شتان بين القيادة والقوادة

شتان بين القيادة والقوادة
القائد الوطني الحقيقي هو الذي يحقق أكبر الانجازات لبلاده بأقل الخسائر البشرية والمادية، فلا يورط شعبه ولا وطنه في أي مغامرات تعود على الشعب والبلاد بكوارث مادية وبشرية هائلة من أجل تحقيق أهداف هزيلة. ويعمد القادة الأوروبيون والأمريكيون عادة على إنجاز أكبر الأهداف الاستراتيجية بأقل الخسائر البشرية، وقد تعلم الرئيس الأمريكي الحالي أوباما الدرس جيداً من سلفه الأخرق جورج بوش الذي كلف أمريكا كثيراً على الصعيدين البشري والمادي في أفغانستان والعراق، فامتنع أوباما عن التورط في المستنقعات الشرق أوسطية في العراق وسوريا وليبيا والعراق واليمن، وبدلاً من ذلك اعتمد على قوى خارجية لتحقيق أهدافه في المنطقة، مستخدماً تكتيك القيادة من الخلف كي لا يدفع ثمناً مادياً وبشرياً هائلاً مقابل الأهداف الأمريكية المنشودة. 

وبينما كلف جورج بوش الابن أمريكا مليارات الدولارات في العراق وأفغانستان، حقق أوباما أهدافاً أكبر بأشلاء العرب وأموالهم دون أن يخسر دولاراً أو جندياً أمريكياً واحداً.

 

وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ألا أنه يُحسب له أنه خاض كل معارك سوريا على أراضي الآخرين، ونجح نجاحاً باهراً في تجنيب سوريا الكثير من الكوارث والحروب والمؤامرات والأفخاخ الإقليمية والدولية. لا أحد ينكر أن حافظ الأسد تاجر بالقضية الفلسطينية وبلبنان والعراق، لكنه في الآن ذاته كان يحاول دائماً أن يُبقي سوريا شعباً ووطناً بعيدة عن أتون النار الإقليمية والعربية، فحارب في لبنان، واستخدم الفلسطينيين لأهدافه السورية، ولم يتوان عن إرسال قوات سورية لمحاربة النظام العراقي إلى جانب قوات التحالف التي قادتها أمريكا لإخراج قوات الرئيس العراقي الراحل صدام حسين من الكويت. كل ذلك لتأمين مصالحه ومصالح بلاده.

 

قل عن حافظ الأسد ما تشاء، وستكون على حق، لكن لن تجد سورياً واحداً مؤيداً أو معارضاً يمكن أن يتهمه بتعريض سوريا الشعب والوطن للخطر. لقد نجح الأسد الأب على مدى عقود في حماية سوريا واستغلال القوى الدولية والإقليمية لتأمين بلده. وبينما نجد إيران الآن تدير سوريا من بابها إلى محرابها، كان حافظ الأسد يتلاعب بالإيرانيين، ويستغلهم من أجل حماية نظامه وبلده، بحيث تنفس القادة الإيرانيون الصعداء عندما توفي حافظ الأسد. وقد قال مسؤول إيراني كبير وهو يعزي بوفاة الرئيس السوري في السفارة السورية في طهران حرفياً: " لقد أزاح الله الجبل من أمامنا"، قاصداً طبعاً حافظ الأسد. وقد سجل السفير السوري صقر الملحم كلمات المسؤول الإيراني وقتها الذي ظن أن لا أحد يفهم اللغة الإيرانية وهو يوقع سجل العزاء في السفارة، لكن السفير الملحم كان يتقن الإيرانية، ونقل ما قيل على لسان المسؤول الإيراني في كتاب جديد للملحم حول تجربته الدبلوماسية.

 

لقد ارتكب الاسد الأب مجازر يشيب لها الولدان بحق السوريين، وخاصة في حماة، لكنه حافظ على سوريا، ولم يحولها إلى ملعب لم تبق جهة إلا واستخدمتها لتصفية حساباتها على أراضيها. وظلت سوريا على مدى فترة حكم الأسد الأب قوة عربية يُحسب حسابها. أما اليوم، فلم يعد السوريون يمسكون بزمام أمورهم في عهد الأسد الابن، بعد أن أصبحت القيادة السورية مجرد أداة في أيدي إيران وروسيا وحتى بعض الميليشيات الطائفية القذرة. لم يعد هناك هدف لدى القيادة السورية الحالية سوى الحفاظ على سلطتها حتى لو تشرد نصف السوريين، وتحولت ثلاث أرباع سوريا إلى ركام، وأصبحت العملة السورية برخص التراب.  لقد أصبحت السيادة السورية في عهد بشار الأسد محصورة بين الأرجل الأربع للكرسي الذي يجلس عليه بشار، ومع كل ذلك ما زلنا نسمع أبواق النظام وهي تتفاخر بحنكتة وبراعته في القيادة. وأكثر ما يقهرني عندما أسمع بعض التافهين من سياسيين وإعلاميين يطبلون ويزمرون لبشار الأسد وهم يستغلون أي حادثة داخلية أو خارجية ليصوروها نصراً مؤزراً لصالح القيادة السورية، لا بل ينسبونها لذكاء وبراعة القيادة التاريخية. فحتى لو وقع حادث في جنوب غرب المريخ، يخرج علينا بعض السخفاء ليقول إن أكبر المستفيدين من الحادثة سيادة الرئيس بشار الأسد، وكأنه  يريد أن يقنعنا بأن بشار يدير العالم بذكائه الخارق وقيادته الفذة. لا شك أن النظام السوري الحالي مقامر ناجح جداً، وغالباً ما يربح، لكنه يقامر بأشلاء سوريا شعباً ووطناً من أجل مصالح سلطوية ضيقة جداً على عكس القادة العظام الذي يفعلون المستحيل لتجنيب بلادهم وشعوبهم الكوارث.

 

وعندما أسمع بعض المشعوذين ييتباهى بفن القيادة لدى النظام السوري أتذكر ذلك الشخص الذي سطا على بيته مجموعة من اللصوص، وراحوا يعبثون بمحتويات البيت، ويغتصبون بعض أفراد العائلة، ويقتلون البعض الاخر، بينما رب البيت يتحالف، ويناور مع اللصوص لإنقاذ رقبته، فيما اللصوص يعيثون اغتصاباً وخراباً ودماراً ببيته. لقد أصبحت القوادة على الوطن في نظر المطبلين والمزمرين لنظام الأسد الصغير استراتيجية سياسية عظيمة وحنكة وحكمة لا مثيل لها في التاريخ السياسي. ونحن نقول لهم: لا شك أن بعض الزعماء قد ينجح في الاستعانة بكل حثالات الأرض لحماية نظامه وعرشه، ولو على حساب تدمير وطنه وتشريد شعبه. وفي هذه الحالة يكون الزعيم قواداً وليس قائداً.

شتان بين القيادة والقوادة.

التعليقات (8)

    نبيل يوسف

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    بشار الاسد جزار ومجرم وقواد ولا خلاف على ذلك. ولكن علينا ان نعترف انه استطاع ان يغرق العالم بالمهاجرين والنازحين من الحرب وان يشغل العالم ويستنزفه ماليا وبشريا بمحاربة الارهاب الذي هو رباه ورعاه. وكل هذا بدون ان يستطيع احد ان يقلب عليه كرسيه الهش او ان يطلق على قصره صاروخ او حتى رصاصه ليريح العالم منه. في الوقت الذي تم جلب وملاحقة رؤساء دول لم يفعلوا 1% مما فعله هذا المجرم.

    يحى

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    جوابي لك بسيط جيدا عندنا ف مورتانياقواد بدارجيةاوبلهجة الحسانيةانصح تعبيرتقال لماتصنع انت فيصل القاسم وامثالك من المخنثين أنصاف الرجال دورهوم ف المجتمعات اليفرقيةجلب أنيسا وبايعات ألهوا وفتح لماكين لدعاري كماتفعل انت لسيادك من ومرا ف الخليج وقطرخاصتا اما عن الحكة والخبرة السياسية ما بينك وبين الريس بشار الفرق فهو مابينكما فقاماتيكما حين تصبيح تصيل الامنكيبه يحق لك لنتقاد

    ابو محمد

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    "وان تطيعوه تهتدو" لو انكم اطعتم الرسول عليه الصلاة والسلام ماحدث مايحدث لكم ولكن ...... الفتنة اذا اقبلت عرفها كل عالم واذا ادبرت عرفها كل جاهل

    سوري

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    هذه اول مرة اخالف فيصل القاسم الرأي ، الاسد الاب المقبور ( كثير عليه كلمة الراحل) لم يكن يهمة امن سوريا وشعبها بل امن نظامة وعائلته ، والامثلة كثيرة منها الم يبع اجمل منطقة من سوريا لإسرائيل مقابل ان يرث ابنه عرش سوريا ثانيا يوم هددته تركيا سارع للإذعان ليس خوفا على سوريا وشعبها بل خوفا على الكرسي ولو اصرت حينها تركيا على تنحيه السلطة لما تردد لحظة واحدة التخلي عن القسم الشمالي من سوريا لتركيا مع سكانه في سبيل البقاء على الكرسي كما فعل سابقا بالاعتراف بلواء اسكندرون لها

    حسين

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    اضافه الى اقوالك اخ فيصل هنالك من يؤمن بان النظام الديموقراطي ياتي بالاستقرار وراحت البال ،لكن هذه النظم تعمل فقط على افقار الفقير وجعله حقير وان ياكل من المزابل وان تكون سارقا لثروات الشعوب فأنت زعيم محنك بطل مقداد . واذا صدح لدينا صوت عقلاني او ان يكون نابع من شرع الله المنزل فهذا يجب طحنه وازالته من الوجود وهذا الفن ياتي من صراع بقاء الدم لدى تجار الديانه الديموقراطيه الفانيه قريبا.

    الاقصي

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    هل الدكتور مرسي يبقي بالمنطق ده قوادة لإن اردوغان قياده لما جنب شعبه موت الالاف وبموت 200 هيحاكم الالاف من الخونه وللاسف في مصر مات من الشعب الالاف ولم يحاكموا احد من المسؤل عن اهدار كل هذا الدم بلافائده

    Hany hany

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    100% hany hany

    السهم

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    صدقت يا دكتور
8

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات