بين تفكّك المملكة المتحدة وتفكّك الاتحاد الأوروبي

بين تفكّك المملكة المتحدة وتفكّك الاتحاد الأوروبي
لا يحتاج تقويم نتيجة الاستفتاء البريطاني الى شرح كثير لسلبياته. فالايجابيات التي يتوقّعها مؤيدو الخروج من الاتحاد الاوروبي لن تظهر قبل مرور سنوات طويلة. 

وبعدما اتضح الخيار فإن الاتحاد أظهر ميلاً الى أن يتم هذا الخروج بأسرع مما تريده لندن، ليرسم كل طرف طريقه للمرحلة المقبلة في أقرب الآجال. وبالتالي فإن أجندات السنتين للتفاوض على إجراءات الطلاق قد تُضغط زمنياً، من قبيل "خير البرّ عاجله"، أقلّه لتقصير فترة المرور بالتقلّبات المالية والاقتصادية، وللتخفيف من انعكاساتها السياسية. 

واذا كانت صعوبات بريطانيا مع قرارها باتت معروفة عموماً، من تراجعٍ للاقتصاد ومرحلة ركود داخلي وتداعيات اجتماعية يصعب توقّعها بدقّة، إلا أن مشاكل الاتحاد الأوروبي مع خسارة أحد أعضائه الكبار فليست واضحة بعد، وإنْ بات مؤكّداً أنه مجبرٌ على إصلاح عميق وربما إلى إعادة نظر جذرية في تركيبته وأساليب عمله وتحسين عوامل الجاذبية التي كان أو لا يزال يتمتّع بها.

اختارت بريطانيا الطريق الوعرلاستعادة ما يسمّيه عتاة يمينها المتشدّد "الاستقلال" و"القرار" و"السيادة"، وثمة مبالغة في ذلك لأن لندن حصلت من الاتحاد الأوروبي على كل الامتيازات والاستثناءات التي طلبتها، فحافظت على الجنيه ولم تنضم إلى منطقة "اليورو"، ولم تشملها خطوات الاتحاد السياسي، وأعفيت من اتفاقات توزّع اللاجئين وأعبائهم. ومع ذلك تبيّن أن المجتمع البريطاني كان في الأساس «أوروبياً رغماً عنه» وواصل طوال أربعين عاماً وضع عضويته في الاتحاد موضع تساؤل: نبقى أو نغادر؟ كانت لندن كافحت بإلحاح للإنضمام إلى ما كان «السوق الأوروبية المشتركة» بثمانية دول أعضاء عام 1975، لكن الفوائد التي توخّتها لندن تراجعت حين راحت تلك السوق توسّع لتتحوّل إلى اتحاد يضمّ دولاً تحتاج إلى مساعدة ورعاية تفوقان كثيراً نسبة مساهمتها في مجمل الاقتصاد الأوروبي. 

أحد أهم أهداف اليمين البريطاني المتشدّد أن يتلاقى في خياراته وأهدافه، كذلك مع «الثقافة» المتزمّتة التي يروّجها، مع طموحات من يماثلونه في البلدان الأوروبية، لكن بالأخص في الولايات المتحدة. وإذا كان اختطاف دونالد ترامب ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة الاميركية، رغماً عن هذا الحزب، يشكّل مؤشراً إلى اتجاه غربي لا ينفكّ يتصاعد ويترسّخ، فإن هناك تيارات متشدّدة صاعدة في عموم أوروبا، ولا سيما في ألمانيا وفرنسا، لم يعد ممكناً تجاهلها وقد عبّرت عن نفسها بمقاومة المهاجرين الأوروبيين واللاجئين العرب والأفارقة والآسيويين، كما بانتقاد السياسات الأوروبية عموماً، ولعل رئيس الوزراء المجري كان أحد ممثّليها البارزين بمواقفه بالغة العنصرية ضد استقبال اللاجئين. فما يهمّ هذا اليمين البريطاني الآن أن يطرح صيغاً جديدة للتعاون والشراكة الاقتصادية كبدائل من اتحاد أوروبي يعتبر ترامب أن الزمن تخطّاه بل كان الوحيد في العالم الذي أيّد مبكراً سعي البريطانيين الى مغادرته.

مع حسم الخيار البريطاني يبدأ هذا التوجّه لتوّه مخاضاً يبدأ من دون خريطة طريق واضحة المعالم، فقادة «الخروج» تجاهلوا مخاطر تفكيك المملكة المتحدة ولم يكترثوا لمخاطر تفكيك الاتحاد الأوروبي ولم يأخذوا في الاعتبار التغييرات الحاصلة في العالم وقد لا تكون لمصلحة مشروعهم. والأهم أن الصعوبات التي تنتظرهم تنذر بانعكاسات سيئة على ثقافتي الحكم والسياسة والقيم التي قامت عليها فكرة أوروبا المفتوحة والمتكاملة من أجل استقرار مجتمعاتها ورفاه شعوبها، بمقدار ما هي ملاذ الهاربين من الظلم والاستبداد.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات