درس تركي.. اخلع واخرج عارياً فأنت خائن!

درس تركي.. اخلع واخرج عارياً فأنت خائن!
من سوريا إلى تركيا: اللي بيقتل شعبه خاين.. "هاين...هاين" إحدى الصرخات التركية التي واجه فيها الشعب التركي الإنقلابيين، وهي نفس الصرخات التي أطلقها الثوار في درعا في بداية الثورة السورية وصرخوا :"اللي بيقتل شعبه خاين"  وأصبحت هتافا وتحول الهتاف إلى أقوى أنشودة ثورية معبرة دالّة وسبق الثوار السوريين الجميع بهذا المفهوم للخيانة.

في تركيا كان من قبيل التناقض الشديد الذي لم نفهمه منذ سنين أنك ترى مراراً أفراد عائلة كبيرة ترافق ابنها إلى كراجات الانطلاق وهو متوجه لأول يوم لأداء الخدمة العسكرية وهم فرحون به و يهتفون له ويباركونه بالأدعية والأذكار ....كأنهم يزفونه إلى الجيش زفّا ...وعندما سألنا كبارهم عن ذلك وتقصينا عن ذلك  الاحتفاء في سائر تركيا وجدناه متجذرا قديماً ولايزال لازما عند أغلب الأتراك خاصة من يعيشون في المدن الصغيرة, و عدنا لما هو مكتوب ومدرج في التاريخ  فوجدنا أن الاتراك يعتبرون العسكرية شرف ومعظمهم إذا توجه ابنه للجيش لأداء خدمة العلم يحتفل به ب"مولد" خاص وأهازيج اسلامية قديمة ويزفه إلى مكان سفره للجيش زفّا.

وسألنا كثيرين عن هذا الأمر فقالوا :نعم جيشنا محمدي والرسول أخبر عن جيشنا ... الجيش في تركيا محمدي ... ...الجيش في تركيا مقدس...وقلنا لهم: "لكن الجيش في تركيا علماني بل هو حامي العلمانية كما يكرر جميع الواصفين فكيف يكون جيشا محمديا؟"....ولم يكن من جواب على هذا إلا غمغمات وتمتمات وملخصاً مفاده :"لا نعرف كيف , افهموها كما تشاؤون...ما تشرَّب فينا أن الجيش في تركيا محمدي وأنه مقدس ومن يلتحق به يصبح ذو شرف عظيم".

 ولم نعرف بل لم يعرف أحد كيف يكون هذا التناقض الصارخ في تركيا ممكناً حتى أتت الساعات التركية الست التي عطفت تركيا انعطافة تاريخية عظيمة وأظن أن الشعب التركي سيجني ثمارها لسنين وسنين،

كثيرون اعتبروا تلك الساعات كابوساً على تركيا وليلة سيئة حالكة ظلماء وأن الاشراقة أتت مع الصباح وأنا شاهدت في ليلة الانقلاب أجمل وأرقى مشاهد أشاهدها خارج الأرض السورية المباركة...

قلت في بداية محاولة الانقلاب بهدوء شديد: الآن تبين الأمور فإذا خرج الأتراك ليحموا قيمهم وأرضهم ومكتسباتهم فهم فعلا يستحقون الحياة ...والمدهش أن الأتراك لم يتأخروا لحظة واحدة وعندما تأكدوا أن الجيش فعلاً يقوم بمحاولة انقلاب طاش صوابهم وانطلقوا بغضب وحنق شديدين والتحموا بالانقلابيين بدون أي سلاح إلا الغضب الشديد والشعور بالهوان أن هناك من نجس جيشهم المقدس...التحموا بالضباط والجنود فورا وصعدوا على دباباتهم وآلياتهم وبدأوا يُبلغون العساكر المنقلبين غضبهم الشديد...لقد كان تبليغ غضب وتفريغ غضب ورسائل غضب...رسائل غضب لو أنفقت ملياراتٍ لما استطعت انتاج مثلها...

وتوج الأتراك غضبهم على المنقلبين بإجبار الضباط والجنود ليس فقط على القاء سلاحهم ومغادرة آلياتهم بل بإجبارهم على نزع الملابس العسكرية والخروج في الشارع أمام الجميع حفاة عراة أذلّة صاغرين... لأول مرة يحدث هذا و يا له من أمر فريد عظيم و يا له من مشهد مهيب, الشعب ينتزع من المنقلبين الشرف والهيبة و يقول للضباط والجنود وهو يعرّيهم من ملابسهم العسكرية:

-أنتم تهينون الجيش التركي و تهينون منزلة الجيش التركي ...أنتم عار على العسكرية التركية ...لماذا تديرون السلاح إلى صدور إخوانكم ؟لماذا تجهضون مكاسب شعبكم؟....لماذا تطلقون النار على الشعب؟...أنتم خونة...من يقتل شعبه خائن وبلا شرف ويجب أن لا يرتدي أي شيء يدل على الشرف.

لقد كان من تركيا درساً ورسالةً يمكن للأحرار أن يقتبسوها ليجعلوا منها "هاشتاغ" يرسلوه لكل جيش عربي يذعن لمستبد أو مستعمر ويستجيب لأوامر قمع الشعب وقتله وتكبيله..  رسالة مختصرة: "العسكرية شرف ومن ينفذ الأوامر ضد شعبه يخون الشرف وينزع عن نفسه بنفسه الشرف وستُنزع عنه ملابسه العسكرية وسيخرج عاريا أمام الناس مكللا بالعار والصَّغار"..

"هاشتاغ": (انزع ملابسك...اقلع ...اشلح....) سيكون مفهوما للجميع بعد الدرس التركي وإن أشاعه الأحرار العرب وعملوا عليه وطبقوه فقد يصبح كابوساً على العسكر الذين انقلبوا ضد شعوبهم وضد خيارات شعوبهم أو كانوا مطية للمستبدين ضد شعوبهم في العالم العربي...

"هاشتاغ انزع ملابسك " تطبيقه سهل ويسير وليس فيه تبعات شرعية أو عرفية كبيرة فإذا أرغم المواطنون ضابطا انقلابياً أو ضابطا مطيَّة للانقلابيين أو فرداً مطيّة للمستبدين والمطايا كُثر وبلا حماية, فتكاثر الناس عليه وأرغموه على نزع ملابسه العسكرية أو المدنية وأخرجوه في الشارع عاريا وصوروه ونشروا صوره على الشبكة فقد يكون في ذلك ايقاظا وردعاً وتطبيقا لفصل من فصول الدرس التركي الكبير.

الأتراك في ست ساعات سجلوا في التاريخ درساً وانجازا عندما اندفعوا بعنفوان عظيم لينقذوا بلدهم وربما يكونون قد نجحوا في استئصال فتنة وفكرة الانقلابات العسكرية في تركيا إلى الأبد.. لقد كانت مشاهد لا تنسى ولقطات تاريخية فريدة ملفتة.

إنه الدرس التاريخي التركي الحديث لكل انقلابي ينقلب على شعبه : اخلع واخرج عارياُ فانت خائن وعار.

التعليقات (2)

    علي رشيد الحسن

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    أصبت يا صديقي هذه الثقافة متجذرة في نفوس الأتراك من القدم أما الشعوب العربية والسوريه خاصه يعرفون أنهم ذاهبون لخدمة شخص وإلى الفساد ذاهبون لذلك يبدأ الحزن عليها علينا تهيئة جيل كامل حتى نفهم ذلك

    يونس قاسم

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    إن (ثورة )تقوم على الجيش،ستجعل الجيش أداتها ،وسيبتلعها الجيش ليحرفها عن أهدافها وتتحول لمشاريع متناقضة ،ينتصر فيها الأخبث المالك للقوة ،كما حدث في الجيوش العربية ،التي لم يبق لها من ميثاق الشرف الوطني إلا إخضاع الشعب للسلطة ،والتكسب على هامش هذه المهمة المشينة ،ولن تقوم للعرب قائمة وجيوشهم تتحزب وتعاطى السياسة.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات