المعارضة و(جعجعتها)

المعارضة و(جعجعتها)
أفرزت الثورة السورية أجساماً سياسية مُعارضة، تنوعت بتنوع الشعب السوري وتعدد تياراته وأفكاره وإيديولوجياته ومستوى وعيه، وكان منها اليساري والإسلامي، الحمائم والصقور، المتشددين و(الرخوين)، الخارجيين والداخليين، والمخضرمين المُكرسين مع الجدد المُجرِّبين، وتحالف بعضها ليشكّل كتلاً سياسية أكبر فرضت نفسها على السوريين.

تتألف هذه الكتل السياسية السورية المعارضة بشكل أساسي من ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، الذي تأسس على أنقاض المجلس الوطني، ويضاف لهما هيئة تنسيق قوى التغيير الديمقراطي، وأخيراً الهيئة العليا للمفاوضات التي لم يتوضح حتى الآن إن كانت كتلة سياسية أم كتلة وظيفية لهدف المفاوضات فقط.

تأسست أولى هذه الكتل في الربع الأخير من عام 2011، أي منذ ما يقرب من خمس سنوات، وتدرجت الأخريات تباعاً، وحظيت كل كتلة عند تأسيسها بدعم محلي من السوريين ومن دول عربية مؤثّرة في القضية السورية، بالإضافة لدعمٍ وترحيبٍ غربي ودولي، ودُعمت جميعها مالياً، وفُتحت لها وسائل الإعلام على اختلافها، كما قدّمت دول عديدة تسهيلات لها، وعرضت تدريب كوادرها، وأقامت لها وزناً وشاورتها بالصغيرات والكبيرات.

بعيداً عن سياسات واستراتيجيات هذه المعارضات، واختلافاتها الإيديولوجية والتكتيكية، وبعيداً عن رأي الشارع بها ومدى تأييده أو رفضه لها، وكذلك بعيداً عن مستوى أدائها وحجم الانتقادات التي وُجّهت لها، اتّصفت جميع هذه المعارضات بأنها صوت بلا فعل، متأثرة لا مؤثّرة، تتحرك ولا تُحرّك.

في هذا النطاق تحديداً، يًلاحظ أن جميع الكتل السياسية السورية المعارضة، وفي كل الأحداث والمناسبات، والاجتماعات والمؤتمرات، وفي كل الحالات المفصلية، افترضت هذه الكتل أن دورها هو الشجب والاستنكار والإدانة والاستياء والرفض والقلق والمطالبة والترجي والأمل، وغيرها من العبارات التي توحي بالعجز لا بالقوة، فألقت المسؤولية على ظهر غيرها، وانتظرت من الآخر التحرك والقيام بالإجراءات اللازمة، دون القيام بإجراء عملي مباشر جاد وقوي يؤدي إلى تحقيق أهدافها.

أصدرت كل القوى والتكتلات السورية السياسية المعارضة سابقة الذكر، مئات بيانات الاستنكار حول انتهاكات النظام، ومئات أخرى من البيانات التي طالبت فيها المجتمع الدولي بالتحرك لإنجاز مهمة ما، وقام قادتها بآلاف المقابلات التلفزيونية أكّدوا فيها على ضرورة أن يتحرك هذا الطرف أو ذاك من الدول العربية أو الغربية لتغيير معادلة سياسية أو واقع عسكري ما، واعتقدت أن كل هذه (الجعجعة) تحقق الانتصار وتسدّ الذرائع، وتناست أن فعلاً واحداً ملموساً، مدروساً وجاداً وقوياً، يساوي كل تلك البيانات والمقابلات والأدبيات مجتمعة.

لم تُبرمج المعارضة السياسية السورية نفسها على الاعتماد على الذات، واتّكأت على الآخرين منذ فترة مُبكّرة من الثورة، واعتقدت أنها قطعاً نادراً مرغوب ومطلوب دولياً، وافترضت أن دورها قيادة الثورة بينما دور الدول (الصديقة) إنجاحها، وصارت تُلحّ عليهم وتُحمّسهم وتُشجّعهم، وتُؤلبهم وتُثيرهم، وتلومهم وتؤنبهم إن لم يفعلوا ما تطلب منهم، وصارت تتباكى وتشتكي من تقصيرهم.

تنشغل المعارضة السورية ببياناتها، بينما يقصف النظام السوري المدن والقرى بعنف لا حدود له، ويقتل الشعب عشوائياً، ويُحوّل سورية لساحة للإعدام والموت، ويُلقي الروسي والأمريكي الحمم لتتحول سورية لجحيم، ويعبث الإيراني وميليشياته في كل مكان ناشرين السمّ والبشاعة، ويتمرد الأكراد ويغدرون رفاق الحياة، وينشر تنظيم الدولة إرهابه المقيت، وتتآمر الدول على أصحاب الثورة، ويتمدد الإرهاب في الجوار وفي الغرب، وتُنهك المعارضة المسلحة وهي تبحث عن وسائل بقاء، وتتنافس فصائلها على غنائم وهمية في ظل غياب من يوجهها.

كان يمكن للمعارضة السياسية السورية أن تترفع عن خلافاتها، وعن فرديتها وأنانيتها، وسلبيتها واستسلامها، ونرجسيتها وفسادها، وتقف موقفاً يليق بشعب قدّم نصف مليون من الضحايا طلباً لحريته وكرامته، وكان يمكن لهذه المعارضة أن تقف مواقفاً رجولية، وتستجمع قواها، وتوحّد مؤسساتها، وتجمع مالها، وتُنوّع أساليبها، وتلتحم بقواها العسكرية وترتقي بها، وتجد مصادراً لسلاحها، وتخطط لحربها الطويلة ضد النظام وحلفائه، وتكفّ عن خداع السوريين، وتوقف وعودها الخلّبية لهم، وتُظهر للمجتمع الدولي قدرتها، وصوابية ووضوح فكرها، وتفرض عليه احترامها واحترام رؤاها، بل وأخذ شروطها بعين الاعتبار، وتُرغم الآخرين على احترامها، واحترام مطالب شعب قرر الانتصار على جلاديه.

تُخطئ المعارضة السياسية السورية إن اعتقدت أن الثورة الحديثة هي ثورة بيانات، وتُخطى أكثر إن اعتقدت أن (جعجعتها) ستُنتِج طحيناً، كما تُخطئ بحق السوريين كلهم إن لم تقم، وبسرعة فائقة، بمراجعة شاملة جادة وعميقة وجذرية، تبدأ بتغيير الأشخاص قبل الخطط، والرؤوس قبل الرؤى، وتنسى أسلوب الاستجداء، وأن تفهم أن ما يُؤخذ بالقوة لا يُسترد بالبيانات وإنما بقوة الأداء والحجّة والموقف.

التعليقات (1)

    ابو حمزة الشامي

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    المعارضة السياسية هي احد البلاءات العظيمة التي ابتليت فيها الثورة السورية المباركة
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات