بشار الأسد .. والعشق الممنوع

بشار الأسد .. والعشق الممنوع
لم يكن متوقعا قبل أيام على الأقل أن تقوم طائرات الأسد بقصف مدينة الحسكة بالصواريخ مرات متتالية وبغارات عنيفة، ليس مرد الاستغراب أن طائرات الأسـد لا يمكن أن تقصف مدنا سورية على رؤوس أهلها، بل لأنها دأبت على تحديد أهدافها بتوزيع طائفي وعرقي ومصلحي بيّن، وفق معطيات ومجريات الأحداث، الحسكة مضت آمنة طيلة السنوات الخمس المنصرمة لأنها كانت أحد مراكز تحالف نظام الأسد مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الـ PYD، ولأن نظام الأسد عوّل على تحالفه لإبقاء المدينة بكل أعراقها وأديانها خارج دائرة الثورة، ولايمكن أن ننكر أن حزب صالح مسلم آمن له ذلك إلى أن تطور الأمر للمشاركة في السيادة من خلال إنشاء ما يسمى بالإدارة الذاتية وإقامة الكانتونات، أما التطور الأبرز كان خلق قوة عسكرية سميت بوحدات الحماية تطورت لاحقا وأمنت لها الولايات المتحدة غطاء وسلاحا لتنظم في ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية وتلا ذلك وخلاله كان الحزب يمارس كل طقوسه بالحكم القمعي والحرب على جميع المخالفين وأول ضحاياه كانوا من الأكراد غير المتفقين معه ومع رؤيته.

مايكل راتني المبعوث الأميركي إلى سوريا قال صراحة إن الوحدات الكردية شريك وحليف في الحرب ضد تنظيم الدولة وهو يعلم أيضا أن لكلٍ حربه فإن كانت حرب واشنطن فعلا ضد التنظيم، فإن حرب الـ PYD مختلفة تماما، راتني قال إن بلاده لم تجد شريكا عربيا سنيا، وهذا متوقع وطبيعي لأن أهداف الثوار من العرب السنة تختصر بإسقاط الأسد أولا، ومن ثم يبدأ عمل آخر أو مهمة أخرى بخلاف أهداف واشنطن والوحدات، خيار شراكة الوحدات كان استراتيجيا للولايات المتحدة في وجه تركيا، وكذلك يضمن لها يداً على الأرض وعززت هذه اليد بمستشارين ومقاتلين وغطاء جوي، استعدادا للمعارك وللبازرات، وقد كان فعلا، فُتحت المعارك وحققت قوات سوريا الديمقراطية السيطرة تلو الأخرى حتى وصلت منبج وسيطرت عليها، وبدأ الحديث عن الباب وجرابلس وهنا اجتمعت ظروف وعوامل ومعطيات تسمح لأي متابع أن يتكهن ويحلل ويفسر.

المصالحة التركية-الروسية وما تبعها من حراك وسيل من التصريحات وخاصة ما يتعلق بتصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم الذي كان دائما يحتاج لمفسرين بعد أي تصريح يتعلق بسوريا، لكن لايمكن وصف تصريحاته بأنها تراجع تركي أو أنها غزل لبشار الأسد (كما روّج) بل يمكن اعتبارها "الأكثر وضوحا" فيما يتعلق بالتصورات المستقبلية، إن كان على سبيل قبول المرحلة الانتقالية أو حتى قبول الأسد فيها، تزامنت تصريحاته دائما مع حراك إقليمي، وكان شديد الغرابة عندما وجه كلاما إلى دمشق باعتبارها عاصمة "رسمية" بأنها الآن أدركت خطر حزب العمال الكردستاني، ويعني تشجيعا لها على ماتقوم به من قصف مدينة الحسكة من موقع الناصح، هذا كله تبع معركة حلب وسيطرة الثوار على جزء مهم من محيط المدينة وفتح طريق إلى الأحياء التي كانت محاصرة، ومباشرتهم جديا التحضير لمعركة السيطرة على المدينة، ولذلك خلطت الأوراق تماما بتحويل الانظار إلى الحسكة بعد قصف الأسد العنيف لها ودخول عناصره وشبيحته في معارك داخل المدينة مع عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذين كانوا بالأمس القريب جدا حلفاء، وهذه المعارك على شراسته لم يمكن تفسيريها بأنها خلاف على حاجز تشبيحي أو على اختطاف عنصر من هنا أو هناك، إنها تكتيك جديد كليا.

هل هو غزل دمشقي لأنقرة؟ هل هو جزء جديد من العشق الممنوع الذي يفضله الأسد، وهل يمكن ربطه بالمصالحة الروسية - التركية والحصول من موسكو على تعهد بالمساعدة في الحيلولة دون قيام كيان كردي شمال سوريا يحاذي جنوب تركيا "الكردي"، قد يكون ذلك، إن افترضنا أن أنقرة تحاول الرد على ماقامت به واشنطن في هذا المجال وعلى تحالفها المكروه تركياً مع جناح حزب العمال الكردستاني من خلال روسيا التي بدوره تقدم هذه الخدمة من خلال تستخدم صبيها بشار الأسد، ولأنه ونظامه لاعهد لهم ولا ذمة فهذا يفسر الانقلاب السريع والحاد على حليف الأمس إرضاء للكفيل الروسي، وفي هذه الفرضية يمكن أن يكون لإيران أصابع، خاصة وأنها تشترك في الأمر من عدة جهات لأنها جزء أصيل من قتلة الشعب السوري ولها مشروع كبير في سوريا ولاننسى أن أكرادا كثر، يعيشون في إيران ولهم أحلام وحقوق مغتصبة وبدأت تنشط بعض حركاتهم المسلحة هناك، ويمكن أن نذهب بعيدا في ربط ما جرى في بطرسبرغ الروسية بين أردوغان وبوتين، ربطه بما يجري في حلب من مراوحة معركة السيطرة على المدينة في المكان، وهي التي كانت قاب قوسين أو أدنى من البداية الحقيقة، وتزامنت هذه المراوحة مع استعداد الجيش الحر لهجوم على جرابلس وقيل أن جزءا لابأس به من المقاتلين سيدخلون من تركيا وبعضهم تدرب وتجهز هناك، وإن كنت شخصيا استبعد احتمال مقايضة الثوار دخول حلب بدخول جرابلس، لكن ثمة من يهمس إن اتفاقا وقع على النحو التالي (واشنطن تمنع الوحدات الكردية من دخول جرابلس وتركيا توقف معركة حلب لحين ظهور تطور جديد)، ومن الشمال أيضا تواردت أنباء عن استعدادات عسكرية لعناصر الأسد والمليشيات الشيعية في نبل والزهراء بغية الهجوم على الوحدات الكردية في عفرين على أن تؤمن موسكو غطاء جويا للمعركة وتؤمن إيران مزيدا من المرتزقة. 

من كل هذا يمكن القول أن تنظيم الدولة أصبح في سوريا إرثا فقط وبدأ توزيعه بين اللاعبين، وأن الوحدات الكردية وصالح مسلم خاضوا كثيرا في لعبة كبرى لا تؤمن نتائجها لكن كان أبناء جلدتهم من الأكراد أول ضحاياها ومعهم عرب الجزيرة وليس بعيدا أن يدفع الجميع الثمن مرة ثانية، ولا أخشى من انقلاب تركي حاد تجاه الأسد لأنه ورقة أصبحت محروقة ولا يمكن اللعب بها، لكن أنقرة اختارت طواعية المشي في حقل الألغام وهي تعي أن لغما أو أكثر يمكن أن ينفجر تحت أقدامها لكنها مستمرة بالمشي، أما موسكو فتحاول استغلال فترة البطة العرجاء في واشنطن لتصنع واقعا يفيدها في بازارات قادمة.  

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات