النصرة .. وداعاً يارفاق

النصرة .. وداعاً يارفاق
ليس سهلا أن يُكتب شيء عن إعلان أبو محمد الجولاني لمشروعه الجديد وظهوره العلني الأول بعيد ساعات على هذا الحدث، ليس سهلا ونحن في ظرف يمكن لحدث أقل من هذا بكثير أن يُسل حبرا ويشكل أراء وقناعات، فما بالك بالجولاني وجبهة جديدة، هو لعمرك سيل من رؤى وتكهنات وانطباعات وتوقعات وتصورات.

قد يكون من أكثر ما أغراني في الظهور والإعلان، هو ما لحقه من تسمية للرجل على الشاشات وفي الصحف "أمير جبهة النصرة سابقا" وهنا أتخيل كيف دارت الدنيا على بلاد الثقب الأسود، وأصبحت أعتى التنظيمات العقائدية تؤمن بالتغيير، وأضحى يرافق أسماء قادتها بل مؤسسيها كلمة "سابقا"، بينما لاتزال أنظمة وأحزاب شكلية حاكمة تثوارث الحكم والبلاد والعباد، حتى الأحزاب العائلية البالية (من اليمين واليسار) التي تضم رفيقين أو ثلاثة "بالوراثة" لم تصل مرحلة كهذه، صحيح أن  الجولاني هو ذاته لم يتنحَ، لكنه تقدم للأمام خطوة في هذا الحقل، ودّع القاعدة والنصرة ومن أعانه على نشأتها الأولى وودع الرحم الذي أنجب، وأصبح له جبهة "وطنية" بالعمنى السياسي وبهذا يكرس أول نماذج السلفية الجهادية الوطنية التي تخلت عن فكرة الجهاد العام العابر للحدود كمحدد عمل وأساس تشكيل وغاية ومصدر جذب واستمالة وتجنيد.

 وأصبحنا أمام حالتين في الشام، الأولى (الدولة الإسلامية في العراق والشام) تنظيم ابن تنظيم وصل لغايته وتمكن في دولة يحكم الناس فيها بالإسلام (مرحلة التمكين)، أما الثانية (النصرة) فهي حالة فريدة قامت على فرط عقد التنظيم، والتماهي في مشروع يكاد يشبه الحركات الموجودة التي ولدت أصلا من ذات المشارب، لكن بالأساس كانت وطنية ولا هَم في أدبياتها الأولى يدفعها لجهاد عابر، فماذا الآن وقد قلنا جميعا في مساء الخميس للنصرة وداعا يارفاق.

هل ذهب الرفاق أم الإطار فقط، يراودني سؤال في هذه، وهو "بما أنه ممكن فلماذا لم يكن"، لماذا لم تتخذ قيادات النصرة "سابقا" هذا القرار من قبل منذ النشأة الأولى ومنذ أن منحتها الثورة العظيمة حضا وأمنت لها أسباب للبقاء، بما أنه وارد الحصول وحصل، هل كان شرطه فقط تغير الإسم وظهور الجولاني؟

الإسم تغير ومن نصرة لأهل الشام إلى "فتح الشام" جبهة جديدة بمبادئ لا أرى فيها مثيرا إلا الاستعداد للتوحد مع الأخرين (إن صدق)، وتحديد الجهاد بالشامي، فضلا عن سد الذرائع، واعتقده الدافع الأساس الأصيل، لكن بعد أن أنهى الرجل كلمته بدقائق خرجت الولايات المتحدة وأعلنت رفضها وتبعها الروس ولا مجال للحديث عن نظام الأسد فهوة نكرة في كل مايجري، فلمن الخطاب إذاً؟

الخطاب جله للداخل للشعب الثائر الذي أحرج القوى المحلية والعالمية بصموده الأسطوري، ومن بين هذه القوى جبهة النصرة "سابقا" فكان لابد من تقدير تضحياته وتقديم ما يمكن، وأكثر ما يمكن تقديمه في هذه المرحلة هو فك الإرتباط عن القاعدة حتى لا تعود لهذه الشعب حجة، بأنه يقصف ويقتل لأن بين ظهرانيه تتمترس القاعدة وهي "وجه الإرهاب الأول في العالم"، فماذا وقد تغير هذا الوجه ولم يعد بيننا قاعدة هل ستكف روسيا والأسد وإيران وحزب الله والتحالف الدولي الأميركي عن قصف الناس وقتلهم ..لا اعتقد لأنهم جميعا كانوا يقتلون الشعب السوري لذاته فقط ولوأد ثورته وحتى لا تكون مثال نصر بل كابوس.

في مساء الخميس بلاشك حدث ما يمكن أن يدفع للتغيير، وما يمكن أن يحسب لجبهة النصرة وإن كان متأخرا لكنها خطوة لم يقم بها في بلادنا تجمع من خمس أشخاص يشتغلون بالسياسية، وهذا لا يعفي النصرة من مسؤولياتها أمام تضحيات هذا الشعب ولا يغفر لها تجاوزها على بعض فصائل الجيش الحر وتماديها أحيانا بالضغط على الناس، كما أنه لا يجعل منها الشر المطلق، ولا ينقص من تضحيات عناصرها في معارك مشهودة، ولا ينسينا مساهتهم في جيش الفتح الذي حرر إدلب والذي قاتل في أريافها وأرياف حلب جنب، كما أن نهاية النصرة لا يعني أن القادم مختلف بالمنهج والسلوك، ولذلك لا يمكن أن أقول أن عناصر النصرة كانوا الأسوأ وليسوا بالمقابل الأفضل وكذلك الجبهة كتنظيم (أعني حساب الداخل السوري)، فلننتظر إذاً جبهة فتح الشام التي أعلنت مشروعها وكشفت وجه زعيمها الشاب، الذي لم يكتشف له بعد، تاريخ طويل في المعتقلات الأسدية ولا باع له في "الجهاد الأفغاني أو الشيشاني" كمدارس أساسية لتخريج القادة في عصرنا، فهل سنكتشف لاحقا أنه يحمل فكرا ثوريا يتقاطع فيه مع أفكار أبناء جيله على الأقل من الشباب السوري الذي خرج يوما عاري الصدر بوجه نظام الأسد مطالبا بحريته، هل ستكون له جبهة فتح الشام عونا حقيقيا في ثورته التي لم يُشاهد علمها "الرمز" على طاولة الجولاني، ننتظر ونرى، وما أتى على هذه الأرض وشعبها‘ عظيمٌ كفيل بأن يُقوي أهلَها على الإنتظار، لكنْ هي خطوة في طريق يبدو طويلا ... الشعب يريد نصرا وحقاً ولا تعنيه الوجوه وإن كان وجه الجولاني.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات