إنهم يُجرِّبون المُجرَّب

إنهم يُجرِّبون المُجرَّب
في 24 أيار/ مايو الماضي أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، المسؤول عن الإدارة الذاتية في الجزيرة السورية، وصاحب مشروع الفيدرالية، عن بدء عمليات عسكرية للسيطرة على مدينة الرقة وطرد تنظيم الدولة الإسلامية، عبر ذراعه العسكرية وحدات الحماية الشعبية التي تُشكل نواة قوات سورية الديمقراطية.

منذ ذلك اليوم لوحظ وجود تناقض في تصريحات ومواقف وأفعال الإدارة الكردية المسؤولة عن هذه المعارك، أوحت للبعض بأنها لا تملك خطة أو استراتيجية واضحة تسير عليها، وإنما تُنفّذ خططاً متغيرة موضوعة لها، ففي البداية أعلن أولئك أنهم ينوون السيطرة على المدينة، وسرعان ما تراجعوا في اليوم التالي ليقولوا إنهم يريدون السيطرة على جزء من ريفها الشمالي فقط، وأنهم لن يدخلوا المدينة، بل سيتركون الأمر لقوات عربية متحالفة معهم، ثم أعلنوا أنهم سيضمون مدينة الرقة بعد تحريرها من تنظيم الدولة للنظام الفيدرالي، ولاحقاً قالوا إن الفيدرالية مؤجلة وتخضع لرأي السكان وموافقتهم فيما بعد، وأخيراً حوّلت المعركة وجهتها عن الرقة باتجاه منبج في ريف حلب على غير المتوقع.

هذه التناقضات الإعلامية ـ الإعلانية تشابه تماماً تشابكات وتناقضات الحزب الكردي في تحالفاته، السياسية منها والعسكرية، فتارة يُنسّق مع روسيا إلى أبعد حد (سياسياً وعسكرياً) ويستفيد من خلافاتها مع تركيا وتوتر العلاقات الكبير بين البلدين، وتارة يُنسّق (عسكرياً وأكثر من ذلك) مع الأمريكيين الذين تربطهم بتركيا علاقات جيدة ترتقي لمستوى التحالف، أي تعاون مع عدو العدو وصديق العدو في تركيبة يصعب فهمها.

كذلك نسّق الحزب في السنوات الماضية مع النظام السوري في شمال شرق سورية، على الرغم من أن نفس هذا النظام هو أصل انتهاك حقوق الأكراد في سورية، وسبب المظالم الكردية التي عانى منها الأكراد لعقود، وفي نفس الوقت لم يقطع الحزب (شعرة معاوية) مع إيران التي يعرف الجميع كيف تضطهد وتقمع أكرادها وتنتهك حقوقهم، أي بالمحصلة تحالف مع أعداء سابقين لا يمكن بأي منطق أن يصبحوا أصدقاء لاحقين.

عادى الحزب تركيا التي يستقر على حدودها ولم يكترث بأن في الطرف الآخر من الحدود علاقات قربى راسخة قد تتأثر، كما لم يبادر لإقامة علاقات ودّية مع الدول العربية الأكثر تأثيراً كالسعودية وقطر ومصر، ورفع منسوب الخلاف مع إقليم كردستان العراق إلى حد هدد بفرط الرابط العضوي بين الطرفين الشقيقين، وفي نفس الوقت تُثار حوله أقاويل بأن له علاقات مع إسرائيل دعمتها أحداث آخرها مشاركة برنارد هنري ليفي في افتتاح مكتبه بباريس، وإسرائيل هذه هي حليفة للولايات المتحدة وصديقة لروسيا ونصف حليفة لتركيا وعدوة لإيران.

على صعيد المعارضة السورية، تحالف الحزب في البدايات مع هيئة التنسيق الوطنية، ثم ما لبث أن تخلى عنها ليتحالف مع بعض الأحزاب الصغيرة في شمال سورية ليُمهد لإدارته الذاتية، ورفض التحالف مع أي قوى سورية معارضة بما فيها القوى الكردية الأخرى إلا إذا كان له نصيب الأسد في القرار، وأعلن عن فيدرالية رفضها كل السوريين غيره، ولم يأبه كثيراً أن انفضّ عنه محيطه العربي وحتى المسيحي.

يعتمد الحزب في الوقت الراهن على اللعب على التناقضات الإقليمية والدولية لتسيير أموره وتحقيق أحلامه، فهو يتحالف مع أطرف تقف على ضفتي النهر، ويتحالف مع دول لها مصالح متناقضة في سورية والمنطقة، ولا يرفض أي دعم من أي جهة طالما أنها تُقرّبه قيد أنملة من هدفه، دون أن يتوقف كثيراً عند الثمن الذي سيُطالب بأن يدفعه قريباً.

في الغالب الأعم، سيكتشف زعماء وقواعد ومريدي ومعجبي هذا الحزب ما اكتشفه غيرهم من العرب ومن شعوب العالم الثالث المسكينة الأخرى، وهو أن الجميع يتلاعب بهم كما تلاعبوا بغيرهم، ففي العلاقات الدولية، الضرورات المرحلية تُبيح المحظورات، والسياسة لا دين ولا قلب لها، والدول لا تهتم بطرف خارجي إلا بقدر ما يحقق لها من مصالح مرحلية، ومن يستقوي بالخارج سيخسر ولو بعد حين، ومن يُؤمِّن على روسيا أو أمريكا أو إيران أو النظام هو كمن يُؤمّن على الماء بالغربال.

إن مصالح روسيا هي غير مصالح الولايات المتحدة، ومصالح الأخيرة هي غير مصالح تركيا، ومصالح تركيا هي غير مصالح إيران والنظام السوري، ومصالح إسرائيل هي غير مصالح كل هؤلاء، وكل يلعب على ليلاه، وكل له باع طويل في السياسة والتحالفات والأزمات الدولية والحروب والبيع والشراء أكثر بكثير مما لدى زعماء هذا الحزب الذي مازال بنظرهم حركة متمردة ضعيفة لا تمتلك مقومات الصمود الذاتي أو القدرة على التحول لكيان راسخ دون الاعتماد على أطراف أخرى.

مطالب الأكراد لجهة الحقوق والواجبات والمساواة الكاملة في إطار وحدة سورية ضمن دولة ديمقراطية تعددية تداولية لا طائفية حق من الصعب أن يعترض عليه أحد، حالهم كحال كل النسيج السوري المتنوع، وتحقيق هذه المطالب يتم عبر التحالف مع هذا النسيج، والبحث عن مستقبل مشترك يسرّ ويرضي السوريين، وهذا يبدأ بالعمل مع المعارضة السورية ـ التي تحمل نفس هذا المشروع ـ والتحالف معها لإسقاط النظام بأي طريقة، أما ضرب عرض الحائط بأخوة الوطن والتحالف مع قوى دولية متصارعة ذات مصالح متناقضة لا تتردد أن تُمسك من اليد التي تؤلم، سيؤدي بالضرورة لانقلاب السحر على الساحر عاجلاً وليس آجلاً.

 

التعليقات (2)

    احمد احمد

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    اخي الكاتب هذا الحزب حزب ارهابي جاء به النظام السوري ودعمه وسلمه مخافظة الخسكة واعطاه السلاح والمال وكل شي والاكراد طول عمرهم مرتزقة وهم قبائل فارسية و هم بدو الفرس واللغة الفارسية هي نفسها الكردية والاكراد اقلية في محافظة الحسكة نسبتهم 23 بلنية فقط من المحافظة و لا يهمهم الا قوميتهم وانشالله يموت كل العرب والمسلمين والسوريين

    سوري

    ·منذ 7 سنوات 11 شهر
    أوافق مع الكاتب تماما تحليله لهذا الحزب الكردي ولتحالفاته واهدافه ولكن في نهاية المقال أضاف الكاتب أن على هذا الحزب ان يتحالف مع المعارضة السورية ولكن لم يقل لنا عن اي معارضة يتكلم هل يقصد بالمعارضة التي تأتمر من الرياض ام من قطر وتركيا ام يقصد بالدولة الاسلامية والنصرة اللتين كفرتا جميع اطياف الشعب السوري حتى السنة الذين لم يتفقوا معهم ام يقصد جيش الاسلام والفصائل الأخرى في الغوطة المتحاربة فيما بينها على تقاسم الغنائم والسرقات
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات