من موانع ظهور مشروع بديل يواجه تقسيم العرب

من موانع ظهور مشروع بديل يواجه تقسيم العرب
قطعنا شوطا لا بأس به؛ سعيا إلى بديل موضوعي لمخططات التقسيم الراهن، وتأليب القارة العربية بفئاتها وطوائفها ومذاهبها وجماعاتها ضد بعضها البعض.. وفي ظروف تتركز فيها الجهود الرسمية وغير الرسمية على الانتقام والتأديب والمعارك الخاسرة، بشكل يُدخل مصر في دوامة ما بعد الفوضى.. ولم تبق سوى خطوات للوصول لمحطة النهاية.. ورغم هذه الصورة القاتمة، فإنها لا تمنع التعلق بقشة فقد تكون قشة الانقاذ؛ بدل أن تكون “القشة التي قصمت ظهر البعير” حين تسببت في تجاوز قدرته على الحَمل والتحَمُّل..

وهناك موانع تعطل بلورة المشروع البديل لمخطط «الشرق الأوسط الكبير» أو الجديد. وأخطرها موانع ذاتية؛ يحيط بالمرء نفسه.. وتبقيه خاضعا لها، خاصة تلك ذات الأبعاد الثقافية، والتي صنعتها انحرافات السياسة وتبعية الاقتصاد وتراجع الثقافة.. فسادت القيم السلبية تحت وطأة التعصب والقسر والإفساد والدم، وتركت أمراضا عضوية وندوبا نفسية وعقلية غائرة؛ كشفتها ثورة يناير 2011.. وقد حاولت تلمس بعضها بنفسي عقب انقضاء الأيام الثمانية عشر التي عاشها الناس في ميدان التحرير وميادين الثورة في أنحاء البلاد؛ منضبطين بسلوك راق وسامٍ، وكأنها حالة فوق بشرية” بدت خارج الزمن.. مع أنها كانت ذروته وطفرته ومن داخله وفي صلبه.. وأفَلَت هذه الحالة سريعا؛ مع تخلي أسرة مبارك وخروجها من المشهد الرسمي.. وعادت الجموع إلى حيث أتت.. قانعة بالحشد أيام الجمع من كل أسبوع.. ومع الشيطنة المستمرة للثورة، وتساهل الحكم المؤقت مع فلول الحكم السابق؛ كل ذلك وغيره صنع بديلا أكثر توحشا وأقدر على الانتقام وأشد شراسة. 

وأثناء ذلك وجدنا من تصور أنه قادر على العمل منفردا دون حاجة لغيره الذي شاركه الجهد والتضحية.. وهناك من فهم الثورة على أنها مجرد حشد، وكان ذلك من مظاهر قوتها في البدايات.. وأصبح من نقاط ضعفها فيما بعد.. وعادة يقابل الحشد بآخر مضاد له.. وتضاعفت الحشود المضادة؛ من قوى كانت متوارية.. واكتشف الناس أنها أكثر مالا وعددا وعدة.. وكانت الثورة لديها من الكبائر قبل يناير، وكم أخرجوا دعاتها وأنصارها من الملة لما فيها من إزاحة للحاكم المسلم المحصن بـ «الفتاوى السلطانية».. الذي لا تجيز الخروج عليه شرعا.. واحتلت الحشود المضادة صدارة المشهد العام.. وأضحت الثورة بلا صاحب؛ شتتها الاستقطاب وفرقها التجاذب وهزمها الادعاء!!

وكان هناك كثيرون نفروا من العمل المنظم والجماعي.. وكان نفسهم قصيرا للغاية.. ومنهم من انصرف بحثا عن صفقة ومغنم.. فخف الزخم مع بداية البحث عن رجال أعمال وأباطرة مال، من أجل الصرف على الائتلافات والأحزاب والجماعات الجديدة.. ودخل مصيدة المال وفساد أباطرته التائهون في ميادين وشوارع الثورة فتأجلت، وإن لم تُجهض.. 

والسؤال؛ من هو القادر والمؤهل لحمل المشروع البديل، الذي يتصدى لمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد إلى الناس؟.. ومن المنطقي القول أن مصر هي المؤهلة لـ «الدور الهائم الذي يبحث عن بطل».. كما كان حالها سنة 1952، وهذا غير ممكن الآن؛ بعد أن قصرت في حق نفسها وحق أمتها، واختطفت دولتها من قبل أباطرة المال والأعمال ورضخت لخبراء استراتيجيين؛ شغلهم الانتقام وتصفية الحساب مع ثورة يناير وشيطنتها وتجريم شبابها والتنكيل بهم والزج بهم في السجون، وهؤلاء زادوا اقترابا من تل أبيب، وأعلوا العلاقة معها فوق الولاء الوطني والانتماء العربي والرابط الديني.. 

ويرتكز المشروع البديل الجامع على وحدة وطنية متينة وتماسك اجتماعي راسخ.. وتضامن عربي فعال.. وعلاقات دولية ندية غير منحازة.. وهذا غير متاح بالمستوى الكافي. 

وما حدث هو أن الثورة المضادة استجمعت قواها وأعادت ترتيب أوضاعها وتعلن عن نفسها جهارا نهارا؛ ولها صحف يومية خاصة واسعة الانتشار؛ تعبر عنها، وصلت حد المطالبة بوضع اليد المصرية في اليد الصهيونية، والعمل معا في افريقيا.. وكتب أحد الكتاب باسمه المستعار في 6/7/2016؛ بألا تُترك تل أبيب تنفرد بأفريقيا بسبب خصومة معها.. وتستثمر في حوض النيل لأننا نكرهها.. ونتفرج عليها وهي تتوسع في مشروعاتها مع حكومات أفريقيا لأننا نخاصم نتنياهو.. ويصف عارفو ذلك الكاتب «الشبح»؛ بأنه أكبر رجال التطبيع في مصر والمنطقة العربية، ورأس حربة معتمد من الاحتكارات والشركات الصهيونية في مجال استصلاح الأراضي والاستيلاء عليها والانتاج الزراعي والصناعات الغذائية والنسيج والسياحة والإعلام والمنتجعات والفنادق، وهو صاحب النفوذ الأكبر في تمثيل المصالح الأمريكية والصهيونية في مصر والمنطقة العربية.. وقد تعود على مخاطبة الرأي العام من وراء حجاب!!.

وهذا الكاتب تجاوز كل المحاذير.. فوصف: كل ما سبق (من مواقف ضد الصهيونية) بأنه لا يزيد على كونه منطقا طفوليا بحتا.. وتصرفا غير منطقي من زمن الحرب في عهود السلام. وإكليشيهات أكل الدهر عليها وشرب. لا أحد في أفريقيا يريد خسارة مصر. ولا مصر يمكنها خسارة أفريقيا. والأفارقة لن يخسروا إسرائيل. أو يخسروا مصالحهم لخاطر عيون العرب. هم يريدوننا (يقصد الدولة الصهيونية) أن نعمل معا. أن نتعاون مع كل مَن يستثمر في أفريقيا. لأن القارة السمراء تعاني مشكلات جمة. والأفارقة لا يرفضون أي يد تمتد إليهم بالمساعدة. حتى لو كانت هذه اليد يد نتنياهو!!.

ووجد الكاتب ضالته في نداء السيسي؛ حيث وظفه في خداع الناس على السير على نفس الخطى فقال: وبعد النداء الذي قام به السيسي من أجل التصالح بين العرب وإسرائيل. يجب ألا يمر هذا النداء مرور الكرام. من شأنه أن يغير شكل المنطقة اقتصاديا وثقافيا وعلميا، ومن جميع النواحي. ولن نترك الأمر لتفاصيل تعرقل هذا النداء، بل يجب أن نطالب السيسي باستكماله حتى بلوغ مقاصده. 

ومن يتذكر فقد توقعنا أكثر من ذلك من سنوات على هذه الصفحة، وقلنا لننتظر المطالبة الصهيونية بتعويضات عن الاغتصاب والإبادة وتهجير الفلسطينيين.. وقلنا إن هذا قادم ما دام واقع العرب في ترد دائم.. ودعوة الكاتب «الشبح» للعمل المشترك مع الدولة الصهيونية؛ يمثل مانعا كبيرا أمام ظهور المشروع البديل؛ لمواجهة مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد.

وتواتر الأزمات واشتدادها يزيد الضعف والوهن.. وعبر الرئيس السيسي عن ذلك في وصف مصر بأنها شبه دولة، وذلك صحيح إلى حد كبير؛ بعد أن بدأت الدولة تلغي نفسها، وتتحول إلى شركة تجارية قابضة من جديد.. كما كانت في عهد الرئيس الموازي جمال مبارك، تحت إدارة تجار وسماسرة ومضاربين في الأراضي والعقارات والعملة وغسيل الأموال، وانتهت أخيرا بالاقتراض بغير حساب، وبالغت في الجباية من الطبقة الوسطى والفقراء، ورفع الدعم على السلع واشعلت الأسعار.. 

ومصر الرسمية إذا ما أرادت أن تضطلع بدور رائد مثل هذا تحتاج قادة ومسؤولين بمواصفات خاصة؛ يملكون رؤى و لديهم أهداف واضحة، ويتمتعون بملكة الإبداع والابتكار، ويمثلون إرادة المواجهة، وذوي قدرة على التفاعل مع المواطنين، وعلى علاقة طيبة بهم ويحسنون مخاطبتهم ومعاملتهم، وعلى وعي بمقتضيات التنمية، ومتطلبات الاكتفاء الذاتي، ويعلون من قيمة الانتاج والتصنيع والزراعة والخدمات والرعاية بكل أنواعها؛ بجانب تعليم عصري وبحث علمي متقدم، وتصفية رواسب عقود الضعف والهوان.. 

والأهم هو تفادي الوقوع في براثن مؤسسات الدمار الاقتصادي والمالي الشامل؛ كـ»المصرف الدولي للإنشاء والتعمير» المنحاز دوما ضد العالم الثالث.. وسبق وسحب موافقته على تمويل السد العالي.. واستعادت مصر قناة السويس ومن دخلها دبرت تمويل السد، وأممتها عام 1956.. وتسبب ذلك في العدوان الثلاثي..

وباختصار فإن مشروع الوطن العربي الكبير أو الشرق العربي الجديد يحتاج عقولا نشطة، وسواعد قوية، وشبابا واعدا، وعملا نوعيا غير تقليدي، وهذا مغيب ومشيطن.. فهل يمكن التغلب على ذلك؟.. والرد؛ نعم!.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات