صحيح أن الحذر، وحتى الخوف، يتصاعد، إلا أنه لم يعد هناك خيار آخر غير "التعايش مع الخطر". فالقاعدة الأولى في الحياة اليومية باتت تفترض أن غريزة العيش الطبيعي وعدم الشك التلقائي في أي شخص باتا حليفَين لأي إرهابيين فرادى أو مجموعة، إذ يعتمدون على انصراف الناس إلى شؤونهم فيما هم يخرجون من جحورهم لممارسة شرورهم. أما القاعدة التالية فهي توقّع غير المتوقّع من هذا التنظيم وأنصاره في أي زمان ومكان، وإذا بلغ الأمر في بعضهم أن يقتل شقيقاً أو شقيقة، أو يجازف بحياة والدٍ أو والدة، فقد تعطّل لديه كل وازع داخلي، وفُقِد كل أمل في أن يُثني نفسه عن أي قتل لمجرد القتل. بالطبع يبقى مثيراً للذهول هذا الاستسهال للانتحار كما لو أنه مجرد نشاط قتالي، مثله مثل غيره. هذا ما ينبئ به فيديو أحد انتحاريي مطار اسطنبول الذي أصيب وأمضى بعض الوقت قبل أن ينجح في تفجير حزامه.
أراد التنظيم باستهدافاته، بين جدّة والقطيف والمدينة، أن يذكّر بأساسيات أيديولوجيته، ظنّاً منه أنه بعد الجرائم الوحشية التي ارتكبها، وحرص على توثيقها، لا يزال هناك مَن يصدّق أنه ملتزم وصاحب مبادئ. لكنه لم ينجح في أي عملياته الثلاث، ضد ثاني الحرمين الشريفين أو ضد المسجد الشيعي والقنصلية الأميركية، فما حصل أن المنفذين بادروا إلى تفجير أنفسهم إمّا مخافة اعتقالهم وهو ما لا يسمح به التنظيم أو لأنهم فوجئوا بانكشافهم، وأدّى هذا الانكشاف إلى الحدّ من فاعليتهم وبالتالي من ضحاياهم. غير أن الفشل الأهمّ يبقى في أن "داعش" لم يحصل ولن يحصل على الفتنة التي يسعى إلى إشعالها في السعودية، كما لن يتمكّن من إملاء شروطه على الدولة في تركيا.
ورغم أن هزيمة "داعش" باتت تبدو ممكنة في العراق، إلا أن الأوضاع العامة للحكم العراقي لا تنفكّ تفسد مكافحته للقضاء عليه. ففيما تبدي السلطات الأمنية في كل مكان مزيداً من اليقظة، أظهر تفجير الكرادة وتداعياته أن إجراءات الحماية تعاني من ثغرات أو اختراقات ما لبثت أن انعكست ارتباكاً في الأداء الحكومي وحركة إقالات للقادة الأمنيين، بغضّ النظر عن تورّطهم المباشر أو عدمه. وهذا يحيل إلى القاعدة الثالثة التي يستند إليها "داعش"، وهي أن منظومة الفوضى الميليشياتية والفساد الممأسس تشكل بيئة مواتية ليس فقط لظهور كل أنواع التطرّف والإرهاب بل خصوصاً لإدامتها حتى لو طُرد الإرهابيون من معاقلهم.;
التعليقات (1)