هل هناك معارضة علويّة حقيقيّة لنظام الأسد

هل هناك معارضة علويّة حقيقيّة لنظام الأسد
برزت خلال الفترة الأخيرة تساؤلات مشروعة حول حقيقة وجود معارضة علويّة لنظام الأسد، و هل يريد الكثير من المثقّفين و السياسيّين العلويّين المحسوبين على المعارضة أن ينتهي حقّا نظام الأسد؟

كان سبب هذه التساؤلات هو أنّ الكثير من هؤلاء المعارضين و أغلبهم من السجناء السياسيّين السابقين في سوريا "الأسد" قد اقتصرت مواقفهم السياسيّة خلال السنوات الأخيرة على الهجوم على تشكيلات الثورة السوريّة المدنيّة و العسكريّة و على الدول الإقليميّة الّتي تقول أنّها مع الثورة مثل السعوديّة و تركيّا و غيرها، بينما يتم التعرّض للأسد و جرائمه بخجل و كمقدّمة فقط للهجوم على خصمهم الحقيقي و هو المعارضة السوريّة المعترف بها دوليّاً.

خلال العقود الماضية تعرّض موقف العلويّين من نظام الأسد لتبدّلات كبيرة ففي بداية السبعينات كان المزاج الشعبي في المناطق العلويّة معارض إجمالاً لحافظ أسد خصوصاً من قبل عائلات القرداحة العريقة مثل اسماعيل و الخيّر و غيرها و الّذين كانوا يصرّحون أنّ : "حثالاتنا يريدون أن يحكموننا" و قد تعرّضت هذه العائلات لإذلال مقصود من آل الأسد لسنوات طويلة بعد ذلك، كمّا سجن الكثير من أبنائها و قتل بعضهم مثل الشاعر حسن الخيّر، و لم يكن موقف العائلات العلويّة العريقة في المناطق الأخرى بكامل جبال العلويّين مختلفاً عن موقف عائلات القرداحة، كما كان أغلب العلويين يميلون لزعامات أخرى مثل صلاح جديد و محمّد عمران و غيرهم و الّذين قتلهم حافظ أسد، في هذه الفترة كان من الممكن اعتبار العلويين بالإجمال معارضين لحكم الأسد.

في نهاية السبعينات و بداية الثمانينات و مع التهديد الّذي تعرّضت له سلطة الأسد نتيجة الاحتجاجات الشعبيّة و ما رافقها من شحن طائفي على خلفيّة مجموعة من الحوادث الّتي رافقتها، و ربّما يكون بعضها من عمل أجهزة مخابرات الأسد (كما قيل وقتها بخصوص اغتيال بعض الشخصيّات العلويّة)، و لكن و في كلّ الأحوال فقد نجح حافظ أسد بعد هذه الأحداث في ضم أغلبيّة العلويين إلى صفّه، و كانت واحدة من أهمّ وسائله هي توريط نسبة متزايدة من العلويين في مجازر كبرى بحقّ محيطهم ليضمن بقاءهم إلى جانبه مهما حدث، مثل مجزرة مدينة حماة في شباط 1982.

في عام 1984 انضمّ إلى المعارضة العلويّة ضدّ حكم حافظ أسد طرف غير متوقّع و هو رفعت شقيق حافظ الأصغر و الّذي بدأ مع مجموعة من أتباعه و ضبّاطه الترويج لنفسه باعتباره البديل "الديمقراطي" لحكم حافظ أسد مع أنّ رفعت كان خلال السنوات السابقة نموذجا أكثر إجراماً و فساداً من أخيه، و يعتبر مسؤولاً بشكل شخصي عن بعض الجرائم كمجزرة تدمر و غيرها كما كانت سرايا الدفاع بمثابة دولة ضمن الدولة لها أمنها و سجونها الّتي نافست بإجرامها مثيلاتها عند شقيقه حافظ. مع ذلك كان هناك العشرات من العلويّين الّذين يشعرون بالولاء لرفعت في سوريا و في جبل محسن في شمال لبنان، و لكن ما لبث أن انسحب هؤلاء واحداً تلو الآخر حتّى تحوّلت معارضة رفعت لشقيقه حافظ، بعد سنوات، إلى مجرّد مزحة لا يقبلها أحد .

خلال التسعينات و بعد مقتل باسل الأسد بحادث السيّارة بدأت تظهر عند أغلبيّة العلويين مخاوف من المستقبل و خصوصاً مع صحّة حافظ أسد المتدهورة و الّتي لم يكن بالإمكان إخفاءها، و نتيجة هذه المخاوف أصبح من الصعوبة أن لا تجد في صدر بيوت أغلبيّة العلويّين صور لحافظ الأسد حتّى وصل الموضوع عند بعضهم إلى ما يشبه التقديس،  و هذه العوامل هي الّتي مهّدت لادّعاء الأغلبيّة المطلقة من العلويّين أنّهم مؤمنين و مقتنعين بعمليّة التوريث و بكفاءة بشّار الأسد رغم ملامحه الّتي تشير بوضوح لعكس ذلك.

منذ تلك الأيّام و ما تلاها ساد شعور بعدم الاستقرار و غياب الأمان عند أغلب العلويّين ممّا دفعهم للالتفاف حول بشّار الأسد، فبعد عمليّة التوريث الغير مألوفة عام 2000 حدث الغزو الأمريكي للعراق 2003 و تهديده المباشر لديكتاتوريّة الأسد، و اغتيال الرئيس الحريري عام 2005 و إتّهام بشّار الأسد شخصيّاً باغتياله و التظاهرات الّتي عمّت لبنان ضد "الاحتلال السوري" و الّتي انتهت بانسحاب مهين حمل مؤشّراً على ضعف سلطة نظام الأسد حتّى في سوريا نفسها، خلال هذه الفترة كلّها و حتّى انطلاق الثورة السوريّة كان أغلبيّة العلويّين قد حسموا أمرهم بالوقوف خلف نظام الأسد.

في حين انقسم الأفراد المحدودين المعارضين من الطائفة العلويّة إلى مجموعات، فمنهم من اختار الوقوف مع النظام بشكل كامل و واضح و وظّف سنوات اعتقاله السابقة لخدمة النظام من خلال لعبه دور المعارضة "الوطنيّة" الّتي ليس لديها من هدف سوى المحافظة على نظام الأسد و جيشه "الوطني"، و قد تغلّب عند هؤلاء الولاء الطائفي على كلّ الاعتبارات الأخلاقيّة و الإنسانيّة و أعطوا لأنفسهم مهمّة وحيدة و هي محاولة تبييض صفحة نظام الأسد على قدر استطاعتهم و تشويه صورة الثورة، من هؤلاء فاتح جاموس على المستوى السياسي و أدونيس على المستوى الثقافي.

المجموعة الثانية ادّعت أنّها مازالت في المعارضة و تطمح لتغيير النظام لكنّها ترفض أي طريقة واقعيّة قد تقود لهذا التغيير، و أخذت بوضع الكثير من المحاذير و الشروط الّتي تجعل تغيير نظام من نوع نظام الأسد مستحيلاً، فهم أكثر من يعلم مثلاً أنّ السلميّة مع عائلة الأسد و كيم جون أون في كوريا الشمايّة لا تعني سوى الانتحار، و لكنهم يصرّون عليها !، كما أنّهم يرفضون التدخّل الخارجي إلّا إذا كان لدعم نظام الأسد تجد أمثال هؤلاء في هيئة التنسيق كلؤي حسين، و لدى جمهور الثورة السوريّة شكوك مشروعة حول حقيقة معارضة هؤلاء لنظام الأسد.

المجموعة الثالثة و الأكثر عدداً هي عبارة عن مجموعات من السياسيّين و المثقّفين المستقلّين الّذين لم يوافقوا على الطريقة الوحشيّة الّتي تعاملت بها عائلة الأسد مع الاحتجاجات الشعبيّة و وجدوا ملجأً لهم خارج البلد، و مع تطوّر الأحداث بعد سنوات من التواطؤ الدولي ضد الثورة السوريّة و اضطّرار الشعب للجوء للسلاح للدفاع عن نفسه و بروز بعض التشكيلات العسكريّة ذات الطابع الإسلامي و رغم معرفتهم أنّ كل هذا ما كان ليحدث لولا جرائم الأسد و تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بدوره و واجبه في حماية المدنيّين العزّل بمواجهة عصابة الأسد و حلفائها الطائفيّين.

 رغم معرفتهم بذلك لكنّ الكثيرين منهم لم يعودوا يعلمون من هو خصمهم الأوّل: نظام الأسد أم ما أسموه بالمعارضة المسلّحة، حتّى أنّ بعضهم بدل أن يشعروا بالإحراج و الخجل من الجرائم الّتي يرتكبها أقرباؤهم و أصدقاؤهم و جيرانهم ضمن ميليشيا الأسد كانوا يشعرون بأنّهم أصحاب فضل على الثورة لأنّهم ضحّوا بالامتيازات الّتي كان من الممكن أن يحصلوا عليها لو وقفوا مع النظام، تراهم يقفون للثورة بالمرصاد على الهفوة و الخطأ بينما يعتبرون جرائم الأسد جزء من تكوينه المعروف فكيف نلومه عليها ؟ بل حتّى أنّهم حمّلوا الثورة مسؤوليّة وقوف أغلبيّة العلويّين ضدّها منذ أيّامها الأولى رغم معرفتهم بسلميّتها و إجرام نظام الأسد.

و هنا لابدّ من ذكر نقطة مهمّة و هي أنّ السيّدات العلويّات في هذه المجموعة كنّ أكثر إخلاصاً لاعتباراتهن الأخلاقيّة و الإنسانيّة و لم تدفعهم المخاوف على عائلاتهم إلى تغيير أولويّاتهم و حافظوا على اعتبار نظام الأسد سبب كل ما يحدث من شرور و مضاعفات و كوارث، و الأمثلة على هؤلاء السيّدات كثيرة لسنا في وارد ذكرها.

المجموعة الأخيرة هي المعارضين الحقيقيّين لنظام الأسد و الّتي تتبنّى كامل مطالب الثورة السوريّة منهم من يعمل مع تشكيلات المعارضة المعترف بها دوليّاً و أكثرهم من المستقلّين، لا توجد مؤشّرات حتّى اليوم على تمتّع هذه المعارضة بأي تأثير ملموس على الشارع العلوي، الّذي مازال يفضّل الاستماع إلى أمثال سهيل الحسن و أحاديثه عن "أعداء العالم" و "اللاشعور" و خطابات بشّار الأسد المملّة و المليئة بالأكاذيب و الوعود الزائفة، على الاستماع لتحذيرات العاقلين من العلويّين الّذين يقولون إنّ عائلة الأسد تقود الطائفة للهاوية , و لا نعلم متى سيدرك العلويين ذلك و لكنّنا نعلم أنّهم كلّما تأخّروا في ذلك كلّما كان الوضع أسوأ على الجميع و عليهم .

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات