من سبّل عيونه ومد يديه كي تتحنّى مِن طهران هذه المرة، هو نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق، حين أعاد غناء مقطوعة الدعم الإيراني الشهيرة والذي لا يوازيه دعم، لكنه أضاف هنا بعض العُرب الخاصة به، حين قال إن معظم الدول لا تستطيع تقديم ما قدمته إيران.
قبل الغوص في بحر أبو مرزوق لا بأس من تذكيره وتذكير القراء، بتسجيل مسرّب له يقول فيه نصاً، إن الإيرانيين لم يقدموا شيئًا للحركة منذ 2009 وكل ما يقولونه في هذا الإطار كذب بكذب.
أبو مرزوق لم ينفِ التسريب، ولم تنفه الحركة، لا بل إنه تسبب في أزمة حادة مع قادة طهران عطلت ربما جهودًا حثيثة كان يقوم بها حزب الله لتقريب وجهات النظر بين الطرفين ومع النظام السوري على البيعة.
من نصدق أبو مرزوق في تسجيل الفيديو المسرب أم أبو مرزوق على تويتر؟ وما الذي يدفع قادة حماس لحملات تنظيف السجاد التبريزي بعد أن تلوث بالدماء العربية من بغداد إلى دمشق وصولا إلى صنعاء!
خالد مشعل أتى بالدب من ذيله حين علّق على تصريحات أبو مرزوق فقال: "حماس محتاجة للدعم بصرف النظر عن الاتفاق مع الداعم".
جيّد .. وهل الداعم سيدفع ما لم يتحصّل على مقابل مالِه؟ ثم إن كلام مشعل يوضح - بما لايقبل الشك- أن لب الأمر كله في المال فقط.
وعلى سيرة المال، قادة حماس يعلمون بالضرورة أن إيران تعاني من أزمة خانقة بعد أن استنزفت ميليشياتها في العالم العربي مواردها، هذا فضلا عن أن كنوز اتفاقها النووي مع الغرب لم يفرج عنها بعد، وربما لن يفرج. وإذا كان حزب الله نفسه يعاني من قلة الدعم الإيراني فهل هناك متسع لحماس؟
الحركة ومشايعوها يقولون: ما الذي أتى بك للمُر غير الأمر! والأمر في أدبياتهم هو النظام العربي، الذي حاصر قطاع غزة وضيّق على الحركة عاموديًا وأفقيًا لإفشالها، ومحاولة إثارة الرأي العام الغزاوي عليها تمهيدًا لإحلال أطراف فلسطينية معادية لها.
يضاف إلى هذا أن حماس لم تألو جهدا في التقرب من عواصم القرار العربي وعلى رأسها الرياض، وفي هذا السياق الحمساوي ربما سرّبت الحركة طعن أبو مرزوق في إيران قبيل زيارة وفدها للرياض إرضاءً لخواطر قادة السعودية.
في شكاية حماس المريرة من النظام العربي وجاهة كبيرة لاشك، والأدلة عليها لا تخطؤها عين، لكن "وهي لكن كبيرة جدا" إذا كانت خزائن الأكاسرة الجدد تكاد تكون خاوية، ألا يعتبر مديح حماس مجانيًا! لا بل ويَخصم من رصيدها العربي كثيراً.
ما يزيد الأمر غموضًا قول حماس: إن المال لا يغير من مواقفها المبدئية، وتستشهد برحيلها عن دمشق مع انطلاق الثورة السورية بعد أن كان قادة الحركة ملوكًا غير متوّجين وفق وصف خالد مشعل.
وهذا القول صحيح، فحماس ضحت بكل امتيازاتها نصرة للشعب السوري.
مشايعو الحركة - وللحركة مشايعون حد التشبيح أحيانا - يقولون إن هذه أمور غيبية ولا يجوز لنا نحن العوام أن نفتي فيها، أي أنهم يقولون لنا بطريقتهم أغلقوا فمكم لو تكرمتم.
فوقية مناصري الحركة هذه يدعمونها بعبارات من مثل، أطهر بندقية هي بندقية حماس، وفي هذا لمز خفيّ بكل البنادق العربية الثائرة، وبكل الدماء العربية المسفوكة، وآخرها ما سفك في مدينة الفلوجة العراقية التي أَنشب الملالي أظفارهم فيها، ثم يأتي أبو مرزوق في هذا التوقيت الرائع لينشد بُردته الفارسية.
حسنا .. لنلخص المشهد، حماس تحتاج المال، والمال شحيح عند طهران.
لكن هذا لم يمنع الحركة من مدح طهران رغم الغضب المتوقع للشارع العربي، ومن ضمن الغاضبين بعض الرموز المحسوبين على الحركة، حتى لا يقال - وقد قيل - إن هناك مؤامرة كونية على حماس، فماالذي دفع الحركة لهذه المغامرة؟ وهي ليست أول مرة طبعا، فقادتها حريصون على استفزاز الشارع العربي حين يتيح لهم الثوار السوريون الفرصة، فهم عزّوا مثلا بمقتل سمير القنطار، كما عزّوا بمقتل مصطفى بدر الدين، وقبله عزّت الحركة بمقتل جهاد مغنية، وتخلل هذه التعازي شكر اسماعيل هنية الشعب الإيراني وقيادته الحكيمة الرؤوفة، وغيرها الكثير الكثير من التصريحات.
نعيد السؤال للمرة الأخيرة. ماالذي يدفع حماس لمستنقع الملالي؟!
ربما هي قناعة الحركة بانتصار إيران القادم في سوريا والعراق واليمن، وبالتالي تريد أن تحجز لها مقعدًا في حافلة طهران، أو هي صراعات الأجنحة داخل الحركة المقبلة على انتخاب رئيس جديد للمكتب السياسي، بعد عزوف خالد مشعل عن الترشح.
وأبرز المرشحين لخلافته هو موسى أبو مرزوق. أي أن الرجل يمهد لعصره بطريقته، ولا نعلم إن كان عصره يتطلب على سبيل المثال، السماح لحركة "الصابرين" في غزة بالبقاء والتمدد.
التعليقات (7)