تساؤلات الظهور المفاجئ

تساؤلات الظهور المفاجئ
لماذا اختار أبو محمد الجولاني هذا الوقت بالتحديد للكشف عن وجهه؟ وأي وجه هو الذي تعدّ له "جبهة النصرة" سابقاً، و"جبهة فتح الشام" لاحقاً، في مسار عملها على الأرض السورية؟ وماذا يعني فك الارتباط بين الجبهة وتنظيم القاعدة؟ 

هذه الأسئلة وكثير غيرها لا تزال تدور في أذهان من تابعوا التحولات السريعة على الساحة السورية في الساعات الماضية. تحوّلات لم تعد تدور فقط في الفلك الميداني، والذي يشهد تقهقراً لقوات المعارضة في ظل تقدم قوات روسيا والنظام، بغطاء أميركي بعد التفاهمات التي أبرمها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مع نظيره الأميركي، جون كيري، بل من الواضح أنها دخلت إلى الجانب السياسي، وسط حديثٍ عن صفقاتٍ يجري الإعداد لإخراجها، قد لا يكون ظهور الجولاني، وقرار فك ارتباطه بالقاعدة، في هذا الوقت بعيداً عنها. 

في هذا الإطار، يمكن النظر إلى المسارعة الأميركية إلى التأكيد على أن تغيير اسم جبهة النصرة لن يزيلها عن القوائم الأميركية للإرهاب، في إشارةٍ ضمنيةٍ إلى أن التغيير الذي أعلن عنه الجولاني، يصبّ في هذا الاتجاه، ويسعى إلى حفظ مكان للجبهة، بغض النظر عن اسمها، في التركيبة السورية الجديدة. تغيير الاسم وفك الارتباط مع "القاعدة" خطوةٌ أولى في هذا المجال، وخطواتٌ لاحقة ستتبعها للحاق بالمتغيرات السياسية والميدانية في سورية. 

الأمر الثاني الملفت في هذا السياق إشارة الجولاني في ظهوره إلى عدم ارتباط الجبهة بأي جهةٍ خارجية. كلام، في بادئ الأمر، يمكن اعتباره إشارةً إلى العلاقة مع تنظيم القاعدة وفك الارتباط به. لكن، يمكن أن يفسر على نحو أوسع، أي أن فك الارتباط لا يقتصر على "القاعدة"، وأصبح شاملاً الأطراف الأخرى التي تربطها علاقة بـ "الجبهة السابقة". وكأن الجولاني يحاول التلميح، عبر الكلمة المقتضبة التي ألقاها، إلى أن الجبهة باتت منفتحة على ارتباطاتٍ خارجيةٍ جديدة، وباتت متحللةً من كل تحالفاتها السابقة، خدمةً للأهداف التي أعلنها الجولاني في كلمته، وهي "تحقيق الأمن والأمان والاستقرار والحياة الكريمة لعامة الناس، والتوحد مع الفصائل المعارضة لرصّ صفوف المجاهدين، وتحرير أرض الشام، والقضاء على النظام، وأعوانه". 

أيضاً، لا بد أن يحيل ظهور الجولاني وكلامه إلى ما راج سابقاً عن محاولات تلميع جبهة النصرة، وتقديمها طرفاً معتدلاً في المعادلة السياسة السورية، ويمتلك قوةً لا بأس بها على الأرض. هذا الكلام ظهر قبل سنة، ومع ظهور صوتي للجولاني على قناة الجزيرة في مقابلة مع أحمد منصور، وكانت التوقعات حينها بأن يعلن فك الارتباط عن "القاعدة"، في إطار هذه الخطة، غير أن من الواضح أن الأوان، في ذلك الوقت، لم يكن مناسباً لمثل هذه الخطوة، خصوصاً أنه لم تكن هناك ملامح تنبئ بإمكان وصول القطبين الدوليين المؤثرين في سورية، أي الولايات المتحدة وروسيا، إلى ما يشبه التفاهم على مصير النظام ومرحلة سورية الجديدة. 

ما كان غير مناسبٍ في السابق لم يعد كذلك اليوم، على الأقل هذا ما يبدو أن "النصرة" أو "فتح الشام" تراه، وهو أيضاً ما بات يمكن استشعاره لدى كل الأطراف السياسية في سورية، الموالية والمعارضة. وما كان غير ذي جدوى في السابق، ربما يرى فيه الجولاني فرصة للحاق بركب المسار الجديد، وإعادة إحياء الفكرة السابقة المتعلقة بتقديم الجبهة شريكاً معتدلاً يمكن الركون إليه. وعلى هذا الأساس، كان لا بد من الظهور المرئي الأول، وعدم الاكتفاء بالرسائل الصوتية. ظهور يقدّم الصورة والصوت لمن يريد أن يكون شريكاً في المرحلة الجديدة. 

تخمينات وتحليلات إضافية يمكن أن تُساق في إطار محاولة تفسير ظهور الجولاني وإعلانه المفاجئيْن، وعلى الرغم من أن لا جواب حاسماً يمكن أن يصدر حول هذا الأمر، إلا أن من المؤكد أنه غير اعتباطي، ومرتبط بمشهدٍ جديدٍ يتشكّل في سورية والمنطقة. 

التعليقات (1)

    Ziad

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    انا اعرفه جيدا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات