ليست حالة ضياع

ليست حالة ضياع
يعيش الكثير من السوريين المناوئين للنظام، هذه الأيام، حالة من الارتباك، فهم غير قادرين على فهم ما يجري حولهم بسبب تسارع الأحداث داخل سورية وحولها، وتذبذب وضبابية وتبدّل مواقف الدول الفاعلة في الملف السوري، وبسبب الأحداث الميدانية التي تتغير كل يوم هبوطاً وصعوداً، والأهم بسبب الكثير من الشائعات والمبالغات والتشاؤم الذي يتلبس الحلقات الأضعف في المجتمع.

خلال شهر واحد، شهد السوريون انتصار المعارضة في حلب، وفشَل الخطط الخرقاء للنظام للسيطرة عليها، رغم الدعم الروسي الكبير، وتابعوا بريبة غزوة القوات الكردية على منبج وسيطرتها عليها، وإعلانها عن نيّتها التوجه لجرابلس والباب والرقة وكل مكان، كما هلّلو للدعم التركي الكبير لفصائل المعارضة لتسبق الأكراد وتمنعهم من الحلم بها، وإرغامهم، بأوامر العم سام، أن يعودوا لشرق الفرات، وما رافق ذلك من اشتباكات (أو يُقال مسرحية اشتباكات) بين القوات الكردية وميليشيات النظام في الحسكة، وخروج النظام من الحسكة خاسراً، لتتحكم قوات الأساشي الكردية الصرفة بالمدينة.

كذلك شهد السوريون التقارب أو الصلح الروسي - التركي المفاجئ، وما تبعه من تصريحات وتحليلات لا نهائية عن تأثيره المباشرة على الملف السوري، كما سمعوا شائعة عن حلف روسي - إيراني - تركي، سيحرق الأخضر واليابس.

كما شهدوا، وفي نفس الشهر، كيف غازلت السياسة الإيرانية (الباطنية) تركيا، في محاولة لاستدراجها لحلف قيل أنه (يُطبخ) على نار هادئة، وسمعوا شائعة وساطة إيرانية بين القيادة التركية والنظام السوري، لتصفية القلوب وتهدئة الخواطر، مع ترويج وسائل الإعلام بأن ما بين البلدين مجرد خلاف في وجهات النظر، وأن تركيا جاهزة لبيع مواقفها.

كذلك، شهد السوريون عنتريات روسية كثيرة جداً، ليس أولها إعلانها عن نيتها تحويل حميميم ليستوعب أسلحة نووية، وليس آخرها إعلانها استخدام قاعدة همدان كمرتكز لقصف سورية بطائرات عملاقة، فضلاً عن مفاجئتهم بإعلان الصين عن تدخّلها في الميدان العسكري السوري، من خلال تدريبها لقوات النظام.

ليس هذا فحسب، بل شهد السوريون أيضاً، وخلال نفس الشهر، إعلان روسيا أنها ستلتقي بالمعارضة السورية في الدوحة، ثم تبيّن أنهم سيلتقون مستقلين لا يمثلون أي كيان معارض، واستغروا لسماعهم أن معارضين سوريين ينوون تشكيل كيان جديد في القاهرة، وآخر في لندن، كما تابعوا بحزن إعلان ثوار داريا أنهم تعبوا وعقدوا اتفاقاً مع النظام ليخرجوا منها آمنين بعد نحو أربع سنوات من البطولة الفريدة، وما تبع هذا الإعلان من تشاؤم عمّ أصحاب الثورة.

تصاحب ذلك كلّه مع سلسلة من الإشاعات، لا يعرف أحد مصدرها، كإشاعة تصالح أردوغان مع الأسد، وإشاعة تشكيل حلف روسي - تركي - إيراني، وإشاعة قرب توصل الأمريكيين والروس لاتفاق يُبقي الأسد، وإشاعة سحب يد دول الخليج عن الملف السوري، وإشاعة انتهاء الثورة باستسلام داريا، وغيرها.

هذه الأحداث التي تحتاج في ظرف عادي لـ (عمر كامل) لتحدث، حصلت في سورية بأقل من شهر، ما أربك الكثيرين وشلّ قدرتهم على التحليل والربط، وخلط الأوراق ليصعُب جمعها، ودفع الكثيرين للتشاؤم الزائد، وللقول إن ما يجري هو بداية نهاية الثورة، وبداية (المؤامرة) الدولية عليها، وبداية مشوار صعب ينتظر المعارضة، ونهاية لأحلام اللاجئين بالعودة لبلدهم، ونهاية حلم العيش بحرية وكرامة.

يمكن أن يكون (كل أو بعض) ما ذُكر من أحداث صحيحاً، ويمكن أن تتغير مواقف الدول والأطراف، ولا يستطيع السوريون ضمان ثباتها، ويمكن أن تُغيّر تركيا استراتيجيتها لحساب مصالحها القومية، كما يمكن أن تحاول روسيا و/ أو الولايات المتحدة فرض ما تريد، مفترضين عدم وجود اعتراض سوري، كما يمكن أن تحاول أطراف إعادة تلميع النظام السوري وتأهيله، لكن كل هذا لا يُبرر لأصحاب الثورة أن يرتبكوا ويعيشوا حالة من الضياع.

عادة، أصحاب الثورة لا يتوهون، ولا تضيع بوصلتهم، وهذا ما يجب أن ينطبق على أصحاب الثورة السورية، إذ مهما كانت التحديات والتشابكات، يجب أن تبقى رؤيتهم واضحة، وكُلّما تاهوا، عليهم ببساطة أن يتذكروا أهداف ثورتهم الأساسية، الحرية والكرامة والديمقراطية والمواطنة، فكلها مطالب واضحة لا تضيع ولا تتوه بوصلتها، مطالب نادى بها نحو نصف مليون من الضحايا قبل أن يغادروا، ومازالت أصداء أصواتهم تصل للآذان، لتؤكد لأصحاب الثورة أن هذه الأهداف هي بوصلتهم ومُرشدهم، وإن اتّبعوها وأصروا على تحقيقها، فإنهم لن يضيعوا أبداً.

التعليقات (1)

    kk

    ·منذ 7 سنوات 8 أشهر
    أمريكا تريد تسليم سورية للنظام قبل انتهاء فترة أوباما وليس العكس كما يظن الكثيرون بأنها تعدل مواقفها لصالح الثورة .. في أمريكا .. اذا كنت مهذبا وعلى خلق ومؤدبا فأنت عرضة لأبشع حالات الاستغلال المتوقع وغير المتوقع لقد قلنا للمعارضة من قبل كونوا زعران وارفعوا اصواتكم فتسمعون بضم التاء.. لا يهتمون لا بالأطفال ولا بشيء ولا يبقى الديمقراطيين يحكمون أمريكا الا اذا قدموا الولاء بجعل النظام يكسب او بخسارة الثورة .. بأمريكا مصلحتي قبل الجميع حتى لو كانت فوق عيون الأطفال المفقوئة افهموا بئى..
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات