاء وسيعلم الذين ظلموا ايً منقلب ينقلبون
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات