أسئلة برسم أحداث ألمانيا الأخيرة.. لماذا الإرهاب؟

أسئلة برسم أحداث ألمانيا الأخيرة.. لماذا الإرهاب؟
في البدء كانت سورية...الظلم والاستبداد والقتل والدم، سكت العالم وأشاح بوجهه عما يجري ... وتسورن العالم في آخر المطاف، أي تحولت الأزمة السورية إلى أزمة عالمية لا أحد بمنأى عن آثارها القريبة أو البعيدة المدى... حتى ألمانيا البلد الأوروبي البعيد والذي فتح قلبه للاجئين السوريين، أصيب في الصميم عندما تعرض لأربع هجمات إرهابية في غضون أسبوع واحد، ثلاث منها ارتكبها طالبو لجوء، اثنين منهم يحملان الجنسية السورية.. أحداث ربما كانت كافية لتغطية صفحات الصحافة الألمانية وصفحات الانترنت لمدة سنة كاملة، ولكن يبدو أن وتيرة العنف والقتل في العالم أصبحت متسارعة إلى درجة يعجز فيها العقل البشري على الفهم والاستيعاب، وكأن العالم صار مقلوبا رأسا على عقب، عالم تتقدس فيه ثقافة الموت لا الحياة، وتصبح مفاهيم كالحق والعدالة ودولة القانون وحقوق الانسان بلا معنى... في ألمانيا هناك مصطلح “السائق المعتوه”، وهو السائق الذي يقود عكس السير محاولا الانتحار، أخذا في طريقه ضحايا أبرياء، لا ذنب لهم إلا مرورهم بالصدفة في ذلك المكان وفي ذلك الوقت بالتحديد... اليوم يبدو أننا جميعا نشبه هؤلاء “الضحايا بالصدفة”، ويقودنا الإرهاب الذي يسيرعكس الحياة وعكس منظومة القيم والأخلاق نحو موتنا... موت في محطة القطار أو في مجمع تجاري أو في حفلة موسيقية...موت بفأس أو ساطور أو مسدس أو قنبلة...لا مكان آمنا ولا أحد محصنا بعد الآن...

إثر الإعتداءات الأربعة الأخيرة في ألمانيا بدأ الرأي العام ومعه وسائل الإعلام بطرح الأسئلة عن هوية المنفذين ودوافعهم... الأجوبة السريعة قد تقود بداية إلى السجل الشخصي والنفسي لمنفذي الاعتداءات والاستعداد الإجرامي الذي يجد أدلجته في تنظيم إرهابي كداعش مثلا، لكن الجذور العميقة للمشكلة تعود أيضا إلى الإستبداد والحروب التي تدفع بالناس للهجرة من مناطق الصراعات الدامية إلى أوروبا، كما أن هناك أسبابا أخرى داخلية تتعلق بالمجتمعات الأوروبية و تنامي حركات اليمين المتطرف فيها، بالإضافة إلى صعوبات الاندماج الإجتماعي للقادمين الجدد أو أزمة الهوية للمهاجرين القدامى وأبنائهم، من دون أن نغفل الأسباب العالمية المتعلقة بالأزمة الاقتصادية والمالية، ووسائل الاتصال الحديثة التي تجعل الجميع على مرمى حجر أو لنقل مرمى رصاصة من أماكن الصراع على الضفة الأخرى للمتوسط... بالنهاية هدف الإرهاب هو ترويع الناس ونشر الخوف بينهم، ولكن لماذا الإرهاب؟ ربما علينا الآن طرح سؤال عن هذه اللماذا؟ المشترك بين الاعتداءات الأربعة أن منفذيها جميعهم من أصول شرق أوسطية مسلمة، مع استثناء اعتداء ميونيخ الذي صنف كجريمة قتل جماعي وكان وراءها شاب ألماني من أصول إيرانية، وهنا علينا أن نسأل عن معنى الإرهاب و ما هو تعريفه، وهل تختلف “جريمة القتل الجماعي العشوائي"، التي يقوم بها شخص واحد، عن “الإرهاب” الذي ينفذ بشكل فردي أو جماعي لصالح تنظيم إرهابي مثلا؟ سوف أتوقف عند حادثتين فقط من الحوادث الأربعة السابقة، لكونهما الأكثر تعبيرا عن التناقض والتكامل ببن الفشل واليأس والنوازع الفاشية.

جريمة ميونيخ...شاب مهاجر يخرج من جلده باسم الكراهية: دافيد علي سنبولي...هو شاب ولد في ألمانيا لأبوين مهاجرين ايرانيين، شاب يعاني من اضطرابات نفسية، وعاش حياته معزولا ومهمشا في المدرسة والمحيط... الملفت للنظر في حالة “دافيد-س”، كما يسميه الاعلام الألماني، أن هذا الغريب في المجتمع الألماني كان يكره الغرباء، وحسب الصحافة

الألمانية يعود هذا ربما لتعرضه لمضايقات واضطهاد من قبل زملاء أتراك له في المدرسة، كما أنه كان فخورا بعرقه الآري ومعجبا بهتلر ويفتخر بأن تاريخ ميلاده هو نفس تاريخ ميلاد الزعيم النازي، فيما كان يراه أيضا قدره للتعاطف مع أفكار اليمين المتطرف والنازيين الجدد... كما أنه تنكر لاسمه الأصلي “علي” واختار اسم “دافيد”، وفي محادثته الأخيرة مع أحد المارين قبل موته، قال: “أنا ألماني...ولدت هنا في أحد أحياء الفقر والمساعدات الاجتماعية”... وكأنه في آخر لحظة أراد أن يقتل كما يقتل الرجل الأبيض المتطرف، لم يفجر نفسه على طريقة المتطرفين الاسلاميين بل صوب سلاحه على المارة كما في حوادث القتل العشوائي الجماعية في أمريكا وأوروبا واليابان، وكما فعل النرويجي اليميني المتطرف بيرفيك عندما قتل 77شابا بسلاحه، وكان دافيد علي سنبولي يكن لبيرفيك إعجابا كبيرا... وكأنه في موته أراد أن يقول: ربما لا أشبه الألماني بمظهري ولم أعش كألماني، لكنني أقتل وأموت كألماني، وليس كأي ألماني بل كألماني عنصري متطرف... وهكذا أثبت بما لا يقبل الشك بأن التطرف والفاشية لا لون ولادين لهما

جريمة انسباخ...طالب لجوء يمسرح موته بعد محاولتي انتحار فاشلتين: على الرغم من أننا نسمع كثيرا عبارة “الإرهاب لادين ولا قومية له”، ولكن ارتكاب لاجئ واحد في أوروبا لعملية إرهابية، كفيل بجعل اللاجئين جميعا موضع شبهة واتهام... محمد دلال أو كما ُعرف باسمه الجهادي “أبو يوسف الكرار”، هو طالب لجوء سوري الجنسية....

هذه هي المعلومة الأولى التي تناقلتها وسائل الاعلام الألمانية، وكأن جنسية المعتدي تجيب عن كل التساؤلات أو تؤكد المخاوف والشكوك تجاه سياسة “الأبواب المفتوحة” أمام اللاجئين السوريين... رغم ظهور محمد دلال ملثما في تسجيل فيديو، وإعلان مبايعته لداعش وتبنيه للعملية، لكن الكثير من الأمور ماتزال غامضة وتحتاج لإجابات دقيقة... فمحمد دلال فقد زوجته وأولاده كما أصيب هو في ساقه إثر غارة جوية على مدينة حلب، تسلل بعدها إلى تركيا ومنها إلى هنغاريا... التلفزيون الهنغاري أجرى مقابلة معه حينها أعرب فيها أنه خرج من حلب لأنه لا يريد أن يتحول إلى قاتل. فما الذي حوله لقاتل بعد سنتين من طلب لجوئه في ألمانيا؟ التحقيقيات الأولية أظهرت أنه كان يعاني من اضطرابات نفسية وأنه حاول الانتحار مرتين، بالإضافة إلى أن طلب لجوئه كان قد ُرفض، وتقرر ترحيله بعد أسبوعين من التاريخ الذي وقعت فيه الجريمة...

يبدو ظهوره الملثم و قراءته الملعثمة لبيان المبايعة تعبيرا عن التخبط الذي رافق مبايعته لداعش، وقد قال زميله في سكن اللاجئين إنه لم يكن متدينا ولم يره يصلي أبدا، ثم كيف يمكن لإسلامي متطرف محاولة الإنتحار، والإنتحار محرم شرعا؟... أغلب الظن أن محمد كرار تدعشن في ألمانيا، ربما بسبب اليأس والخيبة وانعدام الأمل، وهي حالات تتقن داعش جيدا استثمارها وتحويل ضحاياها إلى إرهابيين. وهذا ما حدث في النهاية عندما احتلت صورة السوري القاتل مكان صورة السوري القتيل على شاشات التلفزة الألمانية، وتحول طالب اللجوء المضطرب نفسيا والهارب من الموت إلى داعشي يوزع الموت على الأبرياء بلا حساب. رجل فشل في محاولة انتحاره الفردي ف ّمسرح موته وحوله إلى انتحار جماعي، أخذا معه في موته أرواح بريئة لا ذنب لها ولا قوة، وتاركا خلفه آلاف اللاجئين السوريين في قفص الاتهام حتى تثبت إدانتهم.

أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، والتي أطلقت شعار”سننجح ” في إشارة إلى سياسة ألمانيا المرحبة باللاجئين، أعربت عن حزنها بعد الإعتداءات الأخيرة وتورط لاجئين فيها، وقالت إن هذا استهزاء بالبلد الذي استقبل اللاجئين، وبالمتطوعين الذين قدموا لهم المساعدة، وعلى الأخص بطالبي اللجوء الآخرين الذين ينتظرون البت في ملفاتهم، ولكنها مع ذلك أكدت تمسكها بسياستها المرحبة باللاجئين، كمسؤولية تاريخية وانسانية لألمانيا في هذا الوقت العسير . هذا الموقف الإنساني المشرف للمستشارة الألمانية قد يكلفها مستقبلها السياسي، في زمن باتت الكلمة العليا فيه للتطرف والعنصرية وكراهية الآخر... زمن أصبحنا نستيقظ فيه كل يوم لنستمع إلى نشرات الأخبار قبل حتى أن نغسل وجوهنا أو نشرب قهوة الصباح، ولنطمئن بأن لا عملية قتل جديدة ولا ضحايا جدد للإرهاب، ثم لنتأكد أننا مازلنا أحياء...

أحياء ربما ...لكن ليس أصحاء في كوكب بات يوصم بالجنون.... ولسنا في عداد الأموات ... لكننا حتما جميعا في عداد المصابين بآثار الموت الجانبية.

التعليقات (3)

    محمد سيجري

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    نعم نحن مصابون بآثار الموت الجانبية ..

    Ibrahim falah

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    يا سيدتي الفاضلة في كل المجتمعات هناك انسان سيء وهناك انسان جيد. والمجتمع الالماني ليس بعيد عن هذا كما كل المجتمعات. نعم هناك مئات الالاف من السوريين في المانيا ولكن ليس الكل يحمل الاخلاق الحميدة . وليس كل انسان تلقى الخير العطف يستطيع ان يقول شكرا فهناك من لاضمير يحمله ولااخلاق تزينه. هذا خليط مجتمع فيه الصالح وفيه الطالح.

    مجنون

    ·منذ 7 سنوات 9 أشهر
    مره اخرى ايها المشرف اذا لم يوجد عندك نيه لنشر التعليقات واذا كان هناك وشروط للتعليق فارجوا تعلمنا بذلك وشكرا
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات