مواجهة الإرهاب والطغمة الأسدية!

مواجهة الإرهاب والطغمة الأسدية!
كلما ألمّ حدث مأساوي في هذا العالم، ناجماً عن عمل إرهابي، يجد السوري نفسه - أينما كان – مطالباً بإدانة الجريمة بأشد العبارات، مؤكداً في كل مرة، رفضه لأي عمل إرهابي، وبالقطع رفض استهداف المدنيين، وكأنه يريد درء التهمة عنه شخصياً وعن أبناء بلده، على الرغم من كون السوريين اليوم، هم أكثر ضحايا الإرهاب المنظم، من قبل حكومات ودول ومنظمات متطرفة، منذ خمس سنوات، لأنه خرج من أجل استعادة الحرية والكرامة، التي سلبها طوال نصف قرن، واحدٌ من أكثر أنظمة الاستبداد التي تأسس حكمها على الترويع والترهيب، وصناعة الإرهاب في المنطقة، ويضطلع بدور ريادي في الإيذاء، يصل درجة التباهي والتغني به، علانية وتلميحاً، دون أن يعبأ بالعقاب الدولي المفترض.

بلا شك جريمة ميونيخ، ونيس، وقبلها مطار أتاتورك،  وكل العمليات الإرهابية الأخرى، التي تعرضت لها دول عديدة، مثل فرنسا وبلجيكا، وتركيا والسعودية، ذهب ضحيتها مدنيين، مرتكبوها مجرمون، مهما تكن الأسباب والدوافع التي قادت الى القيام بها. وليس ثمة ما يبرر اللجوء الى عمل إرهابي، على الرغم من ان إغفال العالم بأسره عن معالجة أسباب هذه الظاهرة، وتجاهل منعكساتها، هو واحد من الأسباب التي تؤمّن بيئة صالحة للانتشار والتمدد. إضافة الى ان استراتيجيات مكافحتها، ما تزال في حدود الإجراءات الوقائية، والإنعكاسات الأمنية المباشرة لأي حدث إرهابي، وما تزال إمكانية العمل الدولي المنتظم في استراتيجية شاملة، يصطدم بعدد من القضايا، أولاها الإنكفاء الوطني في حماية المجتمعات، على حساب المنظومات فوق الوطنية، متصلة بقضية المصالح المتباينة للقوى الدولية، وهو ما يجعل من منظومات مكافحة الارهاب الاقليمية والدولية، مجرد مؤسسات قائمة على تجميع المعلومات وتبادلها، بأدنى المستويات، دون توظيف فعّال، يقود الى محاربة الإرهاب واجتثاثه فعلياً.

اجتثاث الإرهاب مسالة مثيرة للتهكم اليوم، فكثيرمن أجهزة المخابرات الكبرى حول العالم، التي يفترض أن تكون فاعلة في محاصرة الارهاب والقضاء، هي ضالعة بصورة ما، او عبر وكلائها وعملائها، في تمدد الإرهاب. داعش مثال حيّ في النشأة والانتشار، والتمويل والتسلح، تحت أعين المجتمع الدولي ومؤسساته الأمنية الكبرى، على وجه الخصوص. مثال ثان أشد دموية يتمثل بارتكابات النظام الأسدي الإرهابية في سوريا، والمنطقة.

التعامل مع كل قضية او حدث إرهابي، يتسم بما يمكن تسميته بالاتهام المجاني، بالحمق والرعونة، في توجيه الاتهامات قبل أن تتوفر معلومات كافية للدلالة على المجرمين، وكأن الهدف هو تعليق كل شئ على مشجب الآخرين، كي يقول بأنه على مقدرة عالية في كشف هوية المجرم وانتمائه. لكن تلك المقدرة العالية لم تتوفر يوماً في حماية المدنيين قبل ارتكاب عمل ارهابي بحقهم.

بلا شك هناك إرهاب بشع يضرب الشرق الأوسط ويجتاح اوروبا والعالم. إرهاب ذي أصول سياسية، دينية وغير دينية، لكنه يخضع لتزوير الحقائق، والأخذ باكثر من مكيال في توجيه دفة الاتهام، خاصة حين يكون الوضوح شديداً في تلمس وتعقّب المرتكبين لتلك الجرائم. فأي جريمة منشؤ فاعلها عربي- مسلم،هي فعلٌ إرهابي يصل إلى أعلى درجات اتهام المجتمعات والدين الاسلامي، دون مراجعة أو تَحقُق، حتى وإن كان الارهابي غربي الولادة والنشأة، كما في جريمة نيس. لكنها جريمة جنائية لاتُعرف – علناً – دوافعها حين يكون المجرم ابن بيئة وثقافة غربية. والأمثلة أكثر من أن تحصى في الحالتين. 

لقد غطت أخبار الانقلاب الفاشل في تركيا، على تداعيات جريمة نيس،  وانشغل به العالم. وفي ذلك أيضا مرّت تصريحات غير مقبولة ادلى بها الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، وهي لا تشير سوى الى حالتي عجز، وتجييش ضد الاسلام، وهو ما يتنافى مع كل القيم والأعراف والحقوق والحريات، حين يشير صراحة الى اتهام الاسلام بالارهاب وهو بذلك إنما يعزز الاسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية، بدلاً من أن يساهم في عكس الرؤية الصحيحة بأن المجتمعات الانسانية بأديانها وثقافاتها وحضاراتها، مستهدفة من قبل الإرهاب. وأن الجماعات والتنظيمات الارهابية ليست من الاسلام في شئ، وإن كانت ترفع رايته وتتحدث باسمه.

وما كان لمثل هذا التشدد والتطرف والارهاب أن  ينمو لولا وقوف القوى الدولية، ومنها فرنسا متفرجة على تلك الجماعات وهي تولد ويشتد عودها. ولم تكن سياسات تلك الدول تجاه العالم النامي (ثالث- اسلامي ) سوى سياسات اخضاع وقهر، مسؤولة تاريخياً عما آلت إليه أحوال الشعوب التي تسلط عليها الطغاة الذين أخذت بأيديهم دول مثل فرنسا والولايات المتحدة.

البحث عن الأسباب مضيعة للوقت، أو لذرّ الرماد في عيون العامة، فكل دولة تدرك مالها وعليها، والصراعات التي تدخل فيها، والزوايا التي تُحشر فيها، وفرنسا ليست  استثناء.

مثلما ليس هناك أي مبرر لأي اعتداء إرهابي، ليس هناك من اي مبرر لإطلاق تصريحات خرقاء بحق الشعوب والأديان، ليس من شانها سوى إذكاء المارسات العنصرية، وفتح الباب على مصراعيه امام حركات اليمين التي تعمل جاهدة، هي وغيرها لتشويه متعمد لصورة العرب والمسلمين، في العالم، تمهيداً لتشكيل رأي عام كاره لوجودهم.

في سوريا، كل يوم ترتكب عدة مجازر في عدة أمكنة، تستخدم فيها كل الأسلحة المحرمة دولياً. تستهدف المدنيين في مساكنهم وقراهم، تدمر المشافي فوق المرضى والأطقم الطبية، تدمر المدارس فوق الصغار. كل يوم في حلب وادلب والرقة، كل يوم في داريا وريف اللاذقية وحمص ودير الزور، يقضي العشرات، بل المئات دون ان تثير اهتمام أو إدانة من أحد.

هكذا ترتكب الأسدية مع شركائها الروس والإيرانيين، جرائم لا يقل توصيفها القانوني عن كونها " إرهاب دولي منظم " يستهدف قتل السوريين وتهجيرهم، عبر " الإبادة البشرية المنظمة ".. بحجة مواجهة الإرهاب. هذا مايحدث في منبج اليوم، ومناطق عديدة من ريف حلب.. وما سيستمر حدوثه، ضد المدنيين العزل، بينما داعش وقوى أخرى لاتقل عنها بشاعة في الاجرام، طلقاء في القتل..والعالم يتفرج.

طالما ان العدالة غائبة، والحمقى يتسيدون المشهد العام، فسوف يظل السوريون ضحايا لأشد منظومات الإرهاب دموية في العالم. القضاء على الإرهاب يبدأ من إزالة جذوره : طغمة الأسد.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات