بداية لابد من التوضيح بأن قتل أي طفل في الحرب وعلى هامشها هو جريمة كارثية، واستهداف الأطفال حتى لو عن طريق الخطأ هو أيضاً جريمة كبيرة، واعتقال الأطفال أو تهجيرهم أو تحويلهم لـ (شبّيحة) هو إثم ما بعده إثم، وتجنيد القُصّر والاستعانة بهم بأي عمل عسكري هو جريمة حرب.
وعليه، ومن منطلق دعم حرية الناس في التعبير عن رأيهم، يمكن التأكيد على أنه من حق أي شخص أن ينتقد ويُجرِّم كل فصيل يقتل طفلاً خلال الحرب، ومن حقّه المطالبة بمحاكمته والقصاص منه، بل ومن كل فصيله، لكن ليس من حقّه النظر لجزء من الصورة والاكتفاء برؤية زاوية صغيرة منها، خاصة وأن بقية اللوحة ممتلئة بدماء عدد لا يُحصى من الأطفال السوريين الأبرياء الآخرين.
لا يحق لهؤلاء (الرقيقين) أن ينفطر قلبهم على إعدامٍ بشعٍ لطفل، وفي الوقت نفسه أن يغضّوا الطرف عن قتل النظام السوري لنصف مليون شخص (الكثير منهم أطفال)، وأن يتناسوا استخدام النظام للأطفال كدروع بشرية، وأن يتجاهلوا تجنيد النظام للأطفال وجعلهم وقوداً لحربه، وأن يتناسوا أن النظام شرّد تسعة ملايين سوري، نحو ثلثيهم من الأطفال، وحرم ثلاثة ملايين طفل من التعليم، ويتّم نحو مليوناً، وتسببت حربه بإصابة نحو نصف هذا العدد من الأطفال بعاهات دائمة.
دون رؤيتهم لكامل الصورة، يمكن براحة ضمير تكذيب كل عواطفهم، وتسخيف كل انتقاداتهم، وتأكيد انحيازهم للقتل لا للحياة، والتأكيد على أن (انفعالهم) و(حميتهم) لن تساهم في حماية الطفولة، أو في إنقاذ ما تبقى منهم في سورية.
بات أمراً مكرراً الإشارة إلى أن النظام استغل الأطفال في عمليات القتال المباشرة وغير المباشرة، وأن ميليشياته قبلتهم كمقاتلين بغض النظر عمرهم، واستغلهم تنظيم الدولة الإسلامية -الذي هو بدوره أحد نتاجات حرب النظام - كانتحاريين، واختطفهم حزب كردي - مهادن للنظام - ليقاتلوا مع الكبار، واستهترت بهم فصائل معارضة - وهي نتاج حرب النظام - وأجرمت بحقهم وفق المقاييس الإنسانية.
ما قبل الثورة، وطوال عقود، اعتقلت المخابرات السورية الأطفال وعذبتهم من أجل الضغط على أسرهم للوصول إلى أفراد منها كالآباء والأخوة، وقضى الكثير منهم تحت التعذيب، ومع بدء الثورة، مارس النظام نفس (الانحطاط) الأخلاقي، فلم يجد إلا المدارس والملاعب لتحويلها لثكنات عسكرية، واستهدف حدائق الأطفال ببراميله، واقتاد آلاف الأطفال إلى السجون، حيث أُهينوا وعُذّبوا، وكبروا قبل أوانهم، ثم توّج عملياته بقتل أربعمائة طفل في غوطة دمشق بالسلاح الكيماوي.
خلال السنوات الخمس الأخيرة، قُتل في سورية أكثر من 25 ألف طفل، 98% منهم بيد قوات النظام، وبات في سورية طفل معتقل كل يوم، وأربعة أطفال قتلى كل يوم، ومعاق واحد على الأقل كل يوم بسبب حرب النظام، وبلغت نسبة القتلى الأطفال نحو 7% من إجمالي الضحايا، في حين أن النسبة في حالات الحروب بين جيشين هي 2%، أي أن النظام السوري قتل ثلاثة أضعاف ما يمكن أن تقتله أي حرب وسخة، مما يدل على حقد مُفرط وقتل منهجي للأطفال.
جنّد النظام السوري، وجيش الدفاع الوطني، واللجان الشعبية، وكتائب البعث، أطفالاً يُزجّ بهم في الحرب بعد أسبوع من التدريب، والأكثر حظاً أُرسلوا إلى إيران بدورات تدريبية سريعة يعودوا كقناصين، ودفعت الصبغة الطائفية لحرب النظام الكثير من الأطفال للحماسة للدفاع عن طائفتهم دون تفكير، وشارك تنظيم الدولة الإسلامية في تجنيد الأطفال أيضاً، وهلل قياديوه لوجود الأطفال بينهم واعدين بدخولهم للجنة، وتورط حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ليس فقط في تجنيد الأطفال الذكور بل والإناث أيضاً، وقضى العديد منهم في (ساحات الوغى)، ودافعت إحدى كبار القياديات الكرديات عن تطوع القاصرات بالحرب وقالت إنه أمر طبيعي، وبالإضافة لتلك الأطراف، قامت بعض فصائل المعارضة المسلحة بضمّ أطفال إلى صفوفها، لنقل المؤن وتهريب السلاح، وأخفقت في حماية الأطفال بسبب تنفيذها أعمالاً حربية داخل مناطق مأهولة.
لوقف آفات النظام التي أصابت بالعدوى بعض فصائل المعارضة، تحتم المسؤولية الأخلاقية والتاريخية وقف الحرب فوراً، ومحاسبة كبار قياديي النظام السوري المسؤولين عن القتل وعن تحوّل سورية إلى مستنقع حربي، يغرق فيه الأطفال قبل الكبار، ومحاسبة أمثالهم من المعارضة، حتى يتم إنقاذ ما تبقى من هذه الشريحة الغضة من المجتمع السوري.
التعليقات (3)