لا انقسامات في أوروبا حيال تركيا -أردوغان، مثلما كانت في السابق حيال تركيا- العسكر، فكل العواصم ضد، ولأسباب مختلفة بين العهدَين. كان الحديث عن معاودة العمل بعقوبة الإعدام كافياً لكي يختصر السياسي الفرنسي ألن جوبيه مجمل الآراء بالقول "لا مكان لتركيا في الاتحاد الأوروبي". تلك ذريعة للكشف عن الحقيقة العميقة للموقف الغربي: ثمة حاجة إلى تركيا في حلف الأطلسي، وليس في الاتحاد الأوروبي. ففي عهد العسكر كان غياب الديمقراطية سبباً لرفض ترشّحها للعضوية، وفي عهد الديمقراطية باتت تسوية "المسألة الكردية" اختباراً لتأهلها للعضوية، وفي كل الأحوال كان "الإسلام" سبباً غير مباحٍ به لعدم ضمّها. وفي الأعوام الأخيرة سادت المزاج الغربي مشاعر مختلطة تجاه تركيا؛ إذ اتُّهمت بأنها تسهّل مرور المقاتلين الأجانب الذين انتهوا عند تنظيم "الدولة الإسلامية/ داعش"، واعتُبرَت أنها هندست عمداً موجات اللاجئين التي عصفت بأوروبا سياسياً واجتماعياً. كان الأوروبيون ولا يزالون يريدونها أن تتحمّل وحدها أعباء الأزمة السورية.
غير أن المأزق الأكبر يكمن في الانعكاسات المتوقعة على العلاقات مع الولايات المتحدة، وهذه أكثر صعوبةً وتعقيداً؛ إذ يتزايد التوتر بين أنقرة وواشنطن لسببَين محدّدين:
1) وجود مؤشّرات إلى أن أميركا كانت على الأقل تعلم بالانقلاب بحكم نشاطها الاستخباري وروابطها الوثيقة مع كبار الضباط.
2) توفّر معلومات لديها عن أنصار فتح الله غولن ومدى تغلغلهم في مؤسسات الدولة... وفيما تشير تسريبات عن التحقيقات إلى "دور أميركي" في المحاولة الانقلابية، لا يزال المسؤولون الحكوميون يركّزون على الأهمّ عندهم، أي تسلّم غولن لمحاكمته، وهذا نظرياً مستبعد حتى لو كانت الأدلة دامغة؛ لذلك يبدو التلميح إلى التورّط الأميركي وسيلة ضغط على واشنطن لتحقيق الهدف الآخر. ولعل القول بأن المحاولة أرادت استباق عملية التطهير التي كان الحكم يتأهب لإجرائها في صفوف الجيش يعزز اتهامات أردوغان بأن الانقلاب حظي بدعم خارجي. فالولايات المتحدة لم تكن لتمانع "إسلامية الحكم" طالما أنها لا تمسّ بـ "علمانية الجيش"، لكن الصدام حصل، وسيكون على الطرفين إيجاد أفضل الطرق لمعالجته، طالما أن الفراق بينهما صعب. ومع ذلك تنبغي مراقبة مدى التقارب الروسي- التركي في المرحلة المقبلة.;
التعليقات (0)