الانقلاب التركي وإشعال المنطقة

الانقلاب التركي وإشعال المنطقة
ربما سقط الانقلاب، وربما توقعته الحكومة التركية، وربما لم تكن تدري به، وربما استفادت منه لاقتناص الفرصة لتحييد خصومها.. ولكن من غير جدل لا يمكن لحوالي عشرين ألف عسكري وقادة جيوش وقادة ألوية ومستشارين عسكريين وعمداء جامعات وطيارين وأساتذة جامعات أن ينسقوا فيما بينهم لإنجاز انقلاب عسكري ضد حكومة شعبوية وجماهيرية تستلم السلطة منذ أربعة عشرة عاماً دون استعانتهم بداعم خارجي.

وحتما ستكشف لنا الأيام حجم التدخل والتورط الغربي والأميركي خصوصاً في هذا الانقلاب الفاشل، لاسيما حينما نعرف أن الانقلاب اتخذ  نقطة بداية له من قاعدة انجرليك التي تعد عصب حلف الناتو في المنطقة والشرق الأوسط، ويشرف عليها وعلى أمنها بشكل مباشر أيضاً حلف الأطلسي الذي تديره الولايات المتحدة بالوكالة عن الغرب، حيث ظهرت من بين اعترافات المنسقين لمحاولة الانقلاب الفاشل أنهم اجتمعوا عشرات المرات خلال ستة أشهر في القاعدة، ومن غير المنطقي أن تكون الاستخبارات الأميركية غافلة عن هذه الاجتماعات، ومن غير المعقول أن تنطلق من القاعدة تلك، طائرتان لتزويد طيران الانقلابيين بالوقود، بل كان تصريح جون كيري الرهيب وهو في موسكو، أن الولايات المتحدة تدعو الاتراك للمحافظة على السلام والاستمرارية في التعاون مع الحلف.

كل هذا يأتي في خضم المواجهات الباردة بين أنقرة وواشنطن، على مدار السنة الماضية، ولكن إن أضفنا لها أن الطيار التركي الذي أسقط الطيارة الروسية في نوفمبر 2105.. كان من ضمن من اعتقلوا من الطيارين الانقلابيين الذين قصفوا أنقرة.. لاستطعنا تلمس عمل حثيث وجاد لتوريط تركيا وأردوغان بمواجهات حقيقية وامتحانات قاسية قد تودي فعلياً لإنهاء حالة الصعود الكبير في اقتصادها ومكانتها السياسية.

ولكن ما فعلته الولايات المتحدة في تركيا يتسق بشكل كامل مع ما تقوم به في عموم الشرق الأوسط والمنطقة العربية، من إشعال الأزمات وعدم ايجاد حلولٍ حقيقية لما تعارف عليه المحللون بالمظلومية السنية، التي تتعزز يوماً بعد يوم في دول مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان.. فما بالك إن سقط وبشكل مذل من يرى فيه هؤلاء نموذجاً قيادياً للزعامة السنية كما يعتقدون.

دون أن ننسى أن الانقلاب الحقيقي في تركيا ليس بما قام به الجيش، بل بالموقف الأميركي الذي حصل أثناء الانقلاب، فالولايات المتحدة التي عمدت وعلى مدار عشرين عاماً على ترويج النموذج التركي والماليزي للعالم العربي، كنماذج مستقبلية واقتصادية يجب على العرب اتباعها في بناء بلدانهم لإنجاز دول اسلامية معتدلة متطورة اقتصادياً ومترافقة مع احترام كبير للقضاء والديمقراطية وحقوق الانسان والصحافة.. وعلى مدار هذين العقدين كان النموذج التركي هو الأقرب في المراقبة وهو الأكثر طرحاً من قبل باراك أوباما الذي ألقى خطاباً خاصاً موجهاً للأمة العربية مع بداية ولايته الأولى في جامعة القاهرة، وتوجه بعدها إلى اسطنبول للقاء أردوغان.. حيث أوّل كثيرون هذه الخطوة أنها مباركة من أوباماً لأردوغان كي ينفتح على العالم العربي للإفادة من التجربة التركية، وهذا ما حصل فعلياً بعد سقوط الديكتاتوريات العربية، حيث عمد أردوغان إلى تقديم  النصائح مباشرة لمرسي مصر ومرزوقي تونس وليبيا، بل وحتى وجه عشرات الرسائل للأسد تتضمن نصائحاً إصلاحية وسياسية.

هذا كله كان قبل التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، وقبل التدخل الروسي في سوريا، وقبل الانفجار الداعشي وإدراك الغرب أهمية إشعال الصراع السني الشيعي.. وهل هنالك أفضل لإذكاء المظلومية السنية من إقصاء أحد أكبر زعماء السنة عن الواجهة كي تتعزز العقدة والمظلمة وبالتالي تشتعل الأزمة أضعافاً وأضعافاً.

فلو سقط أردوغان في تركيا، لاشتعلت آلاف الخلايا النائمة في أوروبا للانتقام، ظناً منهم أنهم يردون الأذى ويدفعون الظلم عن أنفسهم، يستطيع المرء قراءة هذا حتى مع إفشال الانقلاب والإحساس الكبير لدى العامة أن المؤامرة تكبر وتستفحل ضدهم، طبعاً لن تستوي الأمور في العالم حتى إصلاح الأمر في سوريا والعراق، وحتى يعود الوحش الطائفي القاتل، والوحش الطائفي المقتول، كلٌّ إلى قمقمه.

التعليقات (1)

    kk

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    يسلم هالتم يلي من دهب..
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات