السيادة والحذاء

السيادة والحذاء
يلتبس مفهوم السيادة بالمصالح العليا _الشخصية_ للحاكم المطلق، وللسيادة طرفان متداخلان ومترابطان، هما السيادة الداخلية للدولة والسيادة الخارجية. تشير السيادة الداخلية إلى السلطة التي تصنع القرارات داخل الدولة وتلزم المواطنين والمؤسسات والجماعات بالخضوع لإرادتها! وأوّل من دعا إلى تركيز السيادة في يد الحاكم المطلق من دون منازع عالم الرياضيات والفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز.. الذي ساهم في التأسيس لكثير من المفاهيم المعمول بها ليس في انكلترا فحسب بل في كثير من البلدان، وعلى رأس تلك المفاهيم "العقد الاجتماعي". 

لم يأخذ الأسد الابن من فلسفة هوبز وربّما لم يسمع به أصلاً على الرغم من بقائه فترة طويلة في إنكلترا. فهو ليس بحاجة ليتعلّم من الفلاسفة أو يأخذ منهم، فالأصل أن يكرّس الطغاة "سيادتهم" الخاصة ويأتي الفلاسفة فيما بعد لصياغة الأفكار وتأليف الكتب آخذين واقع الحال بعين الاعتبار. ولأنّ الأسد محاط بمجموعة فلاسفة من المخابرات الروسية والإيرانية وميليشيات حزب الله التي تملي عليه ما يجب أن يقوم به، حدث الاشتباك الناتج عن الصراع حول "السيادة" في جبهات حلب، أدّى ذلك إلى الرد العنيف من قبل الأسد دفاعاً عن "سيادته" بقصف مواقع لحزب الله، هذا القصف يدخل في مفهوم السيادة كما قال شريف شحادة الذي نشر على صفحته على الفيس بوك ما معناه أنّهم أتوا بحزب الله لمساعدتهم وليس للمساس بالسيادة الوطنية.

فجأة ظهر الوعي بمفهوم السيادة، السيادة الوطنية التي لا تخرج في مجملها عن الخضوع الكامل للحذاء العسكري الذي بدأ الأسد والموالون له بتكريسه منذ بداية الثورة بدءاً بالصور التي تُظهر نساء ورجالاً يضعون الحذاء على رؤوسهم، إلى تدشين تمثال للحذاء في مدخل اللاذقية، إلى ظاهرة تقبيل الحذاء من فنانين وإعلاميين، إلى ظهوره الأخير كمفهوم "فلسفي" قائم بذاته ومعبّر عن السيادة الوطنية على ألسنة لاعقي الحذاء الأكبر!

الحذاء العسكري الذي "داس" وسيدوس به الأسد رؤوس المواطنين السوريين في حال استمر بالحكم؛ لأنّ سيادة الوطن مرتبطة به وهو مرتبط بالحذاء، فالحذاء هو الحاكم والعكس صحيح. وستظهر صورة الأسد مستقبلاً وهو يعتمر الحذاء ويسير به أثناء الاستعراضات العسكرية وحفلات تخريج الضباط، ويضعه أثناء خطبته في مجلس الشعب.. وربّما يصبح الدستور الذي يقسم عليه! 

التبس مفهوم السيادة في أذهان الموالين لحكم الأسد والمطبلين له بمفهوم العبودية، فقد خرج شريف شحادة نفسه بتسجيل صوتي ينفي فيه ما نسب إليه قائلاً: "إنّ علاقة النظام بحزب الله أكبر مما توصف" لقد شعر شريف شحادة وقبله رأس النظام السوري بالورطة الكبيرة التي وضعوا أنفسهم فيها حين تحدثوا عن "السيادة الوطنية" وهم يدركون تماماً _وكما صرّح حزب الله_ أنّه لا وجود للجيش السوري على الجبهات وأنّ دوره يقتصر على إحضار المواد التموينية والذخيرة للميليشيات العراقية والإيرانية والأفغانية وحزب الله، وأنّ أيّ خلاف في وجهات النظر حله بيد "الروس". 

فالسيادة الوطنية في واقع الأمر موجودة فقط في العقول القاصرة التي تستمرئ العبودية للحذاء بغض النظر إن كان حذاء وطنياً أو كان حذاء ميلشياوياً من حثالة الحقد الطائفي العراقي أو اللبناني، إلاّ أنّ الأمر قد نحا منحى جديداً مع دخول المحتل الروسي حيث بدأت الأكف تتضرع والألسن تلهج باسم بوتين، وكالعادة توهم أصحاب العقول القاصرة أنّ بوتين غير حزب الله فقد ظنّوا لفترة أنّ حزب الله جاء لنصرتهم وإذ به يتصرف وكأنّه الحاكم الفعلي، ولأنّهم يحسنون الظنّ بربهم الجديد ومخلِّصهم فقد فاتهم أن يروا كم الإهانات التي تعرّض لها حاكمهم بشار في لقائه المفاجئ مع وزير الدفاع الروسي، حتّى أنّهم لم يتساءلوا فيما بينهم لمَ تفاجأ رئيسهم بهذا اللقاء؟ ولمَ يجلس كالمذنب أمام وزير الدفاع الروسي؟ ولمَ كان وحيداً إلا من مترجم؟ ولماذا كان اللقاء في مطار حميميم ولم يكن في دمشق؟ ولماذا هرول الرئيس إلى موعد اللقاء ولم يجلس في قصره الدمشقي ليأتيه الوزير الروسي؟ وأخيراً وليس آخراً لماذا سرّب الروس هذا التسجيل وهذه الصور وبهذا الإخراج؟

لقد أراد الروس أن يمنحوا الحذاء العسكري مفهوماً آخر جديداً كلياً فليس الحذاء الجلدي هو ما ينتعل في الأرجل فقط، أيضاً قد يكون الحذاء على شكل رجل أو شكل رئيس أو حتّى يمكن أن يكون شعرة في ذيل كلب. تلك هي السيادة الوطنية التي يتشدّق بها المؤيدون والتي سيتحدّث عنها فيلسوف في المستقبل _من حاشية الأسد_ يمكن أن يكون اسمه "طوبز".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات