​عن الجبهة الجنوبية وقرار إسرائيل تشكيل لجنة ارتباط؟

​عن الجبهة الجنوبية وقرار إسرائيل تشكيل لجنة ارتباط؟
درجت العادة أن تقوم إسرائيل بتسريب خبر صغير للإعلام، فتهيء بذلك الشارع الداخلي لأحداث كبيرة قادمة، فهي تجيد لعبة تسريب الأخبار أو صياغتها بما يحقق لها أقصى استفادة ممكنة، حيث نشرت وكالات الأنباء أواخر شهر أيار \\ مايو، خبرا صغيرا، جرى تداوله ليوم واحد فقط قبل أن يختفي في زحمة الأحداث. يقول الخبر أن إسرائيل بصدد إنشاء لجنة ارتباط خاصة بسورية، مهمتها التواصل مع السكان السوريين القاطنين في المناطق المحاذية لفلسطين المحتلة، على أن تكون هذه اللجنة بديلا عن الجهات، التي كانت تنسق مع سكان الجولان السوري المحتل.

  كثيرة هي الأخبار التي تمر علينا مرور الكرام، فلا تأخذ حقها من الاهتمام، ولا يلقي لها الكثيرون بالاً، فتضيع في زحمة الأحداث، خاصة مع ما يتم ارتكابه من جرائم يومية على يد نظام الأسد، وحلفائه الروس، والايرانيين، وحشدهم الشيعي، إضافة للتحالف الدولي، حيث لا يكاد يمر يوم دون أن يكون هناك مذبحة أو جريمة في سورية والعراق.

إسرائيل المسكونة بهاجس أمنها لا تستطيع إلا أن تبقى مستيقظة، وجاهزة لكافة الاحتمالات، فهي وفي الأحوال العادية لا تسمح أن يرف لها جفن ولا أن تغمض لها عين، فكيف وقد تحولت المنطقة الى بركان ثائر يحرق ما حوله، ورمال متحركة تبتلع كل من تزل قدمه؟ 

من المتوقع أن تكون مهمة اللجنة الجديدة، نسخة معدلة عن اللجنة الخاصة بجنوب لبنان، والتي شكلت في ثمانينيات القرن الماضي إبان الاحتلال الإسرائيلي، وتولت مهمة تنسيق كافة العمليات العسكرية والاستخباراتية، التي توجت حينها بتشكيل جيش لبنان الجنوبي بقيادة أنطوان لحد.

بحسب التصريحات الإسرائيلية، فإن الهدف المعلن من تشكيل وحدة الارتباط الخاصة بسورية، هو تقوية الروابط مع السكان السوريين الذين يسكنون قريباً من الحدود، لكن وبالعودة الى تاريخ هكذا وحدات ولجان اسرائيلية، فإننا سنكتشف أن مهمتها أكبر بكثير من مجرد تنسيق مع سكان محليين، بل هي منظومة كاملة متكاملة مهمتها، خلق حاضنة شعبية متقبلة لفكرة إقامة علاقات وتطبيع مع الكيان الصهيوني ومتعاونة معه، الأمر الذي سيسمح لها باستقطاب الفصائل المسلحة العاملة في المنطقة، والتعامل معها بشكل علني، وتماما على غرار العلاقة التي جمعت بينها وبين جيش لبنان الجنوبي، هي باختصار لجنة مهمتها الأولى تجنيد العملاء، جماعات وأفراد، وعلى أوسع نطاق ممكن.

الجيش الإسرائيلي كشف مؤخرا أنه يعمل ومنذ أشهر على تقوية علاقته مع السكان السوريين القاطنين بمحاذاة الحدود مع هضبة الجولان المحتلة، وذلك في ظل فراغ أمني على الجانب السوري من الحدود، حيث من الملاحظ أنه قد تم استدراج الكثير من السوريين للحصول على العلاج الطبي. المثير في الأمر هو الأرقام التي أعلنها الجيش الإسرائيلي حيث ذكر انه تولى تأمين نقل حوالي 2000 من الجرحى والمرضى السوريين وعلاجهم في المستشفيات الإسرائيلية.

معلق الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت احرونوت" ذكر حينها، أن العلاقة بين إسرائيل والسكان السوريين وبعض فصائل المعارضة تساهم في ضمان الهدوء على امتداد الحدود، وهذه الوحدة ستعزز العلاقة في مختلف المجالات، كتقديم العلاج للمصابين في الحرب!!

     

نفس الصحيفة ذكرت وحذرت من أن وحدة ارتباط كهذه من شأنها أن تعمق التدخل العسكري الإسرائيلي في الحرب الدائرة في سوريا، مثلما حدث في لبنان سابقا، وذلك بإدعاء أن الواقع قد يقتضي أحيانا التدخل خلف الحدود.

إسرائيل كانت بدأت عملها في جنوب لبنان بمساعدات إنسانية، لكن الأمر تطور إلى تدريبات عسكرية سرية لعناصر لبنانية جرى تزويدها بكميات قليلة من الأسلحة والذخائر، لتتحول فيما بعد إلى تدخل عسكري مكشوف وتزويد لعملائها بعتاد عسكري ثقيل، إضافة الى تدريب الآلاف منهم

تشكيل لجنة الارتباط، لم يكن هو نقطة البداية في إقامة إسرائيل لعلاقات مع بعض الأشخاص أو الفصائل السورية المسلحة، فكمال لبواني قام بزيارة إسرائيل أكثر من مرة، والجربا خطب ود الكيان، وحتى عصام زيتون موظف البلدية البسيط الذي لا يملك حتى ثمن تذكرة سفر جرى تلميعه وتقديمه كممثل لفصائل الجبهة الجنوبية، وذلك من خلال مشاركته قبل أيام في مؤتمر هرتسيليا، الذي ناقش "التغيرات الإقليمية وعدم الاستقرار في المنطقة"

من المهم أن نعلم أن إسرائيل تسيطر بشكل أو بآخر على غرفة عمليات "الموك" في الأردن، وعلى دراية كاملة بكافة السياسات والخطط, التي تعتمدها الغرفة، والتي تهدف بالدرجة الأولى للحفاظ على أمن إسرائيل، لكنها وفي موازاة ذلك، عملت أيضا على بناء سلسلة علاقات، هدفها الرئيسي استيعاب الفصائل المسلحة وحاضنتها الشعبية في المنطقة الجنوبية، حيث يمكننا القول إنها نجحت في ضمان الهدوء على حدودها، ومنع أية عمليات مسلحة ضدها، ليس هذا وحسب، بل إن الغرفة استطاعت إدخال الجبهة الجنوبية في حالة موت سريري، وسبات شتوي حتى مع الأسد.

إسرائيل ومن جهة أخرى تعتبر أن الفصيل المحلي الوحيد الذي يهدد أمنها عمليا، هو "شهداء اليرموك"، الذي اندمج وحركة المثنى في تشكيل جديد سمي " جيش خالد بن الوليد"، لكنه اليوم محاصر من قبل معظم فصائل حوران، ويدافع عن نفسه في منطقة صغيرة نسبيا. لواء شهداء اليرموك كان قد هدد سابقا بمهاجمة اسرائيل "بسلاح غير تقليدي" في حال انخرطت في الحرب عليه.

من المستبعد أن تتدخل إسرائيل علنا في الصراع المسلح الدائر في سورية خاصة على حدودها، لكنها قد تتدخل في حال كان هناك تهديد مباشر لأمنها، وهي بدل ذلك ستترك مثل هكذا مهمة لفصائل المعارضة، وحتى للأردن في حال اقتضت الضرورة ذلك، فهي تعي حساسية انخراطها في هكذا حرب ستؤلب عليها كافة السوريين، الذين لا زالوا ينظرون اليها كعدو يحتل أرضهم، لا بل ويعمل بكل قوة على منع إسقاط نظام الأسد.

هدوء الجبهة الجنوبية له ما يبرره، وهو إشارة على الجهود الدولية والإقليمية المبذولة لتأطير عمل الفصائل المسلحة في الجنوب السوري، ضمن غرفة عمليات دعم وإدارة صراع، تتحكم في قرار المعارك ونوعيتها، وتقدم مقابل ذلك دعما ماليا وعسكريا واغاثيا، يسهم في تقوية شوكة هذه الفصائل ضد خصومها، الأمر الذي يجعل هذه الفصائل خاضعة لشروط هذا الدعم السخي، الذي مكن بعض "القادة" من التفرغ لإنشاء أعمالهم الخاصة داخل وخارج سورية، مستفيدين من هذا الهدوء.

 فشل تجربة جيش "أنطوان لحد" في جنوب لبنان، وفرار عناصره الى داخل فلسطين المحتلة وحصولهم على اللجوء الإسرائيلي المذل، سيمنع وبلا أدنى شك قيام إسرائيل بتكرار التجربة وتشكيل جيش مماثل له في سورية، خاصة في ظل الخارطة المعقدة لتواجد الفصائل المسلحة، التي تعتبر في النهاية ذات لون عرقي وديني واحد "عرب مسلمون"، فحتى وإن اختلفت توجهاتهم السياسية وعقيدتهم القتالية، فاحتمال تمرد كل أو بعض هذه الفصائل على قادتها يبقى احتمالاً واردَ الحدوثِ وفي أي وقت، وهو ما يجعل صناع القرار في إسرائيل يشعرون بعدم الثقة تجاه أي تحالفات عسكرية مع هذه الفصائل.

صحيح أن الكيان الصهيوني، لم يصرح أنه في وارد تشكيل جيش موالٍ له في جنوب سورية، لكن مصادرة قرار فصائل المعارضة المسلحة، كفيل بأن يؤدي الغرض المطلوب، وهو حماية أمن الحدود السورية مع فلسطين المحتلة، ومنع تمدد أي تنظيمات جهادية كالدولة او النصرة، أو حتى جيش اليرموك، الذي يبدو أن مهمة الفصائل المسلحة في الجنوب السوري قد انحصرت في محاصرته وصولا الى القضاء عليه، بانتظار تسوية سياسية تسمح بتولي هذه الفصائل مهمة حراسة الحدود بشكل رسمي خاصة في حال تم دمجها بجيش الأسد.

بالأمس خرج مجموعة من السوريين ببيان فزعة، يطالب فيه فصائل حوران بضرورة فتح الجبهات، لكن هذا البيان وعلى أهميته، نسي أو تناسى أن هذه الفصائل لا تملك قرارها، وأن مهمتها اليوم تنحصر في حماية أمن حدود الآخرين، وقتال شهداء اليرموك والمثنى، وبالتالي فإنها لن تتحرك باتجاه قتال نظام الأسد.

 كان من الواجب أن يتضمن البيان دعوة لوقف الحرب بين الإخوة قبل أن نطالب بفتح الجبهات، فهل يملك السوريون ترف مقاتلة تنظيم الدولة، او جبهة النصرة، أو غيرها من الفصائل المغضوب عليها غربيا، وهل من العدل والحكمة أن يدفع الشباب السوري المجاهد فاتورة الدم نيابة عن الآخرين، أو خدمة لمصالح بعض الفصائليين المناطقيين، الذين أصبحوا "حكاماً" على ما يسيطرون عليه من أرض؟

حوران ليست هؤلاء القادة، وما يحدث اليوم هو كبوة جواد واستراحة محارب، فحوران الكرامة لن تسمح بأن تستمر هذه المهزلة وستسقط كل من خان الأمانة أو انخرط في مشاريع أسهمت في بقاء عصابة الأسد كل هذا الوقت، رغم كل ما ارتكبته من جرائم بحق الإنسانية.

جيوش وفيالق وفرق وحركات، أسماء كبيرة ومرعبه، لكن معظمها مع الأسف لم يعد سوى فقاقيع إعلامية، لم تستطع أن تتقدم باتجاه دمشق ولا أن تحافظ على ما تم تحريره، يوم كانت الفصائل المسلحة مجرد كتائب جيش حر صغيره، جرى لاحقا ابتلاعها وإعادة هيكلتها وتضخيمها إعلاميا وبما يتناسب مع المرحلة وأهداف "أصدقاء" الشعب السوري، أو بالأحرى أصدقاء نظام الأسد !؟ 

التعليقات (3)

    أبو المجد ناصر

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    كأنك تتجاهل أن الأخوين داعش ( المثنى - شهداء اليرموك ) في حوران هما من يطعن الثوار من الخلف وهما من يكفران الثوار ويعدونهم من المرتدين الذين يجب قتالهم قبل الأسد أنت متطرف وتدعم المتطرفين لكن رسائلنا لا تصل المهم لدي أن أبرىء ذمتي أمام الله

    عبد الله

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    تحليل الاستاذ خليل المقداد صائب تماما ويضع النقاط على الحروف، فقط حاول النظر للواقع بإنصاف وبعيدا عن انحياز الاعلام ومصالح الغرب واكتب تعليقك على هذا الأساس، وعنها تكون قد أبرأت ذمتكامام الله. اما ان تسلط سيف التطرّف وربما لاحقا الاٍرهاب عَل رقبة كل من يقول الحقيقة فهذا نفسه قمة التطرّف، وعلى فكرة لم يعد يجدي نفعا لان الأمور أصبحت أوضح من عين الشمس لمن أراد ان يرى!!

    رد على ابو المجد

    ·منذ 7 سنوات 10 أشهر
    على فرض كلامك صحيح ليش دخل الجيش خربه غزاله بدون مقاومه ولا الحاره قبل ما تحررها النصره مره ثانيه ولا الشيخ مسكين وليش القاده منييمين الثوار والجبهات نايمه وليش ما حرروا مركز مدينه درعا وليش وقفوا قتال جيش المجرم بشار وين ولادنا اللي ورطونا بالحرب وفزعت الهم كل مدن سوريا وقراها احنا اهل درعا ورطنا العالم وقعدنا نتفرج عليهم وهم يموتون بري ذمتك واحكي جماعه الموك عم يقتلوا الثوره واللي مابدوا ينام خاين
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات