ملحمة حلب الكبرى تسير بخطى واثقة وتقلب موازين القوة

ملحمة حلب الكبرى تسير بخطى واثقة وتقلب موازين القوة
من المؤكد أن 31 يوليو/ حزيران، لن يكون كسابقه من الأيام الخوالي التي مضت من عمر الثورة السورية والحلبية على وجه الخصوص، أياً كانت النتائج على الأرض، كبيرة للغاية كما يتمنى الحلبيين والسوريين الأحرار، أي تحرير حلب المدينة عامة من قبضة النظام والمليشيات الشيعية الموالية، أو مجرد فك الحصار الخانق الذي فرضته القوى والتنظيمات الإرهابية المعادية التي توالي نظام الأسد وطهران على أكثر من 400 ألف مدني في الأحياء الشرقية من حلب المحررة.

ولن يرجع التاريخ للوراء ليعطي فرصة أخرى لقوات الأسد والمليشيات ومن خلفها روسيا لتمعن أكثر في التضييق على الأحياء المحاصرة رافعة شعار، إما الموت جوعاً او الاستسلام كما روج له نظام الأسد وروسيا وإيران منذ الساعات الأولى من فرض الحصار منتصف شهر حزيران الماضي، عبر مسرحيات هزلية تظهر العشرات يعبرون من الممرات التي قيل عنها إنسانية والتي كانت مجرد كذبة لم تخدع حتى السوريين البسطاء.

فالملحمة الكبرى التي أطلقتها المعارضة في الشمال السوري عامة، وبزعامة جيشي الفتح، وفتح حلب، مستمرة وتسير في خطى متسارعة نحو أهدافها المرسومة مسبقاً، وتتوالى الانتصارات في وقت قياسي، برغم جملة الظروف العسكرية والميدانية التي لطالما تمتعت بها قوات النظام والمليشيات المدعومة من إيران وروسيا بشكل غير مسبوق منذ عام تقريباً وحتى الآن، وعلى إثرها تغير المشهد الحلبي برمته لصالح القوى المعادية وتمددت الأخيرة ووصلت معاقلها في ريف حلب الشمالي " نبل والزهراء" وقسمت الريف الشمالي لقسمين وقضمت المزيد من المناطق وصولاً إلى هدفها الثاني والذي كان تطويق الأحياء المحررة وعزلها عن الريف الحلبي  ومتنفسها الحيوي وصولاً للحدود السورية التركية عبر ريف إدلب.

وفي خضم العمليات البرية التي توالت طوال السنة الماضية منذ أواخر العام 2015 وحتى وقت قريب نهاية الشهر الماضي، قتلت الطائرات الحربية الروسية والآلة الحربية الثقيلة التابعة لقوات نظام الأسد وحشد المليشيات الشيعية الموالية لطهران، من حزب الله اللبناني والمليشيات العراقية والأفغانية والفلسطينية وغيرها من جموع المرتزقة، أكثر من عشرة ألاف مدني في حلب وريفها وهجرت في سبيل تحقيق أهدافها العسكرية التي تركزت بشكل رئيسي بادئ الأمر بريف حلب الجنوبي ومن ثم انتقلت نحو ريف حلب الشمالي الذي نال النصيب الأكبر من التهجير والقتل، أكثر من 400 ألف مدني توزعوا قرب الحدود السورية التركية في مخيمات متواضعة.

وتنامى دور مليشيات رديفة ظهرت إبان التوغل الروسي في سوريا لصالح الأسد، كقوات سوريا الديموقراطية " قسد" التي تتزعمها الوحدات الكردية، وهي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم، والتي اقتسمت  ريف حلب الشمالي مع تنظيم الدولة  "داعش" والمليشيات الشيعية وسيطرت على عدد كبير من المدن والبلدات فيه أهمها مدينة تل رفعت، وكان آخر الخدمات التي قدمت " قسد " للنظام وحلفاؤه من الروس والإيرانيين أن أكملت الطوق على الأحياء المحررة وسيطرت على أحياء في محيط الشيخ مقصود وأزرت قواتها في أكثر من موقع في الضواحي الشمالية القوات المعادية التي زحفت نحو فرض الحصار.

وجاءت معركة حلب " الملحمة الكبرى " لتنسف مخططات عدوانية مغمسة بدماء ألاف المدنيين الأبرياء خلال عام مضى، والتي كانت تهدف للقضاء على الانتفاضة الحلبية ووأدها، ولم يمضِ على انطلاقتها سوى أيام قلائل وها هي تصنع المعجزات بأقل الإمكانات المتوفرة لديها وبفارق شاسع بينها وبين القوات المعادية التي تحظى بشتى وسائل الدعم العسكري البري والجوي ومن محور حلفاء الشر "روسيا وإيران"  واللتان وقعتا في ورطة فنظام الأسد بات على المحك وجهد 360 يوماً من المعارك والقصف الجوي والبري ذهب أدراج الرياح، رياح مقاتلي المعارضة الذين أثبتوا مجدداً أن بإمكانهم خلق المعجزات في وقت قياسي وتعديل الموقف لصالحهم .

المتحدث الرسيم باسم حركة نور الدين الزنكي، النقيب عبدالسلام عبدالرزاق، قال لـ" أورينت نت " أن أهم ميزة تمتعت بها عمليات المعارضة هي المفاجئة بالقوة الكبيرة التي تم العمل من خلالها على محور غير متوقع للنظام قياسا لجبهة الكاستيلو وحندرات، والعمل الموحد للفصائل ولأول مرة على هذا القدر من التنسيق حتى أن المدنيين اشتركوا في التمويه الذي كان رائع النتائج.

وأوضح النقيب عبدالرزاق أن المعركة جاءت في وقت مفصلي من عمر الثورة وسوف تغير الموازين السياسية ، فهي معركة كسر الحصار عن الثورة وليست عن حلب فقط، فالمستفيد منها كل جبهات سوريا وموقف المعارضة السورية ككل سوف يتأثر بنتائجها .

مراحل معركة حلب " الملحمة الكبرى " في 6 أيام 

وضعت المعارضة في غرفتي عمليات جيش الفتح وفتح حلب نصب أعينها فك الحصار عن الأحياء المحررة بحلب، كهدف بارز لها،  وعملت منذ انطلاق معركتها مطلع الشهر الحالي على ضرب الخواصر الحساسة لنظام الأسد والمليشيات الشيعية الموالية، وهاجمت جبهات لم يكن من المتوقع أن تهاجمها، وهي الأكثر تحصينا ومنعة في وجهها،  حيث الجبهات الجنوبية الغربية والغربية تقبع أكثر ثكنات نظام الأسد تحصيناً وقوة وهي باتت مرتعاً ومكان لتجمع وتحشد المليشيات الشيعية الموالية منذ سنوات، كلية المدفعية وكلية التسليح والفنية الجوية والأكاديمية العسكرية وكتيبة المدفعية في جمعية الزهراء.

ونجحت المعارضة خلال الـ48 ساعة الأولى من معاركها التي امتدت على مسافة عشرين كيلو متراً، من بلدة الحويزة جنوباً وحتى مشارف مدرسة الحكمة و حي الحمدانية شمالاً، وذلك في المرحلة الأولى من الهجوم الواسع الذي شنته بالتزامن، وتمكنت فعلياً من تحقيق معظم أهدافها من الهجوم خلال مرحلته الأولى، وسيطرت على تلة مؤتة وتلة أحد وتلة المحبة ومدرسة الحكمة، وكتيبة الصواريخ، ومشروع 1070 شقة " حي النصر " الملاصق لحي الحمدانية،  وحققت انتصارها بشكل مفاجئ وثبتت نقاطها الجديدة خلال ساعات من بدء الهجوم .

وحقق التقدم الكبير للمعارضة خلال الهجمات الأولى من المعركة صدمة لدى قوات الأسد والمليشيات الشيعية الموالية، وبالتحديد مدرسة الحكمة التي كانت تأوي المئات من عناصر حركة النجباء العراقية وأنصار الله، ومليشيا حزب الله اللبناني، وهي جبهة متقدمة وخط دفاعي محكم ظل متماسكاً منذ العام 2013 ، كما أرعب المليشيات تقدم الثوار نحو حي الحمدانية وسيطرتهم على مشروع 1070 شقة الذي منح المعارضة فرصة الإشراف بشكل مباشر على الكليات العسكرية الثلاث والأحياء الغربية التي تخضع لسيطرة النظام كحي الحمدانية الكبير الذي يعتبر معقلاً للمليشيات وعائلاتهم .

ولذلك شهدت الأيام التي تلت السيطرة على مشروع 1070 شقة في محيط حي الحمدانية عدة محاولات من قبل المليشيات لاستعادتها، وقصفت المليشيات بالصواريخ والمدفعي بشكل عنيف المنطقة وشن الطيران الحربي الروسي عشرات الغارات الجوية لكن دون جدوى، فالمعارضة كانت متماسكة هناك وتمكنت من التصدي لخمس هجمات متتالية خلال أيام قلائل .

وفي المرحلة الثانية من العملية العسكرية الكبيرة، تمكنت المعارضة من بسط سيطرتها على منطقة الجمعيات والتلال المحيطة، وبلدة العامرية، والشرفة والتلال المحيطة بها، ومعمل الزيت، وتلة المحروقات وغيرها من المواقع الممتدة من المحاور الجنوبية وصولاً إلى مشارف الكليات والثكنات العسكرية الثلاث، وجاء ذلك خلال اليومين الثالث والرابع من العملية العسكرية، وتلاهما ثبات وتراجع في جبهات القتال التي استغلتها المليشيات لتشن عملياتها المضادة بعد أن استقدمت تعزيزات إضافية من المليشيات اللبنانية والعراقية والأفغانية، وبدعم جوي روسي غير مسبوق، وتمكنت فعلياً من استعادة عدة مواقع ونقاط كتلة الجمعيات وبلدة العامرية وعدد من التلال القريبة من محيط الكليات العسكرية.

وأدركت المعارضة مبكراً أنها بحاجة لضربة ساحقة تعدل من خلالها الموقف الميداني الذي بدى في صالح المليشيات الشيعية وقوات نظام الأسد، كالضربة التي وجهتها أول انطلاقة المعركة " الملحمة " لكنها كانت بحاجة لاستعادة ما خسرته، الثلاثاء والأربعاء، من الأسبوع الماضي، وفعلاً استأنفت معركتها واستعاد أغلب النقاط المهمة التي استعادتها المليشيات، الخميس الماضي، وثبتت نقاطها المتقدمة من جديد وأحكمت سيطرتها عليها ووزعت عدداً كبيراً من مقاتليها في الخطوط الأولى لحمايتها إلى أن يحين موعد الهجوم الأكبر نحو تجمع الكليات العسكرية الثلاث التي كانت مهمة تحريرها أشبه بالمهمة المستحيلة نظراً لكثافة التحصينات الهندسية والمحيطة بها والخطوط الدفاعية المتينة التي أقامتها المليشيات على أطرافها.

وكان من المتوقع أن تشن المعارضة هجومها فجر الجمعة، 5 آب/ أغسطس ، وكانت بالفعل قوات نظام الأسد والمليشيات تتجهز لهذه الخطوة التي كانت متوقعة من قبل المعارضة التي استعادت مواقعها للتو في المحاور الجنوبية القريبة من الكليات العسكرية الثلاث، وضرب الطيران الروسي بعنف خطوط المعارضة الأولى وطرق امددها ليل الجمعة، ليعطل ويوقف مخططاتها، لكن شيئاً لم يكن ولم تقم المعارضة بأي هجوم مبكر صبيحة الجمعة المنصرم.

من جانبها اطمأنت المليشيات، وجزمت أن الهجوم لن يحصل، لكن المعارضة وبشكل غير متوقع فاجأت القوات المعادية واقتحمت عليها مواقعها، عصراً من نفس اليوم الجمعة، وضربت معاقلها بسيارتين مفخختين كانتا كافيتين لفتح الطريق لمئات المقتحمين، وتمكنت المعارضة  من السيطرة على كلية التسليح وإدارة البيانات و كلية المدفعية، ووعدت  المعارضة بمواصلة  معاركها للسيطرة عل الفنية الجوية التي من المفترض أن تكون آخر القلاع الفاصلة بين المعارضة في جبهات قتالها الغربية والجنوبية الغربية والفصائل المحاصرة في حلب الشرقية في أحياء المواجهة لمحور العمليات في الشيخ سعيد والعامرية والراموسة.

خطوات متسارعة نحو فك الحصار الذي بات وشيكاً 

حققت المعارك المتواصلة للمعارضة وبشكل ناجح قضماً متواصلاً لمواقع سيطرة قوات الأسد والمليشيات، وفي كل يوم كانت المعارضة تختصر المسافة الفاصلة بينها وبين الأحياء الخاضعة لسيطرتها في القسم المحاصر، في الراموسة والشيخ سعيد وحي العامرية، حتى وصلت لبضع مئات الأمتار بعد أن سيطرت على كليا التسليح المدفعية وأصبحت على مرمى حجر من عقدة الراموسة التي تتفرع نحو الأحياء المحاصرة وبالتحديد الراموسة والعامرية.

وتوصل المعارضة المسلحة معاركها للوصول إلى هدفها، أي فك الحصار وفتح طريق آمن للفصائل المحاصرة ومئات الألاف من المدنيين المحاصرين في الأحياء الشرقية، ولن يتحقق لها ذلك إلا إذا أكملت السيطرة على الفنية الجوية آخر القلاع المحصنة في المربع العسكري الأكثر تحصيناً بحلب، وهي لن تكتفي بطبيعة الحال بسيطرتها على الفنية الجوية لتؤمن طريقها، بل عليها أن تسيطر بشكل كامل على المنطقة الصناعية في الراموسة التي تتشاطرها مع نظام الأسد من حيث السيطرة .

كما يتوجب على المعارضة أن تسيطر على معمل الإسمنت المجاور في حي الشيخ سعيد ومحطة المياه لوقعهما في مكان استراتيجي ومرتفع يكشف المواقع المحررة حديثاً، بالإضافة للسيطرة على عقدة الراموسة وكتلة المباني السكنية الزرق على أطراف حي العامرية، وإذا تحقق للمعارضة ذلك يمكن القول أنها فتحت طريقاً أمناً نحو مواقعها شرق حلب وفكت الحصار بجدارة.

المليشيات الشيعية فشلت في امتصاص الصدمة وخسرت المئات من مقاتليها 

حشدت المليشيات الشيعية، حزب الله اللبناني، حركة النجباء، أنصار الله العراقية، والحرس الثوري الإيراني، ولوائي فاطميون وزينبيين اللذان يضمان مقاتلين باكستانيين وأفغان، كما زج نظام الأسد بألاف من المرتزقة المنتسبين للدفاع الوطني وكتائب البعث " الشبيحة "  كل طاقاتها العسكرية من أجل التصدي لهجمات المعارضة جنوب غرب حلب، والدفاع عن وجود نظام الأسد المرتبط بأهم المعاقل العسكرية بحلب المدينة، ومن بينها الكليات العسكرية الثلاث المدفعية والفنية والتسليح.

لكن المليشيات الشيعية لم تنجح في إحباط هجمات المعارضة في جيش الفتح وفتح حلب التي بدت واثقة من قدراتها، ومصرة على مواصلة القتال للوصل إلى اهدافها مهما كلفها ذلك من تضحية، وتجاوزت أعداد عناصر المليشيات التي اشتركت في عمليات التصدي الأخيرة في وجه المعارضة في الجبهات الجنوبية الغربية والغربية من حلب المدينة العشرين ألف مقاتل يتبعون لعشرات المليشيات المحلية والأجنبية المرتبطة بإيران.

خسرت قوات الأسد والمليشيات خلال ستة أيام من المعارك العنيفة أكثر من 1000 عنصر من مقاتليها، بين قتيل وجريح، كما خسرت قادة كبار ضباط وصف ضباط تابعين للحرس الثوري الإيراني وقوات الباسيج، وحزب الله اللبناني وحركة النجباء العراقية ولواء القدس الفلسطيني، ولواء الباقر الشيعي.

وارتكبت المعارضة في جيش الفتح وفتح حلب مجزرة كبيرة بحق العتاد الحربي التابع لقوات الأسد والمليشيات الشيعية على مدة أيام المعركة المتواصلة، وبلغ عدد الدبابات والمدرعات والمجنزرات  التي دمرتها المعارضة للقوات المعادية عشرون آلية، كما دمرت قرابة الثلاثين سيارة رباعية الدفع محملة برشاشات ثقيلة ومتوسطة بصواريخ مضادة للدروع " تاو، وكونكورس، وفاغوت " ، كذلك استهدفت المعارضة ثلاثين مدفعاً رشاش وثقيل ومتوسط مثبتة في الدفاعات الأولى للمليشيات، ودمرتها بشكل كامل، بالإضافة لتدمير عشرة قواعد إطلاق صواريخ حرارية وكورنيت، ومدافع 57، وهاون.

طيران العدوان الروسي يفشل في إنقاذ الموقف 

استنفرت المقاتلات الحربية والمروحية الروسية، كل إمكاناتها منذ الساعات الأولى للمعركة التي أطلقتها المعارضة " الملحمة الكبرى " ولم تضع في حسبانها بطبيعة الحال أن تحرز تلك الهجمات هذا النجاح السريع في وقت قياسي، ما دعا العدوان الروسي يكثف من غاراتها الجوية ويشرك فيها إلى جانب المقاتلات الحربية المروحية الهجومية التي أسقطت المعارضة واحدة منها بريف سراقب شمال شرق إدلب في مناطق قريبة من جبهات القتال جنوب غرب حلب والتي تعتبر متداخلة مع مناطق ريف حلب الجنوبي الغربي.

وشنت المقاتلات الحربية الروسية خلال الأيام الستة الماضية من معركة الملحمة الكبرى بحلب، قرابة 1000 غارة جوية توزعت بشكل رئيسي في جبهات المعارضة وخطوطها الأولى وطرق امدادها، وطالت بشكل عنيف مدن وبلدات ريف حلب الغربي القريبة من جبهات القتال، في الأتارب التي ارتكب فيها مجزرتين مروعتين، وكفرناها، والأبزمو، ودارة عزة، وعينجارة، وخان العسل، والراشدين الرابعة، والراشدين الخامسة، والمنصورة وبلدة حور، وأورم الكبرى، وغيرها من المناطق، كما طال القصف الحربي الروسي بلدات ريف حلب الجنوبي، خان طمان، ومستودعات خان طمان، وخلصة، وزيتان، وبرنة، والزربة والعيس، وجانبي الطريق الدولي حلب دمشق.

أما الأحياء المحاصرة شهدت عدة مجازر متتالية تسبب بها القصف الجوي الروسي، وطال القصف أحياء الفردوس، والكلاسة، والشعار، وقاضي عسكر، وحلب القديمة، وبابا الحديد، وبستان القصر، والصالحين، وباب النيرب، وطريق الباب، وجسر الحج، لكن أحياء المشهد والعامرية والسكري والأنصاري، كان لها النصيب الأكبر من الهجمات الجوية الروسية.

وسقط على ‘ثر القصف الجوي الروسي وبشكل يومي منذ انطلاق معركة المعارضة 31 يوليو، حزيران/ قرابة 150 شهيداً مدنياً، توزعوا بين ريف حلب الغربي ، والأحياء الشرقية في حلب المحاصرة، كذلك نفذ الطيران المروحي التابع لنظام الأسد عشرات الطلعات الجوية ملقياً البراميل المتفجرة التي حصدت المزيد من أرواح الأبرياء في صلاح الدين والمشهد والسكري  وتل الزرازير.

وبرغم كل هذه الكثافة النارية الروسية التي تنوعت، على شكل قنابل عنقودية وصواريخ فراغية ونابالم حارق، وقنابل محملة بغاز الكلور، والتي ألقيت على مواقع المعارضة المدنية والعسكرية على حد سواء إلا أنها لم تفلح في إنقاذ الموقف الميداني المتدهور للمليشيات الشيعية، وربما نجحت في إطالة عمر المعركة ليومين إضافيين لا أكثر مفسحة المجال للمليشيات أن تجرب الهجمات المرتدة لاستعادة مواقعها والتي فشلت على أية حال أمام ثبات فصائل المعارضة في جيش الفتح وفتح حلب .

جبهات المعارضة الداخلية والرديفة 

زامنت المعارضة فتح جبهات قتالية جديدة ضد قوات الأسد والمليشيات الشيعية مع معاركها على المحاور الرئيسية جنوب غرب حلب، محققة بذلك عدة أهداف أبرزها تشتيت انتباه العدو، والتخفيف من حدة الهجمات العكسية التي كانت متوقعة من قبل المليشيات، بالإضافة لحرمان قوات الأسد والمليشيات من إرسال تعزيزاتها من جبهات باردة نسبياً نحو الأكثر سخونة، وبالطبع نحو الجبهات الجنوبية الغربية.

ففي جبها الداخل، دارت معارك عنيفة على عدة محاور بين المعارضة المحاصرة والمليشيات، وشهدت جبهات الشيخ سعيد، ومعمل الاسمنت في الحي نفسه والراموسة، والعامرية أعنف المعارك أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة الماضية، استهدفت خلالها المعارضة تحصينات قوات الأسد والمليشيات في المواقع المستهدفة وتمكنت بالفعل من بس سيطرتها على كتلة من المباني في حي الراموسة، ودمرت عدة مقرات لقوات الأسد والمليشيات عندما فجرت نفقاً تحتها كانت المعارضة قد حفرته في وقت سابق .

وفي الشمال الحلبي كانت المعارك مختلفة، فالمعارضة هي من كانت في موقع المتصدي للمحاولات المحمومة من قبل مليشيا لواء القدس الفلسطيني، ولواء الباقر الشيعي، للتقدم في مخيم حندرات ومنطقة معامل الشقيف وصولاً إلى دوار الجندول، ونجحت المعارضة بالعل من التصدي لأربع هجمات متتالية خلال الأيام القليلة الماضية بالتزامن مع الملحمة الكبرى التي أطلقتها المعارضة، كما استعادت المعارضة مواقعها هناك أكثر من مرة ووصفت المعارك بالكر وافر بين الطرفين نظراً لسرعة تبادل السيطرة بين الطرفين على النقاط والمواقع المستهدفة في كل هجوم.

وتهدف المليشيات من معاركها في الشمال نحو المخيم إلى اشغال المعارضة وتشتيت جهدها العسكري في الداخل المحاصر كي لا تشن هجمات ضاغطة على قوات الأسد والمليشيات التي توجه كامل جهدها نحو الجبهات الخارجية في محيط المدينة الجنوبي الغربي.

وبالرغم من وجود جبهات مشتعلة في الدخل الحلبي المحاصر إلا أنها لم تكن في المستوى المطلوب، ولم ترقى لكي تكون جدية بالمعنى العسكري، بحيث يمكن للفصائل لعاملة في المحاور الخارجية تلمس نتائجها على الأرض، ربما لم تكن العمليات العسكرية المتزامنة في جبهات الداخل المحاصر كبيرة وكثيفة نظراً لحوف الفصائل هناك من أن يطول حصارها وتبقى دون ذخائر تكفيها لتدافع عن نفسها إن هي بذرتها في معركة من الممكن أن لا تنجح وتحقق مرادها.

أما الجبهات الرديفة فقد أشعلتها المعارضة في محيط الأكاديمية العسكرية، التي تلقت كماً هائلاً من القصف الصاروخي والمدفعي من قبل المعارضة، وأشعلت المعارضة أيضاً جبهات معمل الكرتون، وجمعية الصحفيين ومناشر منيان، بالقرب من حي حلب الجديدة وهو معقل آخر للمليشيات الشيعية وحققت المعارضة على هذه الجبهات تقدماً ملحوظاً ومكاسب مقبولة على الأرض .

العوامل التي ساعدت في نجاح المعركة واستمرارها 

يعود النجاح الكبير الذي حققته معركة حلب " الملحمة الكبرى " في وقت قياسي إلى عدة عوامل أبرزها التخطيط الجيد الذي سبق المعركة بفترة ليست بالقصيرة، والاستطلاع الرصد للمحاور المستهدفة بالعملية خلال الفترة التي سبقت العمل العسكري الواسع، كما أن تطبيق الخطة المرسوم بحذافيرها مع مراعات المتغيرات الميدانية الطارئة كان لها الدور الأبرز في  استمرار العملية والتعافي السريع من أي كبوة ومطب قد يتسبب به رد فعل معاكس أو تطور ميداني غير متوقع .

كما أن التنسيق العالي بين الفصائل المنضوية في غرفتي عمليات فتح حلب وجيش الفتح ظهر جلياً في معظم مراحل المعركة، حيث تم توزيع المحاور القتالية على الفصائل المشاركة بحيث تلقى مسؤولية كل محور على الفصيل الذي تسلمه وعليه أن يقدم ما أوكل إليه اتجاه المعركة ككل.

كذلك كان للتجهيز البشري دور هائل في فرض المعارضة نفسها كند قوي لا يمكن الاستهانة به، لقد تم الزج بأكثر من عشرة ألاف مقاتل من المعارضة في المعركة، وهم على سوية عالية من التدريب العسكري على مختلف صنوف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، ولدى معظم المقاتلين المشاركين دوافع عقائدية وثورية شدة من عزيمتهم وبدى ذلك واضحاً في مجريات المعارك.

أيضاَ كان للسلاح الثقيل الذي دفعت به المعارضة من جيش الفتح بالتحديد نحو جبهات القتال دور فعال في إحداث توازن ولو بالحد الأدني في المعركة التي لطالما كانت كفتها تميل للمليشيات وقوات الأسد التي تتمتع بتذخير عالي وأسلحة روسية متطورة وبالتحديد الثقيلة من مدفعية وراجمات صواريخ، وبالأخص صواريخ حمم محلية الصنع التي أرعبت المليشيات ودكت دفاعاتها ودمرتها وأجبرتها على الانسحاب نحو مواقعها الخلفية.

ولا يمكن أن ننسى السيارات المفخخة التي سيرها جيش الفتح لتضرب الدفاعات الأولى في المواقع المستهدفة، وبلغ عدد المفخخات خمسة على الأقل منذ بدء العمليات وحتى اليوم ثلاثة منها كانت الجمعة والتي كان لها فضل كبير في التمهيد لدخول مقاتلي المعارضة إلى كليتي التسليح والمدفعية بعد أن دمرت عدد كبيراً من المباني والتحصينات التابعة للمليشيات عند البوابات الرئيسية.

ومن ناحية أخرى كان للتفاعل الشعبي مع الملحمة الكبرى التي أطلقتها المعارضة أثر إيجابي بالفعل، فالحلبيين والسوريين عامة ممن يقطنون مناطق سيطرة المعارضة يقضون معظم أوقاتهم في تتبع الاخبار الواردة من جبهات القتال، وكلما حقق المقاتلون في المعارضة تقدماً جديداً علت التكبيرات في المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة ورفعت الأكف إلى السماء تضرعاً بأن تكون المعركة في صالحهم وأن تسمر حتى يفك الحصار عن إخوانهم في الاحياء الشرقية المحاصرة.

تجلى هذا التأييد الشعبي أيضاً في صورة أخرى، لقد توافد العشرات من الصبية والشبان إلى الشوارع وأشعلوا المئات من الإطارات القديمة التي انبعثت منها كميات هائلة من الأدخنة السوداء بغرض التعمية على الطيران الحربي الروسي ومروحي البراميل التابع لنظام الأسد، ومساعد مقاتلي المعارضة في هذا الإجراء حققت دفعة معنوية أكثر منها لوجستية.

قائد غرفة عمليات الراشدين، النقيب أمين ملحيس، أكد ل " أورينت نت "أن مقاتلي المعارضة تفوقوا بعنصر المفاجئة والتنسيق العسكري الجيد، فالخطط والعمليات المدروسة تدل على وعي عسكري فائق لدى الفصائل وغرف العمليات المشتركة والتي خططت لكل المعركة وارتداداتها المتوقعة.

المبررات التي استندت إليها معركة حلب داخلياً وخارجياً 

ربما يمكننا القول أن المعارضة في جيش الفتح وفتح حلب كان بإمكانها فتح جبهات جنوب غرب حلب بهدف إقامة ممر آمن بديل عن طريق الكاستللو حتى قبل أن تفرض قوات الأسد والمليشيات الشيعية سيطرتها عليه وتفرض حصاراً خانقاً نهاية الشهر الماضي، لكنه من المؤكد أن المعركة لن تكون بهذا الزخم الشعبي الحاصل اليوم، ولا حتى ارتداداتها الخارجية سوف تكون بنفس المستوى الذي حققته الملحمة الكبرى التي قلبت الطاولة على نظام الأسد وحلفاؤه من المليشيات وروسيا بالفعل.

فحصار قوات الأسد والمليشيات الشيعية لأحياء  حلب  الشرقية الخاضعة لسيطرة الثوار، كان دافعاً قوياً للحمة الفصائل المقاتلة التي اجتمعت على هذه واحد وهو فك الحصار، ونسيت كل خلافاتها العقدية والسياسية وربما الفصائلية الضيقة التي لطالما كان السبب في إفشال الكثير من الأعمال العسكرية.

كما أن الحصار حقق للمعارضة هدف آخر على المستوى الخارجي، أو ربما يمكن القول بات رد فعلها العسكري مهما كان كبيراً أمراً منطقي وشرعي، ولا يمكن لأي جهة دولية مؤثرة في الملف السوري أن تمنع السوريين في المعارضة أن يفكوا الحصار عن مئات الألاف من أبناء جلدتهم والذين باتوا تحت وابل من صواريخ وقنابل بوتين روسيا، الذي خيرهم واحد من الموتان، جوعاً أو قصفاً .

كذلك جاء فك ارتباط جهة النصرة عن تنظيم القاعدة ليدعم التنسيق بشكل أفضل بين الفصائل المعارضة، وينهي بذلك أي تخوف لدى الفصائل من العمل مع مقاتلي الجبهة الذين أطلقوا اسماً جديداً على أنفسهم " جبهة فتح الشام " بغض النظر عن جدية التغيير الذي أبدته الجبهة إن كان فعلي يشمل كل مفاصلها أم شكلي، فهذا ليس مهماً في الوقت الراهن، فالأهم ربما مصير مئات الألاف من المدنيين المحاصرين بحلب، لا بل مصير حلب الثورة عامة .

كلية المدفعية والثكنات المحيطة .. أم المعارك ما أهمية السيطرة عليها 

تعتبر الجبهات التي فتحتها المعارضة جنوب غرب حلب في مواجهة كلية المدفعية والثكنات العسكرية المحيطة من أصعب الخيارات العسكرية، من حيث التوقيت والامكانات ومدى قوة الحشد المليشياوي المواجه، إلا أنها كانت بالفعل خياراً أمثل في مرحلة كان لا بد فيها من انجاز عسكري كبير يقلب موازين الأرض ويعيد للمعارضة هيبتها التي خسرتها في حلب على مدى السنوات الثلاث الماضية على يد قوات الأسد والمليشيات الشيعية وتنظيم الدولة وغيرها من القوى والتنظيمات المسلحة الإرهابية.

كان يوم الجمعة، 5 أغسطس، آب، يوماً تاريخياً بامتياز، حيث تمكنت المعارضة في وقت قياسي من كسر الدفاعات الأولى للمليشيات في أكثر معاقلها العسكرية تحصيناً وسيطرت على الكليات، التسليح والمدفعية، بينما ما تزال مستمرة في محاولاتها للسيطرة على الفنية الجوية.

وتتربع كلية المدفعية كأكبر ثكنة لنظام الأسد غرب حلب، وهي الأكبر بين رفيقاتها في المحيط القريب، كما أنها تعتبر مقراً للعمليات، ومركزاً لتدريب الوافدين الجدد من المرتزقة الذين ترسلهم طهران، أفغان وباكستانيين وغيرهم من جنوب شرق أسيا وأسيا الوسطى، كما تعتبر الكلية موقعاً مهماً ومنطلق عمليات عسكرية وحماية لحلب الغربية التي يسيطر عليها نظام الأسد.

وتقع الكليات الثلاث إن صح التعبير على مساحة 3 ونصف كلم مربع تقريباً، وتحتوي على حقل للرمي لتدريب الضباط على أسلحة المدفعية الثقيلة ويقع في الجزء الغربي منها، وكلية المدفعية تقع في القسم الأوسط، وكلية التسليح في الجزء الجنوبي، بينما يحتوي الجزء الشمالي الشرقي منها على الكلية الفنية الجوية ومدخلها قريب من كراج البولمان الجديد.

وتضم كلية المدفعية الكثير من المرافق العسكرية الخدمية، التدريبة وغيرها من المرافق، والمستودعات، والقاعات، والمهاجع، يوجد فيها مستودعات صواريخ "كونكورس" و"مالوتكا"، وقسم المحروقات وقسم آليات عسكرية وقسم المطعم والتعيينات، والقيادة،  ومباني العتاد الحربي ، وفيها كتيبة دفاعية ملحقة، تحتوي على مدافع ثقيلة عيار 180 وعيار 130 وعيار 122 وعيار 85 ومدافع "فوزليكا" وكذلك مدافع هاون عيار 120 وعيار 82.

كذلك فيها مهبطاً للمروحيات أحدث إبان قيام الثورة وهجوم المعارضة على حلب وتحرير قسم كبير منها، بالإضافة لمباني عديدة تستخدم من قبل الطلاب الضباط أي الدفعات المتطوعة حديثاً في صفوف قوات الأسد، بالطبع هذا كان قبل بدء الثورة.

وأن تمكنت المعارضة من السيطرة الكاملة على الثكنات العسكرية الثلاث بالإضافة لأكاديمية الأسد العسكرية في حي الحمدانية وكتيبة المدفعية في جمعية الزهراء غرب حلب، حينها يمكن القول أن نظام الأسد وحلفاؤه من المليشيات في ورطة حقيقية وأزمة وجود في حلب.

قائد غرفة عمليات الراشدين، النقيب أمين ملحيس، قال ل"أورينت نت " سوف تكون ملامح حلب مختلفة تماما عما هي عليه اليوم فيما لو تمكنت المعارضة من تحرير الكليات الثلاث، وسوف تبدا ملحمة حقيقية وتقلب الطاولة على النظام والحلفاء وسيفك الحصار، وأشار إلى أن  المعارضة مقبلة على مرحلة مهمة من تاريخ الثورة السورية، هذا إن لم تتدخل قوى خارجية دولية أو اقليمية في معركة حلب التي تبدو إلى الآن أنها ناجحة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات