"صفر" المعارضة المقدس

"صفر" المعارضة المقدس
من الواضح أن مؤسسات المعارضة السورية السياسية وبعد كل ما حصل خلال السنوات السابقة، مازلت أسيرة دوائر مغلقة، تجول فيها مطولاً ومن ثم تعود إلى نقطة الصفر..!

لا نطلب من أحدٍ أن يتخيل الأمر، بل ندعو المهتمين إلى تذكر مرحلة (المجلس الوطني) واجتماعاته ومقرراته، وكذلك مراجعة المراحل المتعددة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والتي تتصف بتبعية كل مرحلة لرئيسها، والمجموعة التي ترافقه في اللجان والهيئات!

لنبتعد قليلاً عن المواقف السياسية المباشرة التي ارتبطت بالظرف السياسي الآني، المبني على تأثيرات الوضع الداخلي السياسي والميداني وكذلك على مصالح الدول الإقليمية والكبرى خلال السنوات السابقة، ولننظر في الأوليات التي يجب أن تكون عملية صياغتها قد تمت وانتهت منذ اجتماعات المعارضة الأولى، ولنسأل: هل كان علينا أن ننتظر كل هذا الوقت كي تدرك هذه المعارضة أن عليها القيام بالانفتاح على قوى المجتمع، وكذلك الاستفادة من طاقات السوريين كافة من أجل أن تؤدي دورها بشكل صحيح، وأن يكون خطابها موجهاً لكافة مواطنيها؟

يبدو أن القائمين على هذه المؤسسات، والذين يتداولون مناصبهم فيما بينهم، بناءً على آليات "ديموقراطية"، لم يتفقوا في أي وقت على القضايا الوطنية الاستراتيجية، وربما كانوا لا يعودون إلى قراءة ما يقرونه ويتفقون عليه، ولهذا تراهم يبدأون في كل مرة من نقطة الصفر!

وكي لا يظن أحد أن كلامنا مرسل، أو يلقى على عواهنه فإننا سننظر في السطور القادمة بتوصيات وتوصيات، جاءت كمحصلة لاجتماعين عقدا في الرياض وفي اسطنبول، خلال الأيام الماضية، لنرى كيف يجري العمل  ضمن مؤسستين تتوليان التعبير عن السوريين في هذا الوقت الحرج من تاريخ ثورتهم، ووطنهم بشكل عام!

 الأول وهو الاجتماع الدوري للهيئة العليا للمفاوضات، الذي عقد لمناقشة مستقبل العملية السياسية، وفرص العودة إلى طاولة المفاوضات في جنيف، فعلى هامش ما تمخض عنه من النتائج الخاصة بصلب عمل الهيئة والمتعلقة بالعملية السياسية، كان من اللافت أن تتبنى الهيئة وبحسب البيان الصحفي المنشور على موقعها "مجموعة مبادرات تهدف إلى توثيق الصلة مع كافة فئات المجتمع السوري وتحقيق الانفتاح على القوى السياسية والمجتمعية، حيث تم الاتفاق على تشكيل لجان للتواصل مع مختلف المكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعزيز دور المؤسسات الإعلامية ومراكز الفكر السورية للاستفادة من خبراتها، ورفد جهود الهيئة بالمادة العلمية وعقد الندوات والمؤتمرات الداعمة لأنشطتها"!.

أما في الثاني وهو اجتماع اسطنبول أو بالأحرى ورشة العمل التي عقدها الائتلاف تحت عنوان "مسارات الثورة وخلاصاتها" مستضيفاً فيها -بحسب القائمين عليها- نخبة من المفكرين والباحثين والخبراء السوريين والعرب، فقد خلص المشاركون في مناقشاتهم إلى ضرورة "تحويل الائتلاف إلى مؤسسة وطنية فاعلة، من خلال تكوين فريق عمل متخصص يضم خبراء في السياسة والإدارة والعمل الوطني لتقديم تصورات تهدف إلى تطوير بُنى الائتلاف ونظامه الداخلي، وإحداث تغييرات جوهرية في أساليب عمله، ورأب الفجوة بينه وبين أطياف الشعب وقوى الثورة".

 وأيضاً "إعداد الرؤية الوطنية للحلِّ في سورية، والتي تستند إلى توافقات وطنية تشارك فيها كافة المكونات السياسية والمجتمعية، وصياغة عقد وطني سوري يشكل أساساً لدستور سورية المستقبلي، وعقد مؤتمر وطني سوري يقرُّ وثائق المرحلة المقبلة، بما فيها الرؤية الوطنية والعقد الوطني. ولتحقيق ذلك، يقترح المشاركون تكوين أربع شبكات عمل، سياسية واجتماعية واقتصادية وعسكرية، تضم متخصصين من داخل الائتلاف وخارجه للعمل على إعداد الأوراق المعنية، خلال مدة وجيزة."..! وقد تمت صياغة كل ما سبق تحت هاجس ضرورة "استعادة الثورة للقرار الوطني المستقل المعبر عن إرادة السوريين الحرة، والتصدي لكافة التحديات من خلال العمل على إعادة بناء المركز السياسي السوري المستقل".

ربما، لابد من شكر القائمين على الاجتماعين والذين نكن لشخصوهم كل الاحترام، لجهة تبنيهم جميعاً في ذات الوقت لنقاط مشتركة، وبما يجعلنا نشعر بأن هؤلاء ورغم تواجدهم في مكانين مختلفين قد توصلوا إلى نفس الخلاصات، ولكن لو قارن هؤلاء بين النتائج التي  خرج بها كل طرف، ألن يطرحوا معنا سؤالاً يقول: هل من المنطقي أن يتأخر إقرار هذه التوصيات ست سنوات؟

كيف اتفق أن يحتوي بيان أو حتى توصيات لورشة عمل على دعوة "الانفتاح على مختلف القوى السياسية والمجتمعية" بحسب بيان الهيئة، و"إعداد الرؤية الوطنية للحلِّ في سورية، والتي تستند إلى توافقات وطنية تشارك فيها كافة المكونات السياسية والمجتمعية" بحسب ورشة عمل الائتلاف؟!

ما الذي يجعل مؤسسة بمهام مؤقتة كالهيئة العليا للمفاوضات، تتنطح لتبني مبادرات ذات طابع عمومي ووطني، كان من المفترض أن تقوم بها المؤسسات المعارضة التي أنجبت الهيئة؟ وهل هي الصدفة وحدها ما جعل هذه المبادرات تتشابه مع توصيات المجتمعين في ورشة اسطنبول؟ أم أن الجميع وبقدرة الواقع تحسس النواقص ذاتها، في نفس اللحظة، أما أن هناك دعوة من طرف ما لتقديم هذه الطروحات في هذا الوقت بالذات؟

وقبل هذا وذاك، أليست هذه المشتركات هي أساسيات يفترضُ السوريون بأنها منجزة ومبرمة ومتفق عليها، منذ إعلان المعارضة عن أول أجسامها؟! وطالما أن الجواب وكما يقول الواقع هو النفي، فإن هذا يستدعي سؤالاً أقرب إلى الكوميديا السوداء في طبيعته يقول: ما الذي كانت تفعله مؤسسات المعارضة طيلة السنوات السابقة؟ وما الذي كان يتبادله أعضاء هيئاتها السياسية في اجتماعاتهم الدورية؟ كيف يحدث أن نكون في السنة السادسة للثورة، وليس لدى الائتلاف "رؤية وطنية للحلِّ في سورية"؟!

نحن في الحقيقة أمام احتمالين؛ إما أن الائتلاف أنجز كل هذه الوثائق سابقاً، وبالتالي فإن المطالبة بها في هذا الوقت ليست سوى نقاش في صالون سياسي، ما يرتب ضرورة سؤال القائمين على الأمر عن ضروراته، وعن أسبابه، وغير ذلك!

وإما أن الائتلاف لم ينجز أي شيء مما سبق ذكره في توصيات الورشة، وهذا بحد ذاته يؤدي إلى مساءلة أكبر تتمحور حول ما قامت به هذه المؤسسة طيلة السنوات السابقة، سيما وأنها كانت كثيراً ما تتملص من الأدوار التي تطلب منها في الشق الإنساني الإغاثي، والقانوني الخاص باللاجئين بذريعة أنها منظمة سياسية، تاركة تلك التفاصيل لهيئة تنسيق الدعم وللحكومة المؤقتة، اللتين قيل عن مثالبهما الكثير من قبل السوريين.

وختاماً، وفي حال طُلب منا أن نكون إيجابيين تجاه ما أثمرته هذه الاجتماعات وغيرها من باب أن "في الحركة بركة"، فإننا نكون كذلك حين نعرف ما هو مصير التوصيات التي خرجت بها ورشات العمل والاجتماعات التي دأب الائتلاف وغيره على إقامتها سابقاً، وإلى أن يقوم أحد بإجابتنا، سنبقى نحدق بهذا الصفر المقدس الذي تتم العودة إليه كلما تغيرت رئاسة الائتلاف.

 

التعليقات (1)

    حسين بصبوص

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    لن يسطيع الائتلاف السوري القيام بأي خطوة وسيبقى اسيرا بهذا الصفر المقدس استاذ علي ولاحتى الحكومة المؤقتة بعد أن فقدوا القاعدة الشعبية التي اعطتهم الشرعية في الأشهر الأولى من الثورة تحولت الفجوة فيما بعد إلى صرح عالي لايمكن القفز فوقه أو هدمه اليوم الائتلاف وكل مؤسسة تابعة له هي أسيرة الدول الداعمة له وأسير لتطرف كافة التيارات والجمعات المكونة له الكل لايقبل بالكل عينا أن نتذكر ما حصل بمؤتمر القاهرة ونسقط ذلك على الواقع المخصي للائتلاف أو الحكومة .... سيكون هذا الصفر وليدا في خطوة يخطوها بأي عمل
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات