لماذا لم يسجل الأوربيون أهدافاً كثيرة.. وأهدافهم متأخرة؟

لماذا لم يسجل الأوربيون أهدافاً كثيرة.. وأهدافهم متأخرة؟
تميزت بطولة أمم أوروبا لكرة القدم هذا العام بالاستنفار الأمني المكثف خوفا من تفجيرات كانت محتملة ومازالت، لكن البطولة أيضاً تميزت برقم قد يكون قياسياً بقلة أهدافها، إذ قال الخبراء إن "يورو2016" من أضعف نسخ البطولة، وذلك بعد أن كشفت الإحصاءات عن فقر في تسجيل الأهداف لم يسبق له مثيل منذ 20 عامًا، ففي المباريات الـ 15 الأولى من البطولة لم يسجل أي فريق أكثر من هدفين، وكان معدل التهديف في المباراة الواحدة في الدور الأول "1.9 هدف" في المباراة، وهذا معدل تهديف ضئيل بالقياس مع بطولات سابقة، خاصة وأن هذه النسخة من البطولة ضمت لأول مرة 24 فريقا خلافا للنسخ السابقة، وغالبا ما تقترن هذه الزيادة بدخول فرق ضعيفة نسبيا، مما يرجح كثرة في الأهداف، لكن العكس هو ما حصل وتميزت البطولة أيضا بأن أهداف المسجلة والقليلة جاءت أغلبها في أوقات متأخرة من المباريات، وهذا يعكس حسب ما يحلل المختصون حالة من التحفظ الشديد من قبل كل المنتخبات المشاركة، والانكفاء إلى الخطط الدفاعية في اللعب.

لا أدري هل هي تراتيب القدر أن تكون أوروبا بكليتها تعاني من ذات الحالة، ألا وهي حالة الانكفاء والتحفظ الشديد الذي يُفقد كرة القدم متعتها ويفقد أيضا أوروبا مكانتها في العالم، إذ يمكن الحكم بحق على الدور الأوربي في الآونة الأخيرة بأنه دور محدود بائس، في كل ما يحصل في العالم، أوروبا تلك التي كانت تفاخر بأنها القارة العجوز كدلالة على المجد والحضارة الراسخة، أصبحت فعلا عجوزا بدورها الذي أصبح ثانويا في العالم، فضلا عن حالة انتظار النتائج فقط وليس المساهمة في الأسباب، والتعامل مع هذه النتائج وهذا ما يحمل دائما مخاطر أن لا تكون هذه النتائج مرضية، وهذا ما حصل في البطولة إذ حددت نتائج فرق مصير فرق أخرى لم تستطع هي خطف بطاقات تأهلها بنفسها.

وكما في البطولة كانت الفرق تنتظر أن تصبح في خانة ضيقة معدومة الاحتمالات، حتى تعطي كل ما لديها (وهذا بدا واضحا من النتائج التي أوصلت الفرق إلى دور خروج المغلوب) حتى تلعب بشكل أفضل وبعضها خدمها الحظ فقط بعد أن استمرت هي بالدور الباهت المتحفظ، وكذلك في السياسية كانت أوروبا تنتظر نتائج كل ما يحصل في العالم لتتعامل معها ولم تكن فاعلة في السنوات الماضية، وفي الثورة السورية خير مثال إذ أن أوروبا ركنت إلى خيارات الولايات المتحدة، ولم يكن لها دور أساسي بل كانت تابعا حتى عندما تعرضت لموجة الهجرة التي كانت نتيجة لإجرام الأسد وإيران ومن ثم روسيا، لم تحاول أوروبا  أن تعمل إنهاء الأزمة من أصلها، ولم تدفع لذلك.

وعندما استلمت روسيا الملف برمته كانت محاولات أوروبا خجولة باهتة تمثلت بالدعوة لاجتماعات وعقد مفاوضات على أراضيها وبينما كانت يجول وزير الخارجية الروسية ويصول في العواصم الأوربية ويطلق المواقف ويحدد الأدوار، كان الأوربيون يكتفون بدور المراقب الخجول وكأن استضافة المؤتمرات تغني أو تكفي، أوروبا  التي قصرت تجاه أزمات الشرق الأوسط تعرضت ذاتها لأزمات أمنية واقتصادية ولم تحرك ساكنا تجاه أهدافها في تحقيق أمنها القومي.

وذات السيناريو كان في البطولة الرياضية التي لم تشهد مبادرات حقيقة من الفرق الكبرى ذات التاريخ العريق فعاقبها الحظ بأن حشر الفرق الكبرى في الأدوار الاقصائية معاً لتصفي بعضها ومنح الفرق حديثة العهد فرصا استثنائية لتثبت وجودها وليكون لها دور في بناء أوروبا  بعد أن تعفن الدور تاريخيا وأصبح تقليديا كلاسيكيا تابعا لا أكثر رغم كثرة التحديات، وهذه التحديات تشبه إلى حد كبير تحدي مباريات كرة القدم إذ أن الفرق كانت تلعب معظم الوقت كي لا تخسر فقط ولم تبدو لديها أهداف بالفوز وهذا ما يفسر تسجيل الاهداف في أوقات متأخرة من المباريات وعلى الصعيد السياسي والأمني كانت أوروبا بكل دولها تحاول إبعاد الحرائق عنها فقط ولا تحاول إخمادها حتى عندما وصلت الحرائق إلى قلب باريس مثلا وبروكسل عاصمة أوروبا.

بطولة كرة القدم كانت أممية لكنها تميزت بالفردية وبناء المجد الشخصي للاعبين سعيا لمصالح تسويقية فردية، ولم تكن هواجس المجد الوطني واضحة على أغلبهم، وهذا ما يشبه أيضا حالة التفك في الموقف الأوربي وبدايته الفعلية في خروج بريطانيا من الاتحاد واحتمال انفراط عقد المملكة المتحدة، بسبب الفردية وحالة التقوقع المنشودة.

لا يمكن أن تكون سوريا وثورتها وأزمتها المتصاعدة في كل المجالات سببا لمآسي أوروبا، لكنها بل شك عامل مؤثر، والأهم أنها كانت محكا جديدا لقدرة أوروبا على المساهمة في صياغة شكل المنطقة وعلى قدرتها في أن تكون قوة مؤثرة كما كانت وكما هو مطلوب منها لأنها من شكلت المنطقة في وقت سابق، لكنها بدت مستسلمة للتابعية للولايات المتحدة وبعد تدخل روسيا عسكريا لم يتغير الموقف وكانت تحاول الحفاظ على مصالحها وترك المنطقة تشتعل حتى أنها دخلت في لعبة ابتزاز في قضية اللاجئين مع تركيا لم تربح فيها ولم تربح تركيا لكن الشعب السوري خسر.

أوروبا العجوزة أصبحت مهددة بكيانها وأصبحت صورتها باهتة حتى تجاه شعوبها، وغاب دورها وألقها وما بطولتها الرياضية التي تجري حاليا إلا صورة من الغلو في التحفظ والتقوقع لن يثمر إلا انفضاض العالم عنها ولن تعود مركز ثقل كما كانت إذ أنها لم تستثمر فرصا عدة حتى باتت تدفع الخطر عن نفسها وهو يداهمها في عقر دارها هي التي كانت تدافع عن نفسها يوما على بعد قارة.

التعليقات (1)

    عبد الله

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    يكفي انه حضرتك مركز ثقل أستاذ، قال كرة القدم قال
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات