رحِبوا جميعا بعودة "بشار الأسد" إلى حضن الوطن

رحِبوا جميعا بعودة "بشار الأسد" إلى حضن الوطن
حضن الوطن هذا المسمى الميتافيزيقي الذي يلف الغموض دلالته، واحد من  اختراعاتنا التي رعتها الدولة الأسدية، فهو يرمز تارة للحيز الجغرافي الذي يعرف بالوطن بحدوده الطبيعة بالنسبة لمواطنيه وتختلف بذلك المساحات، من الوطن الكبير إلى المدينة، القرية، الحي، الحارة أو البيت، وقد يكون حضن الوطن مجرد شعور بالانتماء أو انطباع حول وطن مفترض لا تعرف معالمه، بل هي مجموعة ذكريات أو ذاكرة كاملة صاغتها حكايات ومواقف ومر فيها شخوص وأخبار فتكونت وكان الوطن ذاكرة أو شيئا يُطال بتذكرة سفر، لكن بالنسبة لبشار الأسد قد لا تكون هذه الاحتمالات هي من تشكل وعيه للوطن، وهذا منطقي بالنسبة لمن صاغ حافظ الأسد ذاكرته إلى تمكن من ذروة سنام السلطة في هذا الوطن، الذي أحاله وجيشه ذكرى لملايين البشر الذين بنوه بالمُقل.

خلال الفترة الماضية مر بشار الأسد بمراحل ومواقف حملت تناقضات من الجدير الوقوف عليها ليس لأن بشار هام لدرجة تتبع أفعاله أو تصرفاته وهو الذي أصبح خارج السياق، وأضحى في موقف لا يحسد عليه بعد ضاقت خياراته سوى بالاستمرار بالحرب الحارقة، وليس الوجود الأخير في صلاة العيد بغريبة عليه وهو الذي دأب عليها كتقليد يمارسه معظم الرؤساء في الدول الإسلامية وإن أصبح هذا الفعل محل مراقبة في السنوات الخمس الماضية، وقد يحسب البعض الانتقال للصلاة في حمص دلالة على انتصار ما، بحكم أن بلد ابن الوليد سُجلت كعاصمة للثورة قبل أن يخذل ثوارها ويتركوا إلى أن غادروها مرغمين؛ لكن في الحسابات السياسية لا يمكن أن تحمل الرحلة إلى حمص أكثر من كونها رحلة عادية لشخص يلعب دور الرئيس لبلاد لا يستطيع أن يفرض فيها سلطته على مدينة تبعد عن قصره كيلومترات معدودة كـ"داريا"، لكن الأسد في قبل شهر وقف أمام برلمان نظامه وألقى خطابا اتصف بالحدة والتطاول على كل "المكتسبات" السياسية القليلة والانقلاب عليها بشكل واضح، وهو ما دفع بعض التُبع إلى اعتبار الخطاب بمثابة انطلاقة جديدة لمرحلة حرب قادمة بعض سلسلة خطابات انهزامية، خاصة وأنه سرح بخياله لدرجة الحلم بأن يستعيد كل شبر من سوريا إلى حظيرته.

ولم لبث هذا الشعور بالنشوة أن تبخر تماما حين ظهر بشار الأسد الحقيقي أمام مشغليه في مظهر بائس يستقبل أو يُستقبل من قبل جنرال روسي وصل مكتبه (مكتب الأسد) دون أن يعرف من هو، وهذه في عرف السياسية أو عرف حرمة البيوت إحدى كبائر العيوب الأخلاقية، أن تنتظر زائرا لا تعرفه ويفرض عليك أن تستقبله وكأن الأمر استدعاء في عقر الدار ليس إلا، ولبشار سابقة بالاستدعاء إلى موسكو ومن موسكو، وما كان من المشغل الروسي إلا أن استغل الموقف على أكمل وجه يريده بعد أن صور اللقاء، وعرضه كاملا على وسائل إعلامه التي أظهرت بشار الأسد بموقف الصغير المستمع وعرته وهو يتلقى الأوامر وحيدا سوى من كاتب سيذكره في قادم الأيام بـ"الأوردر".

ومضت الحادثة وكما عهدناهم تُبع الأسد ابتلعوها لتبدأ بعدها رحلة عودة بشار الأسد إلى حضن الوطن، وكأنه يحاول أن يستعيد شيئا من توازنه أمام من يقاتلون ويقتلون ويقتل أولادهم فداء لكرسيه الخلبي، الذي لا يبدو أنه هو شخصيا قادرا أن يجلس عليه، فنصحه أحد مستشاريه الأغرار بأن يظهر بمظهر القائد صاحب الهيبة بعد أن كسرها الجنرال الروسي، فكانت زيارة الأسد إلى خطوط القتال التي أعدت لغرض الزيارة فقط، وكانتقام من الصور الروسية رافق الأسد مصوروه والتقطوا له كثير الصور على الجبهات، يشارك عسكره طعامهم الذي أُعد أيضا لذات الغرض "الصورة" والتقطوا له صورا أيضا بجوار بعض أصحاب الرتب يقدمون له التحية العسكرية كقائد، علها تعوض شيء من تذلله أمام الجنرال.

مستشار الأسد يعلم جيدا أي حال وصل إليها الرجل ويدرك أن الخطاب التعبوي في المجلس كان يمكن أن يضفي شيئا من السكينة ورفع المعنويات للتُبع لفترة مؤقتة، لكن هزة الزيارة الروسية جعلت الجميع يعيد حساباته وما كانت فتوى الذهاب إلى خطوط القتال وبعدها الذهاب بعيدا عن دمشق لأداء صلاة العيد إلا لإعادة الأسد لحضن وطنه الصغير المتبقي، ومواطنيه الذين علقوا مصيرهم بمصيره، وهؤلاء جميعا يدركون أن الأمر محسوم، وما الرهان إلا على الوقت على أمل أن تتحسن الشروط ويصار إلى حل العقدة، أما حضن الوطن ذاك الكبير بحدوده الجغرافية الكاملة وبذكرياته وذاكرته فلن يكون يوما مآبا لا للأسد ولا لتبعه ولا لمستشاريه.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات